مشهد جديد يُرسم لسوريا، ترسم ملامحه التي تبدو واضحة أكثر أي وقت مضى.
فعلى مدار الأشهر الفائتة، وفي ظل تقلّص معونات المال والأسلحة للمعارضة السورية، ظلّ الأمل حاضراً بأن يكون الدعم السياسي الدولي المستمر رادعاً أمام إحراز الرئيس السوري بشار الأسد وداعميه نصراً محققاً في سوريا. ولكن ليس بعد الآن، حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
ولفتت الغارديان إلى بيان الأردن، الذي كان أحد أكبر داعمي المعارضة السورية، والذي صدر في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، وقال إنَّ "العلاقات الثنائية مع دمشق تسير في الاتجاه الصحيح".
واعتبرت الصحيفة البريطانية أن هذا البيان كان بمثابة إعلان موت قضية المعارضة بالنسبة للكثيرين.
فمن بين صفوف المعارضة السياسية وحلفائها الإقليميين، كان بيان الأردن هو المشهد الأول في مسلسلٍ كان الجميع يخشون حدوثه: التطبيع مع عدوٍ مرير، ودون أيّ مقابل، أي الأسد.
وقال الناطق باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، مؤكّداً على تصريحاته بشأن سوريا: "تلك رسالةٌ مهمة يجب على الجميع الاستماع إليها".
وحسب الغارديان فسرعان ما لوحِظ رجوع عمّان عن موقفها من الأسد في أنقرة، والدوحة، والرياض، وكلها دولٌ تبنّت سابقاً هدف الإطاحة بالرئيس السوري، والآن سلّمت بواقع بقائه في السلطة بعد حربٍ استمرّت لسبع سنواتٍ ونصف السنة.
السعودية
وقال قادة المعارضة السورية، إبان عودتهم من قمةٍ عُقِدَت بالعاصمة السعودية الأسبوع الفائت، إنَّ وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أخبرهم صراحةً أنَّ الرياض ستنسحب من الأزمة السورية.
وقال دبلوماسيّ غربي بارز: "لم يعد السعوديون يهتمون بأمر سوريا. ليس لدى المعارضة الآن سوى قطر. لقد ضاعت سوريا".
أوروبا تغير موقفها
وفي بريطانيا أيضاً، استُبدِل الخطاب الذي يُطالب الأسد بالتنحّي باعتبار تنحيه الخطوة الأولى تجاه تحقيق السلام بخطابٍ آخر وصفته الحكومة البريطانية بـ"الواقعية النفعية".
وعبّر وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون عن مطلب رحيل الأسد باعتباره "ليس شرطاً مسبقاً، لكنّه جزءٌ من عملية الانتقال السياسي".
وفي المقابل، فوَّض وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون مهمّة إيجاد حلٍّ للأزمة السورية لروسيا علانيةً.
وكانت مجلة Foreign Policy قد كشفت أن وزير الخارجية الأميركي أكد للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن مصير الرئيس السوري بشار الأسد أصبح الآن في يد روسيا، وأن أولوية واشنطن في سوريا هي محاربة داعش.
وفي الوقت ذاته، تعهّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإيقاف برنامجٍ تديره وكالة الاستخبارات الأميركية، يقوم على إرسال الأسلحة من الأردن وتركيا إلى بعض فصائل المعارضة السورية التي خضعت لتدقيق الوكالة على مدار الجزء الأكبر من الأعوام الأربعة الماضية. واكتفت واشنطن بلعب دورٍ ثانويّ في عمليّات سلامٍ متشابكة ومعقدة بكلٍّ من جنيف والأستانا، وركّزت مجهوداتها في الحرب ضد تنظيم (داعش) وليس الأسد، وفقاً للغارديان.
مصير اللاجئين
ما أثرُ هذا التغير في السياسات إذاً على مصير ستة ملايين لاجئ سوري فروا من الحرب إلى الأردن، وتركيا، وأوروبا؟ هذا سؤالٌ يفكر فيه العديد من المنفيين خارج وطنهم حاليّاً.
ويقول كثيرون، مثل غسّان موسى، إنَّ الهزيمة شبه المحققة هيَ نتاجٌ للسأم الدولى من قضية سوريا، أكثر من كونها تعود لضعف فصائل المعارضة.
وقال موسى، الذي فرّ من غوطة دمشق في منتصف عام 2013: "هربتُ من بشّار، لأنَّه كان سيقتلني وكل من أُحب إذا بقيت. كُل من جاؤوا معي فرّوا كذلك لأنّنا اعتقدنا أنَّ الدول الداعمة للمعارضة ستظلّ بجانبنا".
لماذا تخلى الجميع عن المعارضة؟
وقال روبرت فورد، وهو سفيرٌ سابق للولايات المتحدة إلى دمشق وزميلٌ بارز بمعهد الشرق الأوسط: "تخلّي داعمو المعارضة السورية عنها لأسبابٍ مختلفة. أولّها أنَّ استمرار الخلافات، والصغائر، وعدم القدرة على الاتفاق على قيادةٍ واستراتيجية مشتركة لطالما جعلت الداعمين قلقين من الفصائل وأذرعها السياسية. وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ تنسيق المعارضة وتكاملها نهايةً مع جماعاتٍ تابعة لتنظيم القاعدة قد جعل الأميركيين والأردنيين يشعرون بالقلق".
وأضاف فورد: "لا يريد الأردن إيواء المزيد من اللاجئين، كما يريد توقّف المعارك في جنوبي سوريا، ويقبل فقط استمرار العمليات العسكرية ضد داعش، تبعاً لأولويات أميركا".
هل يتركون إدلب للقاعدة؟
ويمكن رؤية تبعات استعادة الأسد السلطة مجدداً، بمساعدة الدعم القوى من جانب إيران وروسيا، على نحوٍ متزايد أيضاً في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في سوريا، حيث تُعيد الجهات المانحة لجهود الإغاثة الدولية حساباتها تجاه المنطقة.
إذ يبحث مسؤولو الحكومة البريطانية ما إن كانت بريطانيا ستستمر بالإيفاء بوعدها بتقديم معونةٍ بقيمة 200 مليون جنيه إسترليني (257 مليون دولار) للسكّان المحليين في مدينة إدلب والمجتمعات النازحة من مناطق أخرى في سوريا.
ويخشى المسؤولون أن تكون الجماعة المنتسبة لتنظيم القاعدة، والمعروفة باسم جبهة النصرة (أصبح اسمها هيئة تحرير الشام)، قد فرضت ذاتها على نحوٍ متزايد على طريقة إدارة المؤسسات المحلية، ما يعني أنَّه لا يمكن ضمان عدم وقوع المساعدات في أيدي جماعةٍ مُصنَّفة كتنظيمٍ إرهابي. وتدرس ألمانيا هي الأخرى احتمال تعليق برنامجها للإغاثة في محافظة إدلب. وإذا انسحبت هاتان الدولتان من إدلب، فمن المتوقع أن تلحق بهما الولايات المتحدة.
وقال دبلوماسيّ إقليميّ بارز: "سيكون لذلك تبعاتٌ بالغة الأثر على ملايين النازحين داخل الأراضي السورية واللاجئين، وكذلك العائلات التي تبحث عن العدالة. كيف تتصالح مع أمرٍ كهذا؟ سيغذي هذا العصيان والثأر. الإرهاق ليس تبريراً كافياً لما سيأتي".
المصير الذي يعده الروس للأسد
وطرح ثلاثة دبلوماسيين آخرين تواصلت معهم صحيفة الغارديان أفكارهم للمرحلة المقبلة، ولكن رفضوا أن تُوضع أسماؤهم بجوار أفكارهم عن المرحلة المقبلة في النزاع السوري، والتي يرون جميعاً أنَّها ستشهد إعادة فرض مستمرة للسلطة من قبل دمشق، في ظل مساهمةٍ مكثّفة من جانب إيران وروسيا، المتنافستيّن على امتلاك دورٍ مصيريّ في سوريا ما بعد الحرب.
وقال أحد الدبلوماسيين: "عندما يدرك الروس أنَّ مَن انتصر بالحرب هيَ إيران وليست سوريا، سيضعون الأسد على طاولة المفاوضات". تلك هي بطاقتهم الرابحة: أنَّ يتمكّنوا من القول أمام المجتمع الدولّي إنَّهم قدموا له ما يريد. وتلك أيضاً استراتيجية الخروج من الأزمة بالنسبة لروسيا.
وأضاف: "لكنّهم أخبرونا أنَّ الأسد لن يُعدَم على بوابات دمشق، بل سيُنفى ويعيش بالخارج في سلام".
موقف تركيا
وفي تركيا، أوَّل من حاد من داعمي المعارضة عن المبادرة المشتركة لتسليح معارضي الأسد، واتّجهت لتحقيق مصالحها المحدودة المتمثلة في كبح طموحات الأكراد السوريين، يسود إدراكٌ بأنَّ الانتصار في الحرب التي ساندت تركيا فيها المعارضة أكثر من أيّ دولةٍ أخرى لم يعُد ممكناً.
وقال حجي سعود، وهو قائد بارز لإحدى فصائل المعارضة ويعيش الآن منفياً في تركيا: "بدأ هذا التحوّل منذ نحو العام. إذ أخبرهم الروس أنَّهم سيمنعون الأكراد من السيطرة على الحدود، في أبريل/نيسان العام الفائت 2016.
وبعد ذلك، أصبح الوصول لتركيا صعباً. والآن ستهوي سوريا أكثر وتصبح مناطق يسيطر عليها قادة الحرب. عندما يشيح العالم بأنظاره عنّا، ستصبح سوريا جحيماً. ولم نتخيّل قط أنَّ الأمر قد يصبح أسوأ من هذا".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.