انتشار الأخبار وتدفقّها عبر وسائل الإعلام إضافةً للتطبيقات الهائلة التي أصبحت بمتناول الجميع صغيراً وكبيراً كان من شأنها أن تؤثّر بشكل ملحوظٍ على وعي الأفراد في القضايا المختلفة، خاصّةً أولئك العاجزين عن تحليل ما وراء نشر المادة الصحفيّة، سواءً أكانت مكتوبة أو مسموعة أو مصوّرة، وافتقار وسائل الإعلام للتحليل الصادق خصوصاً المحزبّة، وعدم عرض القضايا من وجهات النظر جميعها ساهمت في الأميّة الإعلاميّة رغم المحاولات المتواضعة للمساهمة في نشر التربية الإعلامية والرقمية بشكلٍ أكبر في فلسطين.
وأدّت قلة الوعي تحديداً بين فئة الشباب إلى قلّة انخراطهم في قضايا المجتمع، أو عدم قدرتهم على التعبير الصحيح، وأصبحوا عبارةً عن متلقين للمادة الإعلامية لا مساهمين ومنتجين ومشاركين بإعدادها، إضافة لتسليط وسائل الإعلام على الإنجازات وإهمالهم للمشكلات، وعدم تقبل ثقافة النقد بين أفراد المجتمع واعتبارها موضوعاً شخصياً يمسّ بالأفراد ولا يهتمّ بمعالجة الخلل من وجهة نظرهم.
لننتقل أيضاً إلى مفهوم العلاقات العامة الرائج، الذي يختصّ بالترويج لإنجازات أيّة مؤسسة أو دائرة حكومية أو خاصة، مبتعداً عن إثارة المشكلات ومخفياً للقضايا الشائكة، خاصّة إذا ما اعترض المجتمع على ظاهرة كبيرة تخصّ هذه المؤسسة؛ لنجِدَ فوراً بياناتٍ صحفيّة خاصّة بقضية رأي عام تدحض كل الاعتراض من أفراد المجتمع، وتهتمّ بإخراج المؤسسة على أحسن وجه للبقيّة؛ لتترك المجتمع ما بين تصديق المعترضين أو الوقوف إلى جانب المؤسسة.
محاولات عدّة يبذلها صحفيّون فلسطينّون في انتقاد قضايا شتّى ليضيّق الخناق عليهم، بعيداً عن السماح لهم بأدنى حقّ وهو حرية التعبير والرأي، منهم من يكمل النقد والتحليل لأجل تصحيح المسار، وآخرون يعزفون عن ذلك خشية خسارتهم لوظائفهم أو أن يكون مصيرهم التحقيق معاهم.
فيما تعاني الجامعات الفلسطينية خصوصاً كليّات الإعلام من قلّة المساقات الجامعيّة التي تطرح مفهوم محو الأميّة الإعلامية، والتوعية بأهمية إثارتها لتقتصر فقط على محاضرات قليلة من الكتابة التحليلية حولها، فيتخرّج طلبة إعلاميون لديهم شحّ في فهمها، إضافة لقلّة إدراك المحاضرين الجامعيّين بأهمية تسليط الضوء عليها، والتزامهم بالخطة الدراسية الموجودة منذ سنين كثيرة.
إلى جانب ذلك، تسعى بعض المنظمات والمؤسسات الشبابيّة إلى إدراج ورشات خاصّة بمفاهيم الانخراط في الحياة السياسيّة والإعلام الرقمي لتسلّط الضوء على قضايا قليلة من مجمل القضايا الموجودة في المجتمع، لتنهض بوعي الشباب خاصة.
ما بين التأرجح في نقل المواد الإعلامية من الإعلام الإسرائيليّ واقتصار الصحفيين على ترجمتها دون التأكد من مصداقيتها وحقيقتها، وبين شحّ الإعلام الفلسطيني من تحليل الإعلام الإسرائيلي الذي ينشر باللغة العبريّة وقلة الصحفيين والمواطنين الذين يدرسون اللغة العبرية، أضحت سبباً لقلة الوعي للتربية الإعلامية والرقمية، كنتُ قد أعددت بحثاً خاصاً منذ شهرين لجامعة أوسلو في دورة ماجستير عن صحافة الحرب والسلام والعولمة كان يُعنى بالتغطية الفلسطينية والإسرائيلية لحرب غزة عام 2014م، من خلال بحثي حول هذا الموضوع تبيّن الفرق الشاسع ما بين التغطية الفلسطينية التي ركزّت على أنسنة الموضوع دون تحليل الحرب، ونشرت مقالات من صحف إسرائيلية دون أن تهتمّ بتحليلها وتوجيه المجتمع، وما بين التغطية الإسرائيلية التي بيّنت حجم الضرر بالنسب المئوية لكل فئة، وخرجت بمقالات عديدة تنتقد الحرب وتحلّل نتائجها ومستقبلها وتركز على آراء محلّلين عدة في هذه الحرب.
ما بين فترة وأخرى نشهد تطوراً تكنولوجياً كبيراً بتطبيقات جديدة تبعاً للتطورات الرقمية في العالم؛ لذلك يتوجب استغلالها بالطريقة الصحيحة عن طريق إدخال مفهوم التربية الإعلامية إلى جانب التربية التكنولوجية، واستثمار كفاءة الصحفيين وقدرتهم بالشكل الصحيح، وعقد دورات متخصّصة بالتربية الإعلامية والرقمية تستهدف فئة الشباب أكثر عن طريق توعيتهم، والضغط نحو الجامعات الفلسطينية، تحديداً كليات الإعلام؛ لتسليط الضوء نحو هذا المفهوم، واستضافة خبراء متخصصين بها، والاستفادة من أكاديمية التربية الإعلامية والرقمية في بيروت لتأهيل أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع بها.
المصادر:
مقال بعنوان زرع بذور التربية الإعلامية والرقمية في لبنان والعالم العربي أهمية المناهج المستدامة والمطورة محلياً– جاد ملكي
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.