مواقع التواصل وسيلة للتفريغ

التفريغ أصبح من سماتنا الأساسية في حياة لم نشأ لأنفسنا أن نحيا ضمن جنباتها، جملة قالها شخصٌ ما أثناء جلسة لمجموعة من الأصدقاء، جملةٌ بصدق استوقفتني كثيراً لدرجة أنني بتُّ أحلل حروفها وتركيبتها، والغريب في الأمر أن هذه الجملة كانت وكأنها نُطقت بلسان كل واحد فينا، أي أن هنالك إجماعاً ضمنياً لهذه المسألة التي باتت تؤرق الجميع وتزيد من ضغط الحياة عليهم

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/28 الساعة 05:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/28 الساعة 05:11 بتوقيت غرينتش

التفريغ أصبح من سماتنا الأساسية في حياة لم نشأ لأنفسنا أن نحيا ضمن جنباتها، جملة قالها شخصٌ ما أثناء جلسة لمجموعة من الأصدقاء، جملةٌ بصدق استوقفتني كثيراً لدرجة أنني بتُّ أحلل حروفها وتركيبتها، والغريب في الأمر أن هذه الجملة كانت وكأنها نُطقت بلسان كل واحد فينا، أي أن هنالك إجماعاً ضمنياً لهذه المسألة التي باتت تؤرق الجميع وتزيد من ضغط الحياة عليهم، حتى أصبح المعظم غير قادر حتى على التأقلم مع الأوضاع الجديدة، ولا حتى التوقف عن الركب السائر، فبات في منتصف الطريق واقفاً شارد الذهن والحواس، غير قادر على تحديد المسار، ولا حتى على استيعاب مجريات الأمور.

إحساس عمَّ المعظم حتى لا نكون ضمن قاعدة التعميم في المجتمع الذي نعيشه، والقريبين منه والقريب منا، إحساس طال دواخلنا وأثَّر على نفسيتنا وانعكس في تصرفاتنا ومعاملاتنا العامة والخاصة على السواء، الأمر الذي زاد من تراكم الأشياء السيئة المحيطة التي بتراكمها زادت من نقمة بعضنا على البعض الآخر، فبدل أن تكون العلاقات مبنية على المحبة والاحترام أصبحت قائمة على الحقد والانتقام، ولعل النفوس المريضة والتي بدأت تنتشر أكثر وأكثر مع مثل هذه الأوضاع، أصبحت قادرة أكثر على بث سمومها بين الناس بغيةَ نشر الشر، فهؤلاء هم أعوان الشيطان، والعياذ بالله.

نعم لقد أصبح التنفّس والتفريغ من سمات عصرنا، ولكن المسألة تحتاج إلى وسيلة حتى تعبر عن ضجرك قبل أن تنفجر، هذا إذا لم يكن انفجر البعض أصلاً، فلا يُعقل أن تفرغ عن ضجرك لمن هو أضجر منك، والمسألة الثانية، هي السعي الحقيقي للبحث عن علاج شافٍ لهذا الداء الذي يلامس خُلقنا وأخلاقنا، وأما بالنسبة للمسألة الأولى، فعلى ما يبدو قد وجد الناس مبتغاهم في عملية التفريغ التي تأتي ضمن مواقع التواصل الاجتماعي، فلو راقبت صفحةً ما لوجدت كماً هائلاً من التناقض فيها، فتارةً ترى صاحبها يضحك وتارةً تراه كأحد مشايخ الأمة، وأخرى تراه فيلسوفاً لا يصدر عنه غير الحكم والمواعظ وغيرها الكثير… والشيء الذي أؤمن به، هو على الأقل أن هؤلاء أفضل من غيرهم، فهم جريئون في التعبير والتنفيس على عكس أولئك الذين ترى الغيظ في ملامح وجوههم.

وأما فيما يتعلق بالمسألة الثانية، فصدقاً لستُ طبيباً قادراً على تشخيص الداء ووصف الدواء، ولكن ربما في قرارةِ نفسي أُقر بأن مسألة الدين والعقيدة هي من الأسباب الرئيسية فيما وصلنا إليه، ألم يقل الله سبحانه في محكم كتابه العزيز: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى" (طه: 124)، فهذه الآية ربما تلخص وبإيجاز ما نحن فيه، وما نكابده يومياً في حياتنا، وعلى الرغم من كل ما ذكرت، فإن هنالك مسألة غاية في الأهمية، ألا وهي أنني أتحدثُ بلسان المعظم فيكم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد