مُعادلة.. لا تكلمني!

لكننا نجلسُ الآن أمام شاشات حواسيبنا، ننتظر مصائرنا التي ستُعلَن من قِبل الوزارة المبجلة بعد شهر، في حين أنها قد أعلِنت بالفعل لأبناء الوطن منذ أسابيع.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/02 الساعة 04:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/02 الساعة 04:44 بتوقيت غرينتش

العلم نور.. والجهل ظلام!
لكن نور علمنا خافتٌ للغاية.. ويتداعى!
لمدة 12 عاماً متتالية، ضوءٌ خافتٌ يتسرب إلى عقولنا بروية؛ حيثُ بدأناه بتعلم القراءة والكتابة، مروراً بالعمليات الحسابية، وأساسيات العلوم، وبعض التفاصيل المهمة في المرحلة المُتوسطة، وصولاً إلى الكارثة الكُبرى المرحلة (الثانوية).. ورغم ما يقوله المُعجم بشأن اسمها، فقد اعتبرناها الضربة القاضية، وأكسجين الحياة، وطوق النجاة وأسلحة المعارك والحروب، ومُهلِكة الطغاة!

تحبس أنفاس الطلاب، وأولياء أمورهم من قبلهم.. تُصبح شغلهم الشاغل.. وتُفتح أبواب مِطحنة القمح المعهودة!
ثلاثُ سنواتِ من الضغط العصبي، والنفسي، والجسدي.. ثلاثُ سنوات تقدَّر الفائدة فيها بأقل من نصف فائدة ما سبقها!

تفاصيل زائدة، ومُكرَّرة.. في مواد نبغضُ معظمها، ولا نستقي ما يرضي شغفنا في بقيتها.
نقضي ساعاتنا الأربع والعشرين بين كتب المواد الدراسية، نحفظ ثلاثة أرباعها، ونفهم رُبعها!

أو هذا ما يجب أن يكون عليه الأمر، من وجهة نظر مجتمعنا المُبجل، وأولياء أمورنا الرائعين..

– لماذا؟
لا تمازحني!.. بالطبع كي ننال الدرجات المرتفعة، التي تمنحنا فرصة دراسة الطب والهندسة، أو الهندسة والطب!
كليات القمة يا صديقي.. لا يهم إن كنتَ رساماً مبدعاً، أو كاتباً موهوباً، المهم هو أن يسبق اسمك حرف الدال أو الميم.

لا مانع من أن تلتحق بكلية الطب، عندما تكرهُ مادة الأحياء، ولا بأس في التحاقك بكلية الهندسة، حين يكون رأسك خاوياً من كل ما له علاقة بالحساب أو الفيزياء.. لا بأس، أو لا يهم.

كل ما يهم هو أن نضع الدرجات الكاملة نصب أعيننا، لا شيء سواها.. لا شيءَ قبلها، ولا شيء بعدها، ثم ننجو من المعركة بأمراضٍ جسدية، واضطرابات نفسية، والقليل من تلف الأعصاب، هذا إن نجينا أصلاً، فالناجون هنا بالمفهوم العربي هم دارسو الطب، أو الهندسة!

لن أعترض على كل ما سبق ذكره، رغم اعتراضي الواضح من البداية، لكنني سأستعرض فقط مرحلة ما بعد المعركة..

أبلغُ من العمر ثمانية عشر عاماً تقريباً، مَن أنا الآن؟ يُقال إنني طالبة جامعية، ستبدأ عامها الأول في الجامعة بعد قرابة الشهرين، لكنني في الحقيقة لستُ كذلك، أنا طالبة مُغتربة، قضت أعوامها الـ12 خارج موطنها!
هذا ليس لأن موطنها جنة الله في الأرض بالطبع، وليس لأن دولة إقامتها كانت كذلك أيضاً، كل ما في الأمر أن ذلك قد حدث بالفعل، وانتهى.

سنوات دراستها مساوية لسنوات دراسة الوطن العربي أجمع، أنا إنسانٌ عادي، أملك جنسية هذه الأرض التي أنشر منها مقالتي هذه، تعلمت ما تعلموه، ولكن ليس معهم، حفظت ما حفظوه، ولكن ليس في فصولهم، وأهلكني ضغط المطحنة كما فعل بهم تماماً.

لكنني أكتبُ الآن مقال رثاء، رثاء لطلاب الثمانية عشر عاماً، أولئك الذين يملكون شهاداتٍ خُتِم عليها بأختام دولٍ عربيةٍ أُخرى.
رثاءً بمناسبة استقبال موطننا المُبهِر لنا.. ذلك الترحاب المبالغ فيه، الذي يمنحنا أقل من نِصف عُشر مقاعد الجامعات!
ويختم على شهاداتنا ذات الدرجات المُرتفعة بأختام الرفض جميعها.

نحنُ طُلاب المُعادلة.. نملكُ أحلاماً تزنُ عشرة أضعاف أحلام أبناء الوطن الغارق في الطغيان، تعلمنا ما تعنيه الموهبة، والعلم والمهارة والقيادة، وتعلمنا أيضاً ما يعنيه العناء..

لكننا نجلسُ الآن أمام شاشات حواسيبنا، ننتظر مصائرنا التي ستُعلَن من قِبل الوزارة المبجلة بعد شهر، في حين أنها قد أعلِنت بالفعل لأبناء الوطن منذ أسابيع.

نحنُ طلاب المُعادلة.. نملك جنسيات أوطاننا.. ومن أقل حقوقنا، دراسة جامعية، من ذلك النوع الخافت من النور.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد