هل تتعاطف عمان مع قطر أم أن موقفها من الأزمة دوافعه اقتصادية بحتة؟ تقرير لمجلة الإيكونوميست البريطانية حاول تقصي خلفيات الموقف العُماني من الأزمة وهل هي وسيط أم متعاطف أم مجرد مستفيد اقتصادياً، كاشفاً عن خطط عُمانية لتشكيل صداقات جديدة بعيداً عن القوى المهيمنة على مجلس التعاون الخليجي.
يلفت التقرير إلى أن حركة الملاحة والشحن في ميناء صحار العماني تتباطأ عادةً خلال الصيف. لكنها تنتعش في هذا العام على وجه الخصوص، شئ واحد تغير هذا العام، الأزمة القطرية.
ويشير مسؤول حكومي عماني إلى أن حجم الشحنات ارتفع بنسبة 30% خلال الأشهر القليلة الماضية، بسبب السفن الكثيرة التي تحمل البضائع وتتجه نحو قطر، حسب الإيكونوميست.
وهو الأمر الذي دفع السفير القطري إلى عمان للإشادة بموانيء السلطنة باعتبارها البوابة الجديدة لبلاده، بعد أن حل الميناء العماني محل ميناء جبل علي في دبي، الذي يتبع الإمارات.
وتقع سلطنة عمان في موقع استراتيجي عند مدخل الخليج وهي خارج الخلاف بين السعودية والإمارات والبحرين مع قطر، بل هي الآن تساعد الدوحة على مواجهة الحصار، وفي الوقت ذاته تحقق في هدوء فوائدًا من هذه الأزمة، حسب تعبير الإيكونوميست.
وسيط أم متعاطف
طالما لعبت سلطنة عمان دور الوساطة في الخلافات التي تحدث في المنطقة. إلا أنها أظهرت في بواكير الأزمة الحالية أين ستوجّه تعاطفها، حسب وصف الإيكونوميست.
فعندما مُنعت الخطوط الجوية القطرية من دخول المجال الجوي السعودي في يونيو/حزيران، حملت الطائرات العمانية (التي استأجرتها قطر) الركاب المحاصرين من جدة إلى الدوحة.
ومنذ ذلك الحين، تعززت الروابط بين الدولتين. إذ ظهر ما يقرب من 150 مستثمراً قطرياً في حدثٍ احتفالي نُظِّم مؤخراً في العاصمة مسقط، ولم يكن متوقعاً حضور سوى 20 منهم. يقول رجل أعمال عماني "أُبرمت عديد من الصفقات".
يقول أحد المسؤولين العمانيين:"نحن نستفيد من الحصار، ولكننا لا نريد أن يُنظر إلينا على أننا نستفيد".
وأشارت الإيكونوميست إلى أن عمان اشتهرت بمواجهة تيار الهيمنة السعودية على الخليج. فقد عطل السلطان قابوس، حاكم سلطنة عمان، عديدًا من المبادرات الإقليمية الكبرى، مثل الجهود لتأسيس عملة موحدة. كما تمتلك السلطنة، مثل قطر، علاقات جيدة مع إيران. لذا فإنها ترى الأزمة بمثابة رسالة تحذيرية. فإذا كانت قطر تعاقَب بسبب نظرتها المستقلة، فمن يقول أن عمان لن تكون التالية؟.
القلق من الإمارات
بالإضافة للمخاوف التقليدية من الهيمنة السعودية، ظهر لدى عمان مؤخرا مخاوف من الدور المتزايد لدولة الإمارات في الأجزاء الجنوبية من اليمن. ويشمل ذلك دعم الإمارات المحتمل للانفصاليين الجنوبيين، وهو ما يتعارض مع حكومة هادي ورعاتها السعوديين، حسب تقرير صحيفة واشنطن بوست الأميركية.
كما تعبر عُمان عن قلقها إزاء تطوير إماراتي محتمل لقاعدة عسكرية في جزيرة سقطرى اليمنية عند مدخل خليج عدن، كما أشارت وسائل الإعلام القطرية والإيرانية إلى إيجار طويل الأجل يتردد الحديث عنه. كما اشتبكت القوات الإماراتية والسعودية بسبب تطوير ميناء عدن.
ويفسّر بعض العمانيين مساعي الإمارات إلى السيطرة على الأراضي والنفوذ في الجنوب كمحاولة لمنافسة الاستثمارات التي تمولها الصين في مشروع الميناء العماني بالدقم، أو بشكل عام لتطويق السلطنة بشكل استراتيجي.
التجديف بعيداً
كانت الاستجابة العمانية لهذه التحديات من جيرانها هي أنها باتت تجدف بهدوء في مسار تقليل الاعتماد على أقرب جيرانها، حسب وصف الإيكونوميست. ففضلاً عن تحسين علاقاتها مع قطر، صاغت السلطنة روابطاً تجارية جديدة مع إيران.
كما ساعد القرض البالغ قيمته 3.6 مليار دولار، الذي اقترضته الحكومة من الصين في أوائل أغسطس/آب 2017، في تمويل الإنفاق الحكومي لهذا العام.
ففي الماضي، كانت مسقط تتوجه نحو السعودية أو الإمارات من أجل الحصول على الأموال. وفي ظل تغيرات الوضع، تمتلك الصين أيضاً استثمارات كبيرة في ميناء الدقم ومنطقته الصناعية، وهي المنطقة التي يصفها أحد المحللين بأنها "تشبه مدينة اقتصادية صينية".
وترى الإيكونوميست إلى أن حملة التنمر ضد قطر تسببتفي وضع المنطقة بأكملها على حافة الهاوية، فقد فشلت جهود الوساطة التي اضطلعت بها الولايات المتحدة وألمانيا والكويت في حل الخلاف.
كما يبدو أن القرار القطري بالاستعادة الكاملة للعلاقات الدبلوماسية مع إيران يشير إلى تصلبٍ في موقفها.
وبينما تحقق سلطنة عمان استفادةً في الوقت الحالي. بيد أن استمرار التناحر في تقويض استقرار هذه البقعة من الشرق الأوسط، التي طالما ظلت خالية من الاضطرابات، لن يكون نذيراً جيداً لأي من الأطراف.