يرجع تاريخ الإلحاد إلى عصر قبل ظهور الأديان؛ حيث كان الإنسان بطبعه وبتركيبته لديه فطرة الشك التي ولدت عنده رغبة السؤال لمعرفة الحقيقة، والحقيقة نمط نسبي تختلف من شخص إلى شخص، ومن مذهب إلى مذهب.
الشك حالة مخالفة لليقين والإيمان الراسخ، وليس مغالة إن قلت إنَّ الشك هو الذي صنع الحضارة، والإيمان دينياً كان أم سياسياً ثبت الإنسان على الجمود والركود في مكانه؛ لذلك لا ترى مؤمناً (بغض النظر عن الدين الذي يعتنقه) استطاع أن ينجز للبشرية شيئاً يذكَر، بعكس غير المؤمن الذي دفعه شكّه وسؤاله إلى أن يتعرف ويصل إلى حقائق متعددة أفرزت حضارات متعددة بدورها على مر الأزمان.
قبل أيام وصلتني رسالة من شاب عربي يسألني فيها أن أساعده للتعرف على الملحدين؛ إذ إنه ملَّ من الدين الذي يتبعه ومن ظروف حياته ومعيشته، وقد استغربت طلبه هذا؛ إذ إنني لست ملحداً ولا أؤمن بالفكر الإلحادي المتعارف عليه اليوم، وليس معروفاً عني أن أدعو للإلحاد.
جدير بالذكر أنني أحترم الفكر الإلحادي، وإن كنت لا أتفق معه ولا أؤيده، لكن من منطلق أن للإنسان أن يعتقد ويؤمن بما شاء وأراد.
تحدثت مع الشاب صوتياً وبعد أخذ وردّ فاجأني بأنه لا يعرف عن الإلحاد شيئاً يذكر، وأنه يريد أن يستمتع بملذات الحياة من التعرف على بنت تكون صديقته يمارس الجنس معها ويستلذ بالخمور، وأن تتهيأ له الفرصة كي ينتقل للعيش في بلد غربي ويصبح له اسم وشهرة، كما هو حال الملحدين الذين يراهم في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من قنوات إعلامية مرئية ومقروءة.
لا غرو أن هذا الشاب عيّنة من ملايين الشباب الذين يقبعون في دهاليز البؤس والشقاء في البلدان العربية والإسلامية حيث الفقر والعوز والكبت الجنسي ينخر بهم يومياً، إلى جانب الرغبة في حياة رغيدة تحترم فيها إنسانيتهم وكرامتهم.
هذا الشاب ومن ماثله أصيب بيأس وكآبة دفعته إلى أن يقتنع ويؤمن بأي شيء يحقق له رغباته، والمصيبة الكبرى أن يأسهم الكلي في تحقيق رغباتهم في هذه الحياة يدفعهم إلى التفكير في حياة أخرى توفر لهم ما يتمنون، ويا فرحة داعش والحركات المتطرفة بهؤلاء الشباب المساكين.
حتى مَن يسمون أنفسهم اليوم ملحدين في العالم العربي ترى مطالبهم تنحصر في أن تكون لهم حرية، ومع الأسف الشديد الحرية عندهم هي تحقيق شهواتهم ورغباتهم الجنسية، وهذا حق مكفول لهم وليس عيباً أو حراماً، لكن من الحيف اختصار الإلحاد برغبة جنسية، وهذا يفسر لنا سبب عدم قبول المجتمعات العربية للفكر الإلحادي؛ إذ إنه بات رديفاً للفجور والجنس وشرب الخمور وتعاطي المخدرات عندهم، بعكس المجتمعات الغربية التي تعتبر الإلحاد طريقة وديناً ومذهباً آخر للحياة.
لا يوجد لديّ حساب على الفيسبوك أو تويتر لكن عند تواجدي مع الأصدقاء أتصفح عن طريق حساباتهم بعض الصفحات التي تدعو للإلحاد واللادينية واللاربوبية، أغلب هذه الصفحات ترى فيها صوراً إما لصاحب الصفحة وهو في حالة حميمية كأن يكون يقبل صديقته أو يحتسي الخمر، أو تراه في نادٍ وهو يراقص فتاة، وإما أن ترى شيئاً مكتوبا يدعو فيه إلى تحرر الشباب والبنات واستمتاعهم جنسياً، وما أن تدخل مع أحدهم في نقاش حول أسباب إلحاده وفهمه للإلحاد ورؤيته الفكرية لتطبيق ونشر الإلحاد في المجتمعات العربية والإسلامية تراه مثل السيارة التي ينقطع عنها الوقود في أول الطريق لا يكمل معك النقاش ويفتح أموراً جانبية لا صلة لها بالإلحاد، وبما أن الإسلام هو الدين المنتشر والمسيطر في البلدان العربية تراهم يسبونه ويشتمونه ويتداولون شبهات حوله وكأن الإلحاد بات عندهم هو عداء الإسلام والقرآن ومحمد، وهذا دليل آخر على قصور فهمهم، وأنهم لا يريدون أن يصلوا للحقيقة هل فعلاً يوجد إله مسير للكون وما فيه؟ أم هذا الكون هو نشوء صدفوي وأن إرادة الإنسان فوق كل شيء؟
الإلحاد عندما نشأ كان من أجل احترام عقل الإنسان وتفعيل تفكيره وصقل رؤيته في سبيل توفير حياة راقية ومتحضرة له، إلى جانب توفير الحرية له في اتباعه لما يريده ويعتقده من دين ومذهب وسياسة، والإلحاد لا يقتصر على فكرة ممارسة الجنس أو شرب الخمر أو لبس ملابس عارية، أو الانتقال للعيش في بلد غربي أو الشهرة وتحصيل مكانة واسم اجتماعي، كما يصوره ما يسمون بالملحدين العرب اليوم، والذين يريدون أن يصبحوا ملحدين، من أجل ذلك هم ساهون وفي الأحلام الوردية يسبحون.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.