تلك القلوب على أشباهها وقعت

"الحبّ حاؤه حياة القلوب، وباؤه بلسم الجراح، وهو بين هذا وذاك أمل وخلود وأعظم حقيقة في الوجود". كلمات في روعتها تكفي أن تبيّن لنا كيف يمكن أن يكون الحب طاقة فريدة تحمي القلوب من الصدأ، وتحتضنُ الوحيدين بمشاعر السعادة الأبدية مع رفيق درب صادق ووفيّ.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/24 الساعة 02:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/24 الساعة 02:50 بتوقيت غرينتش

"الحبّ حاؤه حياة القلوب، وباؤه بلسم الجراح، وهو بين هذا وذاك أمل وخلود وأعظم حقيقة في الوجود". كلمات في روعتها تكفي أن تبيّن لنا كيف يمكن أن يكون الحب طاقة فريدة تحمي القلوب من الصدأ، وتحتضنُ الوحيدين بمشاعر السعادة الأبدية مع رفيق درب صادق ووفيّ.

تلك الطبيعة الخيّرة والنفس المرهفة الميّالة إلى الاهتمام وجميع أنواع السعادة بشتّى أشكالها، بحث عنها أفلاطون وتفلسف كثيراً في سبيل الوصول إليها؛ ليختزل أبحاثه في النهاية بأنه لا وجود لكل تلك الخزعبلات إلا في عالم المثل.

إنّنا في واقع يفرض علينا الكتمان وسياسة الاختلاء والتوحّد في المشاعر خوفاً من نظرة وموقف المجتمع، ذلك المجتمع الذي يتصيّد الفرص حتى يُلقي في غيابات النقد والاستهجان أكبر عدد من الجثث القلبية، وهنا نخصّ بالقول الفتيات.

إنّ ما يسّمى بسياسة العادات والتقاليد والأعراف الأزلية ضيّقت فكر العديد من الأسر والمجتمعات في طريقة تعاملها مع المرأة، هناك حيث النظرة الخانقة النابذة للفتيات العازبات الناقدة للمطلقات، والمشفقة على الصغيرات ترتسم لوحة اغتصاب الحرية في القرار.

تلجأ يائسات الحال إلى القبول بأي فرصة تدقّ بابهن في سبيل الخلاص وراحة البال، إحداهنّ تقيّد بحبل الشيخوخة المبكرة مع عجوز طاعن في السن بالأحرى كان مجاهداً في السابق راتبه المتكابر يشفع له بالاستمتاع بلذّة الصيد الجديد اليافع، والأخرى تقبل تحت ضغط العائلات الزواج بشخص بعيد كلّ البعد عن مستواها الثقافي، والاجتماعي، والتعليمي، والتفكيري، والمادي أيضاً بحجة أن القطار فاتها وعليها الالتحاق بالركب قبل فوات الأوان.

تلك الجملة التي لطالما تردّدت على مسامعي في الصغر وأنا أرقب بلهفة الصغار وحسرة الكبار زواج قريباتي من هنّ أكبر سناً مني.

كبرت الآن وانتقلت إلى مسامعي جملة أشدّ بلاء من سابقتها يتلذّذ الجيران المتطفلون والأقارب المتصيّدون والأصدقاء الحسودون بنطقها: "متى سنفرح بك؟"، لا أحد يرغب بأن يفرح بنا بقدر ما نريد ذلك لأنفسنا فحباً بالله كفى تضييقاً على القلوب.

هناك مَن تتزوّج ليس الرجل فقط، بل عائلته بأكملها تُمنح غرفة ضيقة في أوساط البيت العائلي الكبير تتوسّدها فراشاً، وتزينها قاعة استقبال، وتجهّزها مطبخاً وحماماً.

الواجب الديني يستدعي منها لبس خمارها يوماً كاملاً أمام إخوة زوجها، والتحضير للغداء والعشاء لأصحاب المنزل كبيرهم وصغيرهم مع عدم الكلل أو الملل والشكوى للحبيب.
وأي حبيب ذاك الذي يأتيها مساء وبنرجسيته المعتادة يتخذُ وضعية حكام العرب في الجلوس، والتأفف على تأخر موعد تحضير الوجبات.

إنّني لا أسرد رواية أو كلمات اتهام باطلة غير أن هذه هي الحياة الزوجية التي تحظى بها العديد من الفتيات في منطقتنا، وخاصة الريفية منها.

أليست هذه المرحلة من أفضل المراحل في عمر الإنسان الانتقال من رعاية الأب وحنان الأم ومحبة الأخ إلى وطن أوسع بكثير، زوج يكون لها عائلة بأكملها، ويغنيها عن أي فقد لا يخجل من مناداتها باسمها أمام عائلته خوفاً من غيرة أو استهزاء، فيتعالى ويناديها بجفاء يا امرأة وكأنها غريبة في بيتها، تلك المشاعر التي لطالما تمنّت الحصول عليها، والحب الذي لطالما انتظرت اللحظة ليزفّ بالحلال، وتكتسح هذه الكلمة مسامعها صباح مساء، أصبحت في قاموس اللغات الأعجمية، لا تتقنها، ولا تعرف إليها سبيلاً.

إننا في واقع يفرض علينا أن نصرف بقدر جيوبنا، وأن نحلم بقدر شخصنا، على الفتاة أن تتخلّى عن فكرة الفارس الوسيم الذي يشبه أبطال المسلسلات التركية، والمغوار المضحّي الذي يشبه شخصيات الأفلام الهندية، والمثقف الرومانسي المختزل في الروايات الخيالية.

آن الأوان كي تستفيق تلك المسكينة، وتتوقّف عن تقبيل الضفادع حتى لا تموت مسمومة بحسرتها قبل أن يتحوّل أحدهم إلى أمير.

من الأفضل أن تقلل من التوقعات الحالمة، وتتماشى مع معطيات الحب في زمننا حتى لا تصدم في الأخير بواقع يجعل حياتها رواية أو فيلماً سينمائياً حزيناً.

إن الاختلاف وبقدر ما يُضفيه من التكامل والشغف للتحدّي، إلّا أنه مرهق في كثير من الأحيان، خاصة إذا تعلّق الأمر بالأولويات والأساسيات؛ إذ إنه يستنزف وقتاً كبيراً وجهداً عظيماً في سبيل بناء علاقة مرضية ومستقرة.
فبقدر اختلاف وتباعد شخصية العاشقين يختلف الحب، ويضطرب ليخلق بلبلة النقاشات العقيمة في كلّ صغيرة وكبيرة.

ستبقى النفس دوماً توّاقة إلى تلك الحاجيات والمتطلبات التي لم توفّ بالشكل المطلوب؛ لأنه تمّ التخلي عنها تنازلاً أو تعايشاً مع منطقة الاختلاف الخاصة بالطرف الآخر.

إنّ تلك النظرية القائلة بتجاذب الأضداد لا يمكن تطبيقها في هذا المجال بصورة مطلقة وحقيقة نهائية، قد ينجذب الطرفان في بداية الأمر رغبةً في الاكتشاف وتجربة العقليات المختلفة، لكن ما يلبث أحدهما وينسحب إما قبل الارتباط أو بعده لتبدأ الخلافات والجدالات في النشوب من دون أن يظهر في الأفق أي طريقة لانفراج الأزمة المستعصية سوى الطلاق.

لهذا قبل الخوض في هذه المرحلة على كل واحدة أن تضع قوانين المجتمع من جهة، وتختار لقلبها وطناً يليق بها شبيهاً، أو كأقل تقدير قريباً إلى شخصها وروحها، فالعلاقات التي تبدأ بالتوافق والانسجام وتنتهي بالاختلاف أفضل من تلك التي تبدأ بالاختلاف وتنتهي بالخلاف.

يقولون: إن الطيور على أشكالها تقع، وأنا أقول: إن القلوب على أشباهها تقع، فأحسني قلبك لكي يليق بشبيهه.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد