أجلست إيمان ابنتها الصغيرة أمامها، وأخذت تمشط شعرها الأشقر القصير، على أمل أن تشغلها عن فكرة الخروج إلى بقالة أبي وائل التي لا تبعد عن بيتها أكثر من خمسين متراً، فالوضع خطير، ولا أمان في الخروج.
فاطمة هي البنت الوحيدة للمدرّسة إيمان؛ لقد أنجبتها بعد تجوال طويل على الأطباء وكم كانت سعادتها عظيمة عندما منَّ الله عليها بهذه الطفلة الجميلة، فمن شدة تعلّقها بها تحتفظ بصورتها على الجوال لتريها لأصدقائها ومعارفها.
لم تتأثر إيمان كثيراً عندما تركها زوجها وسافر للعمل في ليبيا، ففاطمة تملأ عليها حياتها، وهي مصدر بهجتها وسعادتها.
انتهت الأم من تمشيط شعر ابنتها وربطته، ثم قامت لترد على الهاتف. رفعت إيمان السماعة على أذنها وبدأت تتكلم بصوت مرتفع، فصوت الطائرات التي تحوم في سماء غزة، يغطي على كل شيء، ولا يكسره إلا صوت انفجارات الصواريخ التي تطلقها، فتحصد أرواح مزيد من الأبرياء.
نهضت فاطمة بهدوء لتأخذ مبلغاً من النقود عن المكتب، وتتسلل خارجةً دون أن تلحظها أمها المشغولة بالمكالمة. فتحت فاطمة الباب ونظرت، ولدهشتها الشديدة لم ترَ أي شخص في الشارع؛ خافت قليلاً، وفكرت في الرجوع، لكن رغبتها الشديدة في شراء الشيبس تغلبت على خوفها فركضت متجهةً نحو البقالة.
ظهرت صورة فاطمة على الشاشة أمام جنديين إسرائيليين في غرفة التحكم، فقد صورتها طائرة استطلاع إسرائيلية تحوم في سماء حي الزيتون. همّ أحد الجنديين بضغط زر في لوحة التحكم الموجودة أمامه، فأمسك الآخر بيده فائلاً:
– لا تقتلها يا عامي.
نظر عامي إلى زميله مستغرباً، فهذه أول مرة يمنعه ديفيد من قتل فلسطيني. فهم ديفيد معنى نظرة عامي، فقال له وهو يكبر صورة فاطمة على الشاشة:
– إنها لا تساوي ثمن الصاروخ الذي سنطلقه.
– معك حق.
وصلت فاطمة إلى بقالة أبي وائل المغلقة فأصابها الإحباط، لكنها قررت ألا تعود إلا بالشيبس، فبدأت تدق بقوة على باب البقالة لكن دون جدوى، وعندما استدارت عائدة أدراجها فتح أبو وائل باب البقالة ليصاب بالذهول عندما رأى الفتاة الصغيرة.
– الله يسامحك يا ست إيمان، شو اللي طلعك يا بنت!
– بدّي شيبس.
أخذ أبو وائل فاطمة من يدها ودخل بها البقالة ضارباً كفاً بكف.
أنهت إيمان المكالمة والتفتت فلم تجد ابنتها، فركضت وهي تصرخ مرتعبة، وفي لحظة وجدت نفسها في الشارع.
خرجت فاطمة من البقالة تحمل كيس الشيبس فرحة وبدأت تركض عائدة إلى البيت، فظهرت هي وأمها على شاشة التحكم، فتأهب عامي لإطلاق الصاروخ، لكنه توقف ناظراً إلى ديفيد ثم قال:
– هل تراهنني على إصابة كيس الشيبس الموجود في يد الصغيرة!
– بكام؟
– بمائة شيكل.
– لا، شيكل واحد يكفي.
أخذت إيمان ابنتها بأحضانها وهي تبكي، فصعبت الأمر على عامي، الذي كان يركز بشدة، محاولاً أن يكسب الرهان. اقتربت الأم وابنتها من باب البيت، فصرخ عامي فاقداً أعصابه. ابتسم ديفيد بحنان ضاغطاً على الزر عدة مرات قائلاً:
– أميركا تدفع ثمن الصواريخ…
انفجر الاثنان بالضحك ضاربين كفيهما بثقة الانتصار.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.