بعد انهيار عاصمته.. مِن أين يُخطط داعش لعملياته الإرهابية؟ موقع فرنسي يقدم الإجابة

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/29 الساعة 17:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/29 الساعة 17:47 بتوقيت غرينتش

بسرعة لافتة يعلن داعش عن مسؤوليته عن العديد من العمليات الإرهابية التي شهدها العالم، بدءاً من عمليات الدهس بالعربات وصولاً إلى الاعتداءات باستخدام السكاكين. ولكن من أين يتم التخطيط لهذه العمليات، وكيف يتم الإعلان عنها، وما الجهة التي تدير كل ذلك بعد سقوط عاصمته الأولى الموصل، وحصار الثانية الرقة؟

مِن المرجح أن هذه الاعترافات يتم إعلانها تحت إشراف إدارة مركزية منظمة جيداً، ومدعومة بنظام شبكة تواصل فعَّالة لتنسيق الهجمات المعترف بها، حسب تقرير لموقع Réseau international الفرنسي.

وتعي كل أجهزة الشرطة، وأجهزة المخابرات أو الجيوش جيداً أن أبسط عملية إجرامية على غرار عمليات التخريب، والخطف، والتصفية، يقف وراءها تنظيم يقودها ويخطط لها. إضافة إلى ذلك، تشير مثل هذه العمليات لوجود طاقم لتنسيق وإدارة مختلف مراحل هذه العمليات، وربما أيضاً تكرار ومحاكاة الإجراءات الواجب تنفيذها.

ولكن أين يرتكز الطاقم والإدارة التي تراقب كل العمليات الإرهابية، قبل أن يتم تبنِّيها باسم التنظيم؟

هل توجد بالعراق؟

يتوقع البعض أن هذه الإدارة موجودة في العراق، ولكن ذلك مناف للحقيقة في كل الحالات.

لا يزال البعض يعتقد أن "عاصمة" تنظيم الدولة، أي الموصل، كانت عبارة عن مركز اتخاذ القرار، على الرغم من تحريرها، في حين أنه من المتوقع أن هذه المدينة كانت تحتضن "الخليفة" المتخفِّي ووزراءه وإدارته المركزية.

في المقابل، يقول تقرير الموقع الفرنسي "نحن متأكدون جداً أنه منذ ظهور الخليفة الشبح، البغدادي، مع بداية سنة 2014، أي تاريخ غزوِه للموصل، وصولاً إلى سقوطه في ظلِّ انتشار أنباء تفيد بموته في ظروف غامضة، لم يصدر أي قرار للخليفة، أو مِن صلب إدارته من مدينة الموصل.

ويجزم التقرير "أنه في أعقاب تحرير "عاصمة" داعش في العراق، لم يتم التخطيط لآخر العمليات الإرهابية التي هزَّت مدينة برشلونة وأماكن أخرى في مدينة الموصل".

وفي حين أن عناصر التنظيم لا يزالون منتشرين في عدة أماكن، يطلق عليها اسم "معاقل تنظيم الدولة"، لا يزال بعض من مقاتلي التنظيم يتمركزون في الصحراء العراقية، أي أنه من الصعب أن يتمكن مقاتلوه من التنسيق فيما بينهم لتنظيم عملية إرهابية باستخدام السكاكين في مدينة باريس مثلاً، إلا في حال افترضنا أنهم يديرون كل ذلك من داخل المغارات، على غرار مغارة تورا بورا بأفغانستان.

وتعد هذه المغارة، التي كان يُصدر منها أسامة بن لادن قراراته، جديرة بالدراسة؛ نظراً لدورها في وضعٍ خطَّط فيه بن لادن لتنفيذ هجمات، 11 سبتمبر/أيلول 2001.

ويرى التقرير أنه من الصعب أن تكون سوريا الحاضنة لمراكز تنظيم الدولة المتخصصة في إدارة واتخاذ القرارات، والمراكز المعنية بالتخطيط لارتكاب هجمات إرهابية على صعيد عالمي. وعلى الرغم من أنه يمكن اعتبار مدينة الرقة عاصمة ثانية لهذا التنظيم، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي قرار فيما يتعلق بالعمليات الإرهابية من داخل هذه المدينة.

فالإرهابيون المحاصرون في هذه المدينة لا يفكِّرون سوى في إنقاذ حياتهم، وبالتالي، لا يملكون الوقت الكافي للتخطيط للقيام بعمليات تثير الرعب في شوارع بروكسل أو في شوارع لندن.

كما تعتبر وضعية مقاتلي داعش أسوأ بكثير في بقية "معاقله" في التراب السوري، حيث تتم محاصرتهم ومطاردتهم من قِبل الجيش السوري.

من هذا المنطلق، كلُّ ما يمكن تصوره عن هؤلاء الإرهابيين، أنهم مجرد رجال قادرين على فعل أي شيء، إلا التفكير في تنفيذ عمليات إرهابية مماثلة لما يشهده العالم، فلا يتخيل أن هؤلاء المقاتلين الذي يواجهون خطر الموت، منشغلون باستهداف دول في الطرف الآخر من العالم.

من أين يتآمرون إذن؟

الإجابة التي تطرحها وسائل الإعلام موجودة في مكان آخر، فحسب الرأي الشائع، فإنه في ظلِّ انتشار الإنترنت لا يحتاج الإرهاب العالمي لمكان محدد لتنظيم العمليات، حيث لا يتم استغلال الشبكة العنكبوتية في القيام بعملية غسيل المخ فقط، ولكن يتم عبرها أيضاً انتداب الإرهابيين لتجنيدهم في المستقبل؛ لذلك نُلقي باللوم دائماً على الإنترنت.

المساجد

مؤخراً، حاولتْ وسائل الإعلام التسويق للمساجد على اعتبارها مَوَاطن تحتضن الفكرَ الراديكالي، ولكن ذلك لا يمتُّ للواقع بصلة؛ نظراً لأن المساجد، تماماً مثل المواقع النووية، تُعد أكثر الأماكن التي تخضع لرقابة مشدَّدة في أوروبا، علماً أن عدد المساجد في هذه القارة ضئيلٌ، مما يسهل عملية مراقبتها.

ومن هذا المنطلق، دُحضت فرضية أن تكون المساجد مواطنَ للراديكالية، ليحل محلها مكانان آخران لا يمكن أن يكونا مصدراً للجدل، أولهما السجون (ولكن ما لم يكن الإرهابي مسجوناً، فلا يمكننا التأكد مما يحصل في السجن)، والموطن الثاني الإنترنت (حيث يوجد كل شيء).

الإنترنت هو الوسيلة الجديرة بالاهتمام؛ نظراً لأن تنظيم داعش لا يقدر على الولوج إلى سجون الغرب، وحتى إن نجح في ذلك، فلا يمكنه أن يُجنِّد أشخاصاً لينضموا لكتائب المغاوير الانتحارية بين جدران السجون.

سوريا

يقول التقرير إنه في حين يصعب وجود منظمة مركزية تابعة لتنظيم الدولة في العراق، لم يبقَ احتمالٌ منطقيٌّ سوى سوريا.

من جانبها، يمكن لسوريا، على غرار أي بلد في العالم، إغلاق الإنترنت على أرضها دون الاستنجاد بطرق عسكرية. وفي ظل المساعدات التكنولوجية العسكرية التي تلقَّتها من روسيا، أصبح بالإمكان عزل مدينة بأكملها، مثل الرقة، التي تعتبر عاصمة تنظيم داعش، ومنع كل من بداخلها من الولوج إلى الإنترنت، بأي طريق، إضافة لعزل باقي الجماعات التابعة للتنظيم، وهذا أمر يسير، بما أن هذه الجماعات محاصرة داخل مناطق جغرافية محددة، ومن المرجح أن أغلب التدابير المتخذة في هذا الصدد تُعد من قبل الجيش السوري.

وهكذا من دون إنترنت، لا يمكن لهذا الكيان الذي يدعي أنه "تنظيم داعش"، أن يرسل بانتظام تهديداتٍ إلى جميع دول العالم، وكأنه يتبع قائمة بريدية، فضلاً عن تنظيم هجمات في جميع بقاع الأرض، ناهيك عن توجيه عناصره، في سوريا أو في العراق.

ويقف وراء اعترافات تنظيم داعش بتبنِّي أية عملية إرهابية مخطط متقدم، حيث عمد التنظيم إلى التخطيط بدقة لمختلف مراحل كل عملية على حدة، مع حسن انتقاء المنفذين الذين يموتون في نهاية كل عملية إرهابية.

وللأسف، في الوقت الحاضر، لا يمكن لأي شخص أن يحدد بدقة هوية المخططين الذين يقفون وراء هذه العمليات الإرهابية (تقريباً بصفة يومية) التي أغرقت العالم في الحداد.

أجهزة المخابرات
يفاجئنا تقرير الموقع الفرنسي بطرح غريب، قائلاً "لا يمكننا أن ننظر بعين الرضا إلى وكالات المخابرات، على غرار الموساد، وجهاز الاستخبارات البريطاني، ووكالة المخابرات المركزية".

فحسب التقرير فإنه "من الواضح أن هذه الأجهزة متورطة بطريقة أو بأخرى في أغلب العمليات الإرهابية".

ولكن التقرير يعتبر أنه في المقابل، من السخف الاعتقاد بأن هذه الأجهزة تؤدي هذه العمليات لغايات شخصية، أو ببساطة لأنهم "أشرار". ففي الواقع، تعمل هذه الأجهزة على تنفيذ مهام أُوكلت لها لا أكثر ولا أقل".

ولكن لصالح مَن؟ هذا هو السؤال الرئيسي الذي يحتاج للبحث للوصول لإجابة كاملة عنه.

علامات:
تحميل المزيد