سيأتي يَوم تَتبدد فيه الغيوم، وتنقشع الظلماء من النفوس، وتَهنأ وتصفو فيه الحياة، وتغدو النفس والشخوص أفضل، ويظهر قَوس قُزح ويُزين الأجواء بالبهجة والمَسرات، وتَعقد الذات فيه معاهدة سلام، ويَنتصر الإنسان في أعتى وأقسى معركة يخوضها مع ذاته؛ فالانتصارات والفتوحات العظيمة تأتي من هنا.
كل شيء يحدث لنا وفي هذه الدنيا لحكمة ما، لا يعلم حقيقتها إلا الخالق العظيم، أحياناً تنكشف لنا هذه الحكمة أو بعضها وأحياناً لا يحدث، ولكن علينا أن نُحسن الظن باللَّه، فهو علام الغيوب.
تأتينا الضربات، وتُحيط بنّا الفتن والابتلاءات من كل حدبٍ وصوب، ونَظن أنها النهاية؛ وما هي إلا مجرد البداية لشيءٍ عظيم، ربما سَيقلب حياتنا رأساً على عقب، ونجد أنفسنا ضِعَاف حيارى نتخبط في الطريق، لا نعرف ما يجب؟ وما لا يجب فعله؟ ولكن، إيماننا باللَّه وأنه صنعنا على عينه، وخَلقنا وأحسن خَلقنا وهو أعلم بنّا من أنفسنا، وهو أرحم من الأم بولديها، يُشعرنا بالاطمئنان والأمل، وأننا خُلقنا فى الدنيا للآخرة، وأن كل هذا سينتهي بإذن اللَّه؛ فلم يُكتب لنا الخلود، وما هي إلا دنيا وليست بالجنة، وأننا إن أَحسنا واتّبعنا الصراط المستقيم لن نهلك ونُترك هكذا لحالنا بلا نجاة ولا زاد نتزود به، زَادنا الإيمان باللَّه وأنه قادر على كل شيء، وعزاؤنا أننا لن نُخلد هنا، وإن اتّبعنا النهج وطريق اللَّه نجونا ودخلنا الجنان وتمتعنا بالنعيم الحقيقي الذي صُنع لنا.
وإذا نظرنا للكون من حولنا أدركنا ضِئل وصغر هذه البَلايَا، وأنّا نقوى بإذن اللَّه، ألم تُصنع لتجعلنا أقوى وأصلب أمام المحن راسخين ثابتين كالجبال الرواسي، لتكشفنا أمام أنفسنا، وتظهر لنا الخَوخ والمعطوب لنصلحه ونتعلم منه، ونلجأ إلى مولانا ونتقرب منه أكثر، فلن يتركنا هكذا تتقاذفنا الأمواج والرياح العاتية وتلك الهواجس والهموم التي تؤجج وتتعب القلب، وسيأتي الضياء برغم الغيوم، وتَشدو الطيور بذاك القدوم، ونمضي معاً على دربنا، وفي كفنا شعلة من علوم.
قال الإمام الشافعي:
ولرب نازلة يضيق لها الفتى ** ذرعا وعند اللَّه منها مخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ** فرجت وكنت أظنها لا تفرج
وننجو كما نجا سيدنا يُونس من بطن الحوت، وكما نجا سيدنا يُوسف من غيابة الجُب، ونحقق الفتوحات والانتصارات كما حققها رسولنا الكريم مُحمد -عليه الصلاة والسلام- وصحابته الكرام وكل مَن اتبعه وسار على نهجه واقتدى به.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ)، (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)، (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ، أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ، مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)، (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ).
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.