"حتى إذا حاولوا التنزه قليلاً للترفيه عن أنفسهم، نطلق عليهم النار"، هكذا تتعامل الطائرات الأميركية مع مقاتلي تنظيم "داعش" الذين يبتعدون أكثر من اللازم عن قافلة حافلاتهم المُحاصرة في الصحراء السورية والذين خرجوا من معقلهم السابق على الحدود السورية اللبنانية في إطار اتفاق مع حزب الله اللبناني.
وقال مسؤولون بوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إنَّ 11 حافلة مليئة بمقاتلي داعش وعائلاتهم توقَّفت في الصحراء على مدار الساعات الـ72 الماضية، وتُزوَّد في بعض الأحيان بالمؤن عن طريق شاحنات قادِمة من مناطق سيطرة النظام السوري.
وتمنعهم الطائرات الأميركية التي تحلق فوقهم من الوصول إلى معقل داعش في دير الزور بشمال شرق سوريا، وفي حين يبدو حتى الآن أنَّهم غير مستعدين للعودة إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، حسبما ورد في تقرير لمجلة فورين بوليسي الأميركية.
لكنَّ الطائرات الأميركية التي تتعقَّب القافلة تقضي على أي محاولات قادِمة من الشرق -أي من مناطق سيطرة داعش- لتزويد القافلة بالمؤن، حسب المجلة الأميركية.
وقد أُصيبت 40 مركبة على الأقل في غاراتٍ أميركية في الأيام الأخيرة، وتتصيَّد الطائرات الأميركية مقاتلي داعش بشكلٍ فردي أو في مجموعات من شخصين، وذلك حسبما قال ريان ديلون، المتحدث باسم التحالف الدولي ضد داعش في بغداد لـ"فورين بوليسي".
لماذا يتشاجرون معاً؟
ولا يستطيع أي من مقاتلي التنظيم وعائلاتهم في القافلة المحاصرة، الابتعاد عن القافلة المحاصرة بنيران الطيران الأميركي حتى لقضاء حاجته، وإلا أطلقوا عليه الرصاص.
وفي آخر جولات القصف مساء الثلاثاء، 5 سبتمبر/أيلول 2017، ضربت طائرة أميركية مقاتلين من داعش ابتعدا كثيراً عن الحافلات. وقال ديلون: "إذا ما ابتعدوا بشكلٍ كافٍ لنا لكي نضربهم، سواء كان ذلك للهروب سيراً على الأقدام أو للترفيه عن أنفسهم، فإنَّنا سنضربهم".
وقال ديلون إنَّه بعد عملية إعادة التزويد بالمؤن مساء الخميس، 31 أغسطس/آب 2017، رصدت عمليات المراقبة الأميركية شجاراً بسيطاً بالأيدي بين مجموعة من المقاتلين المحاصرين، الأمر الذي يشير لاحتداد المِزاج بعد أسبوعٍ في الصحراء.
وبدأت رحلة ما يتراوح بين 300 إلى 500 من مقاتلي داعش وعائلاتهم قبل ثمانية أيام، بعدما استسلم المُتطرِّفون لحزب الله قرب الحدود اللبنانية.
وتضمَّن جزء من الهدنة، نقل المجموعة، التي ضمَّت نساء وأطفالاً، على متن 17 حافلة عبر البلاد إلى معقل داعش في أقصى الشرق السوري على طول الحدود العراقية.
وهنا تعثَّر الاتفاق.
فقد اعترض القادة الأميركيون على الهدنة وبدأوا في قصف الطريق ودمَّروا جسراً كان من المفترض أن تمر القافلة في طريقها عبره. وبحلول عطلة نهاية هذا الأسبوع، استدارت 6 حافلات وعادت إلى مناطق سيطرة النظام، تارِكةً وراءها 11 حافلة في الصحراء شمال غربي مدينة البوكمال قرب الحدود العراقية.
وغرَّد بريت ماكغورك، المبعوث الأميركي إلى التحالف الدولي ضد داعش، على موقع تويتر الأسبوع الماضي قائلاً إنَّ الولايات المتحدة "لن تسمح لهذه القافلة الإرهابية بالاقتراب أكثر من حدود العراق" وإنَّ المتشددين "يجب أن يُقتلوا فوق ميدان المعركة، لا أن يُنقلوا عبر سوريا إلى الحدود العراقية دون موافقة العراق".
ورفض رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، ومسؤولون آخرون الصفقة التي أبرمت بين حزب الله وتنظيم داعش برعاية النظام السوري، والتي بمقتضاها سُمح لمقاتلي التنظيم وأسرهم بالانتقال من الحدود اللبنانية إلى شرق سوريا قرب الحدود العراقية مقابل الكشف عن مصير الجنود اللبنانيين التسعة الذين اختطفهم التنظيم عام 2014 (تبين مقتلهم بعد تنفيذ الصفقة)، مؤكدين أنهم لن يسمحوا لهم بدخول العراق.
من جانبه اتهم حزب الله، في بيان له، "الطائرات الأميركية بمنع الحافلات من التحرك ومحاصرتها في وسط الصحراء، ومنع وصول أحد إليهم ولو لتقديم المساعدة الإنسانية للعائلات والمرضى والجرحى وكبار السن".
وقال البيان: "في حال تعرضت هذه الحافلات للقصف مما سيؤدي قطعاً إلى قتل المدنيين فيها من نساء وأطفال وكبار السن أو تعرضهم للموت المحتم نتيجة الحصار المفروض عليهم، فإن المسؤولية الكاملة تقع على عاتق الأميركيين وحدهم. وأمام هذه الاحتمالات فإن على ما يسمى بالمجتمع الدولي والمؤسسات الدولية التدخل لمنع حصول مجزرة بشعة".
ورد أمين عام "حزب الله"، حسن نصرالله، على الانتقادات للاتفاق التي أطلقها مسؤولون عراقيون بينهم شيعة يفترض أنهم أصدقاء للحزب قائلاً: إن الاتفاق قضى بنقل عدد من مسلحي داعش وعائلاتهم من أرض سورية إلى أرض سورية أي من القلمون الغربي السوري إلى دير الزور السورية وليس من أرض لبنانية إلى أرض عراقية كما قيل".
خط ساخن روسي أميركي والمسؤولية على النظام
ونقل التحالف الأميركي رسالةً إلى دمشق عبر الوسطاء الروس الأسبوع الماضي أيضاً، مُحذِّراً من محاولة دفع مقاتلي داعش شرقاً، قائلاً إنَّ الولايات المتحدة لن تسمح بذلك.
وفي تصريحٍ الأحد، 3 سبتمبر/أيلول 2017، قال الجنرال ستيفن تاونسند، قائد التحالف الدولي ضد داعش في العراق وسوريا، إنَّ "النظام السوري يجعل النساء والأطفال يعانون في الصحراء. إنَّه يتحمَّل مسؤولية الوضع بأكمله".
وقال البنتاغون إنَّ خطاً ساخناً بين الجيشين الأميركي والروسي العاملين في سوريا لا يزال مفتوحاً، وإنَّ الجانبين يتحدثان بشكلٍ يومي، على الرغم من اعتراضات موسكو على توقيف الولايات المتحدة للقافلة في الصحراء.