منذ اللحظة الأولى، منذ النظرة الأولى، ومنذ الكلمة الأولى، وضعت كل أسلحتي، وانهارت قواي العاطفية، وأعلنت استسلامي.
فتحت له كل الأبواب، وأعطيته كامل الصلاحيات، عن طيب خاطر، وضعت قلبي بين يديه؛ ليهمس له بكل حرية.
"سيدي، ادخل حياتي.. امسح كل الذكريات القاسية.. اطرد كل الأشخاص المزعجين.. احرق كل الدفاتر القديمة.. كسّر كل الشرائط الحزينة.. صحّح كل العيوب الدفينة.. افعل بي ما تشاء وكيفما تشاء.. فأنا أثق في عقلك كل الثقة..
أمسكني من يدي، وأنا مغمضة العينين، مطمئنة القلب، وأدخلني تاريخ حياتك.. واجعلني أنتمي إليك.. امنحني الشرف في أن أكون من أهلك.. فيذكر اسمي مع اسمك.. أكون حيث تكون.. أعيش حيث تعيش.. أتنفس ما تتنفس.. وأفكر فيما تفكر..
أمشي معك في نفس الطريق، بكل فخر واعتزاز وأقول للعالم: هذا رجل حياتي.
دعني أغرق في تفاصيل يومك، فوجودي لا يتحقق إلا بوجودك معي، وحياتي لا تكتمل إلا داخل حياتك.
فأنت منذ اليوم، سيدي ومولاي، وسر وجودي..
فلست أنا التي تهتم بالذهب والحرير.. ولست أنا التي تغريها المظاهر والقشور.. فأنا أريدك أنت وفقط أنت، مجرداً من كل الصفات الأخرى.. اتركها لهم.. واترك لي وحدي .. طيبة قلبك، براءة عينيك، ورجاحة عقلك.. فأقصى طموحي في هذه الحياة.. لحظات من الأمان بجانبك..".
لم يكن الأول في حياتي، لكنه حتماً سيكون الأخير؛ لأنه ملأ أماكن الحب الشاغرة في قلبي وروحي واحتلها عن آخرها، حيث لم يتبقَّ فيها مكان، للحد الذي يجعلني أمتعض وأنزعج من عطر رجل مار في الشارع.
احتلني، وملك مفاتيحي كلها، حتى أصبح قلبي أصم إلا من صوت عشقه.
يسكنني ويحيا بحرية بداخلي، في مكان بين القلب والروح، مكان واسع ولا يسع غيره، مكان خلق في أنا له هو فقط، على مقاسه.. بظروفه.. بأحواله.. بحركاته وسكناته.. بمزاجيته وتقلباته.. يتحد معه ولا يقبل ساكناً غيره.
فكم يحلو الإصغاء وهو يتكلم، فيتوقف كل شيء من حولي، وأنسى كل شيء، وأصبح للحظات كلي آذان صاغية لصوته الدافئ الحنون.. صوته سيمفونية ترقص وجداني؛ حيث تتدفق الحروف والكلمات، سعيدة مبتهجة، تحملني على بساط من الصفاء إلى عالم آخر.
صوته يسكرني حتى الثمالة.. يخدرني حتى الغيبوبة.. يذوبني حتى الانصهار.
أحفظ كلامه عن ظهر قلب، وأسجله شريطاً في عقلي؛ لأُعيد الاستماع له مرات ومرات، فيؤنسني في وحدتي، وينير ظلمتي.
فكلمة منه تجعلني أحزم خصري، وأرقص فرحاً ومرحاً، وكلمة منه تجعلني أغرق في بحر من الدموع حتى تجف عيوني.
"أسمعني صوتك يا حبيبي مراراً، وغنّ لي دائماً، فعندما تصمت يصمت الكون من حولي".
في عينيه أسرار وألغاز، وحدي نجحت في فك ألغازها، وتذوق أسرارها، ففي داخل عيونه حياة أخرى: فيها بركان يغلي قوة ورجولة، ويشتعل ذكاء مغلفاً بصرامة لا تقهر.
فنظرة منه تلخبط هرموناتي، وتقلب كياني، وتزعزع استقراري، فآتيه، وأضيع، وأفقد صوابي.
وأمام سلطة عينيه، يسقط كبريائي، يخرص عنادي، ويهدأ تمردي.. يراودني ويتحكم فيّ كيف يشاء بنظرات عينيه، فلا أنطق إلا سمعاً وطاعةً، ولا أفعل إلا ما يرضيه.
وفي عينيه كذلك، نهر عذب، يتدفق حناناً وطيبةً وأماناً، بلا حدود يأخذني معه في رحلة، إلى أعماق روحه الشفافة، لأجد فيها أرضي ووطني، الذي ألجأ إليه كلما تعبت من رحلة الحياة، لأسترجع فيه أنفاسي، وأُعيد ترتيب أوراقي، وأجد ذاتي من جديد.
"لا تبخل عليَّ يا حبيبي بنظراتك، فهي علاجي عند مرضي، وقوتي عند ضعفي، ودليلي عند حيرتي، وفيها راحتي من تعبي. فاغمرني بعيونك يا حبيبي، في كل ساعة وحين حتى أستمر في الحياة".
حضوره يجعلني أفيض حناناً ورقةً وطيبةً وإنسانية، وغيابه يجعلني قاسيةً، حاقدةً، ساخطةً ومتبرمةً.
فعندما يصدر أوامره الصارمة بكل حزم، أصبح فجأة طفلة مطيعة، ترغب في المزيد من الأوامر حتى تكون أكثر طاعة، وتنال كامل الرضا، فعندما يرضى ترضى الدنيا وعندما يغضب، يغضب العالم.
هو الذي يجعل حياتي ربيعية، بهيجة، منتعشة، وهو الذي يلون أيامي بالرمادي، ويحولها إلى شتاء كئيب تنبعث منه رائحة الموت.
هو الذي يجعلني أكتب بشراهة، ودون توقف، وهو الذي يسد شهيتي عن الأكل والشرب والكتابة والناس..
هو القوي.. الطيب.
هو القاسي.. الحنون.
هو الذكي.. البسيط.
هو الرجل.. الطفل.
هو الماء والنار.
هو الهدوء والانفجار
هو رجل حياتي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.