وأصبح على السفر في لبنان ضريبة! رسوم “بالجملة” فرضتها السلطات على المسافرين

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/24 الساعة 06:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/24 الساعة 06:49 بتوقيت غرينتش

"ما نراه في هذه المرحلة لم نره بتاريخ الكوكب كله".. بهذه العبارات، توجَّه النائب اللبناني سامي الجميل إلى الحكومة، في جلسةٍ نيابية خُصّصت ظاهرياً لمناقشة سياستها ومساءلتها، والجميّل هو رئيس حزب "الكتائب"، الحزب المعارض شبه الوحيد في لبنان من الأحزاب الرئيسية الممثلة في مجلس النواب، بعدما قرَّر الآخرون أن يتشاركوا ما بات يصطلح على تسميتها بـ"جنّة السلطة".

كلام الجميل لم يأتِ من فراغٍ، بل من سياسةٍ عامةٍ تنتهجها الطبقة السياسية اللبنانية منذ أمدٍ بعيدٍ، والتي كرَّست بشكلٍ واضحٍ "عجائب وغرائب" في ممارسة السلطة، يكاد قانون الضرائب الذي أقرَّته أخيراً، وبدأت بتطبيقه قبل يومين، يشكِّل أبرز "مآثرها"، هو الذي "ابتكر" ضرائب ووزَّعها يميناً وشمالاً، لدرجة أنَّ السفر بحدِّ ذاته بات عليه ضريبة.

زيادة على رسوم بطاقات السفر


بموجب قانون الضرائب الأخير الذي أقرَّه مجلس النواب اللبناني، وصدَّق عليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد الكثير من الأخذ والردِّ، أصبح على من يرغب في مغادرة الأراضي اللبنانية، أياً كانت وجهته، أن يدفع ضريبةً تختلف قيمتها تبعاً للدرجة التي يسافر عبرها (سياحية، رجال أعمال، أو الدرجة الأولى).

وفي التفاصيل، فإنَّ قانون الضرائب المثير للجدل هذا فَرض زيادة على رسوم بطاقات السفر جواً، تتراوح بين 10 آلاف ليرة لبنانية للدرجة السياحية، أي ما يقارب 6.66 دولار أميركي، و50 ألف ليرة للدرجة الأولى، أي ما يقارب 33.33 دولار أميركي.

فقد ارتفعت الرسوم على سعر بطاقة السفر للمغادرين:
وفق الدرجة السياحية من 33.33 دولار إلى 40 دولاراً.
درجة رجال الأعمال من 50 دولاراً إلى 73.33 دولار.
الدرجة الأولى من 66.66 دولار إلى 100 دولار.
ارتفاع الرسوم على ركاب الطائرات الخاصة إلى 266.66 دولار للشخص الواحد.

ضرائب بالجملة


غير أن الضريبة على السفر، التي دخلت بمجرّد صدور القانون حيّز التنفيذ وأصبحت سارية المفعول، ليست سوى واحدةٍ من سلسلة ضرائب لا حصر لها تمّ إقرارها مؤخراً بالجملة، في دولةٍ يعاني مواطنوها أصلاً من غلاء المعيشة الذي يكاد يضاهي أكبر دول العالم.

وقد أتى إقرار هذه الضرائب بموازاة إقرار سلسلة الرتب والرواتب، وهي نظام معتمد في لبنان للموظفين في القطاع العام وللعمل في الدولة، حيث يعتمد القطاع العام في لبنان في تقويمه للموظفين على نظام الرتب، وهو نظام هيكلي يُقسَّم على أساسه الموظفون إلى فئات، وضمن كل فئة هناك درجات. ويحدّد الراتب طبقاً لمعادلة تأخذ في الاعتبار الراتب والدرجة، فيرقَّى الموظف على سلَّم الفئات طبقاً لجدارته ولعلمه.

أما كسبه للدرجات فيكون بحكم الأقدميّة، أي عدد سنوات الخدمة. ويستفيد من سلسلة الرتب والرواتب الموظفون والمتعاقدون والأُجراء في الإدارات العامة، وفي الجامعة اللبنانية، والبلديات والمؤسسات العامة غير الخاضعة لقانون العمل وأفراد الهيئة التعليمية في وزارة التربية والتعليم العالي، والأسلاك العسكرية، والمعلّمون في المدارس الخاصة، والمتقاعدون، أي ما يقارب ثلث القوى العاملة في لبنان.

ولأنّ الدولة اللبنانية سجَّلت آخر إقرار شامل لسلسلة الرتب والرواتب في العام 1998، ولم يحظ الموظفون منذ ذلك التاريخ بأيِّ زيادة على الأجر، فإنَّ هذه السلسلة تُعتبَر حقاً مشروعاً تأخَّر كثيراً لموظفي القطاع العام، ولا سيما الأساتذة والعسكريين، إلا أنَّ الطبقة السياسية اعتمدتها حُجّة لتفرض الضرائب بهذه الطريقة، على اعتبار أنَّ هذه السلسلة ستكون بحاجة إلى "موارد"، وأنَّ عدم تأمينها سيُغرِق البلاد في المجهول الاقتصادي، وسيُدخِلها في أزمة لن يعرف أحدٌ كيف تنتهي.

وقد شملت هذه الضرائب، من ضمن ما شملته، رفع الضريبة على القيمة المضافة إلى 11%، فرْض أربعة بالألف على الطابع المالي، تعديل التعريفات على الصكوك والكتابات، فرض طابع مالي على البناء بنسبة 5.1 على كل مربع من القيمة التخمينية للبناء، مع استثناء الأبنية الصناعية، وضع رسم 6 آلاف ليرة (4 دولارات) على الطن الواحد، لإنتاج الإسمنت.

وعلى الرغم من أنَّ السلطات حاولت الإيحاء، مراراً وتكراراً، بأنَّ الضرائب لن تطال المواطنين ذوي الدخل المحدود والمتوسط، وهاجمت المزايدين عليها، واتّهمتهم بالترويج لضرائب خيالية، فإنَّ رفع الضريبة على القيمة المضافة أتى ليدحض كلَّ هذه الادّعاءات، خصوصاً أنّ هذه الضريبة تعني المواطنين بشكلٍ مباشر، كونها تؤثر على كل السلع والخدمات باستثناء تلك المنصوص عليها في قانون الضريبة على القيمة المضافة، علماً أنَّ تلك التي لا تتأثر بها بشكل مباشر ستزداد أسعارها تلقائياً أيضاً، نتيجة لارتفاع أسعار المحروقات.

تعطي بيد وتأخذ بالأخرى!


وتختصر مصادر لبنانية متابعة ما حصل على هذا الصعيد بالقول إنّ الدولة اللبنانية أعطت بيد وأخذت باليد الأخرى، في إشارة إلى أنَّ المكاسب والامتيازات التي أعطيت لموظفي القطاع العام بموجب سلسلة الرتب والرواتب، سُلبت منهم ومن غيرهم، ممَّن لم يستفيدوا أصلاً من السلسلة، بموجب قانون الضرائب الموازي، والذي شمل ضرائب من كلّ حدبٍ وصوب بشكل لا يمكن أن يمرّ على عاقل.

وتلفت المصادر المنضوية في هيئة التنسيق النقابية، وهي الهيئة التي تضمّ خمسة مكوّنات معنية بالسلسلة، هم أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، والتعليم الأساسي الرسمي، والتعليم المهني الرسمي، ونقابة المعلمين في المدارس الخاصة، ورابطة موظفي الإدارة العامة، تلفت إلى أنَّ الدولة اللبنانية لم تكتفِ بغضِّ النظر عن ظاهرة ارتفاع الأسعار بشكلٍ عشوائي بمجرَّد بدء التداول بسلسلة الرتب والرواتب قبل سنوات، وتكرار ارتفاعها كلما أخذ الحديث عنها منحى جدياً، بل كرّست هذا الارتفاع بممارستها العملية، وبسنِّها سلسلة ضرائب، خصوصاً أنَّ هذه الضرائب شملت الجميع، وليس دقيقاً القول إنّها حيّدت الطبقات الفقيرة، بل إنّ هذه المصادر تنتبه إلى أنّها قد تزيد على المدى البعيد نسبة الفقر المرتفعة أصلاً في لبنان، بل ستجعل الطبقة المتوسّطة في عداد الفقراء.

وفيما تشدّد المصادر على أنّ سلسلة الرتب والرواتب ليست هي المشكلة، باعتبار أنّها حقّ لأصحابها، فإنها تلفت إلى أنّ تأمين مواردها كان يمكن أن يتمّ بطرقٍ أخرى، لطالما عبّرت عنها الهيئات النقابية والعمالية، وفي مقدّمها هيئة التنسيق النقابية، مذكّرة بما كان يقوله رئيس الهيئة السابق حنّا غريب، الذي كان يدعو لتمويل السلسلة ممّن كان يسمّيهم بـ"حيتان المال"، في إشارةٍ إلى أصحاب الأموال والمشاريع الضخمة، الذين باتوا في مكانٍ ما يسيطرون على الدولة ومفاصلها، بل لديهم حق النقض (الفيتو) على أيِّ مشروعٍ لا يناسبهم.

وإذا كانت المصادر تقلّل من شأن التداعيات والتأثيرات التي يمكن أن تنجم عن إقرار قانون الضرائب على المدى القصير، أو من إمكانية تراجع حركة المسافرين من وإلى مطار بيروت نتيجة الضريبة على السفر، إلا أنّها تحذر في المقابل من تأثيراتٍ غير قليلة يمكن أن تحدث على المديين المتوسط والطويل، بل يمكن أن توصل إلى "انفجار اجتماعي"، بكلّ ما للكلمة من معنى، إذا لم تحسن السلطات احتواء الموقف، علماً أنّ هناك من يطرح إقرار تعديل على القانون الذي صدر، وهذا يبقى متاحاً في المجلس النيابي.

"صرخة افتراضية"


وفي انتظار نضوج المعطيات أكثر، فإنّ اللبنانيين اكتفوا برفع الصوت من خلال "صرخة افتراضية" عبر شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصاً أنّ صدور قانون الضرائب في الجريدة الرسمية، أتى في غَمرة انشغال اللبنانيين بالمعركة العسكرية التي يخوضها الجيش اللبناني في جرود القاع ورأس بعلبك، وهي التي تحتلّ بطبيعة الحال أولوية الأولويات في هذه المرحلة المفصليّة والدقيقة.

وفي هذا السياق، برزت بعض الأصوات المنتقدة لما حصل، حيث لفتت إحدى المواطنات إلى تزامن توقيع رئيس الجمهورية على قانون الضرائب مع معركة الجرود، قائلة: "أقرّ العهد الجديد قانون الضرائب تحت وقع بهجتنا وفخرنا بإنجازات جيشنا البطل في معركة فجر الجرود"، فيما اختار آخر هاشتاغ #ضرائب_العهد لـ"يبارك" من خلاله لـ"شعب لبنان العظيم"، وهي التسمية التي يعتمدها الرئيس ميشال عون لدى مخاطبته للشعب، إقرار الضرائب، ولجأ ثالث إلى هاشتاغ #ضيعان_البلد، ليعبّر عن خيبة أمله، لأنّه "كان لدينا أمل بشفافية رئاسة الجمهورية المؤتمنة على حماية الدستور والقانون الداخلي اللذين انتُهكا خلال التصويت على قانون الضرائب!"

واقعٌ مُرّ


لكنّ الانتقادات طالت أيضاً المواطنين أنفسهم؛ إذ سخر الممثل نعيم حلاوي مثلاً من مقولة "مرَّقولنا الضرايب نحنا ومش منتبهين" (أي أنّ الضرائب أُقرّت من دون أن ننتبه)، ليسأل: "انو بشرفكن، لو منتبهين شو كنا عملنا؟" (أي لو كنّا منتبهين، ماذا كنّا لنفعل؟)

ولعلّ هذا السؤال يختصر واقعاً لبنانياً مُرّاً، فلبنان يئنّ من أزمةٍ لأخرى، ويعاني أصلاً من غلاء المعيشة والوضع الاقتصادي الصعب، وما إلى ذلك، ومع ذلك فإنّ التعصّب الأعمى للزعماء لا يزال يطغى على ما عداه، والطبقة السياسية تستغلّه وهي مرتاحة بواقعها.

تحميل المزيد