حُرمت أكثر طالبة تفوقاً في تاريخ الجزائر من رحلة رئاسية تُنظم للطلاب المتفوقين، بسبب عدم الاستجابة لطلب واحد لها، ألا يكون سفرها مخالفاً لتعاليم الدين، من وجهة نظرها.
فبعد احتفاء التلفزيون الجزائري بالإنجاز غير المسبوق لخولة بلاسكة، سرعان ما تحولت نشوة الفرحة بالنجاح لدى عائلتها المقيمة بولاية سكيكدة، 500 كلم شرقي العاصمة الجزائر، إلى حالة من الوجوم والدهشة، بعد استبعادها من الرحلة التي تحظى عادة باهتمام الرئيس، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في الجزائر.
وَمِمَّا زاد من الدهشة والجدل، أن خولة لا تستحق المشاركة في الرحلة فقط باعتبارها من المتفوقين في شهادة الباكالوريا (الثانوية)، بل إنها صاحبة أعلى معدل (درجة)، بهذه الشهادة التي تؤهل للجامعة في تاريخ الجزائر.
رحلة النجباء
ورحلة النجباء هو تكريم سنوي، دأبت على تنظيمه رئاسة الجمهورية في الجزائر، بإشراف من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، منذ ثماني سنوات.
التكريم بحسب المفتش في قطاع التربية مسعود خرباشي، يستفيد منه الخمسون الأوائل في امتحان شهادة البكالوريا من كل عام، بحيث تنظم لهم رحلة إلى إحدى الدول.
ويقول خرباشي لعربي بوست: "التكريم يأتي لتحفيز الطلبة، وخلق جو من المنافسة العلمية بين الأجيال، ويتكفل الرئيس شخصياً بمتابعة أخبار الرحلة وترتيباتها، منذ ظهور النتائج الرسمية للامتحان".
لماذا تم تغيير الرحلة من تركيا لإسبانيا؟
على غير العادة، لم تكن الرحلة هذه السنة إلى تركيا، كما كان يتوقع الناجحون، واختارت وزارة التربية في الجزائر أن يستمتع هذه المرة النجباء بنسيم البحر في إسبانيا، بدلاً من سحر إسطنبول.
ولكن ليس هذا أهم ما كان لافتاً في رحلة النجباء لهذه السنة، الأبرز كان في غياب التلميذة الأكثر تفوقاً في تاريخ الجزائر، التي حصلت على معدل 19.21 درجة من عشرين، محرزة بذلك أعلى معدل منذ استقلال الجزائر سنة 1962.
المفتش خرباشي يتوقف عند هذه النقطة قائلاً: "كان المعدل الأكبر وطنياً في تاريخ الجزائر 19.14 من 20، وسجلته تلميذة تدعى كنزة نائلة أوصالح، من وهران 400 كم شرقي العاصمة، في العام الماضي 2016، ولكن تمكنت خولة بلاسكة من تعدي هذا المعدل".
ما السبب في حرمانها؟
سمير بلاسكة والد التلميذة خولة، أوضح أن السبب الرئيسي لغياب ابنته عن رحلة إسبانيا، هو رفض المنظمين طلبَها أن يرافقها (والدها) في السفر.
وقال سمير لعربي بوست: "اتصل بنا الديوان الوطني للامتحانات والمسابقات لوضع الترتيبات الخاصة بالرحلة، وقد طلبت ابنتي من المنظمين أن أرافقها، إيماناً منها بحرمة السفر دون محرم".
ويضيف: "تفاجأنا بأن ردوا علينا بطلب آخر، يدعوننا فيه لصياغة تنازل كتابي في حال عدم استعداد التلميذة لمرافقة باقي المتفوقين في الرحلة، دون الرد لا بالسلب ولا بالإيجاب بشأن مطلب مرافقتي لخولة".
وأردف قائلاً "إن خولة كانت حافظة لرصيد لا بأس به من كتاب الله، ولها اطلاع على العديد من قضايا الدين، ولقد رفضت السفر من دون محرم، حفاظاً على شخصيتها ودينها وعائلتها المحافظة".
وأوضح والد خولة، أن هذا التجاهل من الوزارة للطلب تم رغم أنه كان على استعداد لدفع ثمن تذكرة السفر، قائلاً: "المهم بالنسبة لي أن أرافق ابنتي وأكمل فرحتها بهذا المعدل المشرف، لكن الديوان الوطني للامتحانات والمسابقات التابع لوزارة التربية لم يرد أصلاً".
"معدلي هو أحسن رحلة"
صاحبة أكبر معدل في تاريخ الجزائر خولة بلاسكة، اعتبرت في حديثها مع عربي بوست، أن المعدل الذي حققته هو الرحلة الأجمل في حياتها، لأنها أسعدت والديها، ودخلت بفضله بيوت كل الجزائريين داخل وخارج الوطن.
وتقول خولة: "كرّرتها مراراً: يستحيل السفر من دون محرم… وما دامت أطهر بقاع الأرض مكة المكرمة والمدينة المنورة يشترط لدخولهما أن يكون برفقة محرم، رغم أن فيها المقدسات، فإني أرفض رحلة النجباء هذه، على أمل أن أنال الرحلة الأروع على الإطلاق، وهي دخول الجنة".
وتضيف: "لم أحلم يوماً بالسفر إلى تركيا أو إسبانيا أو أي دولة كانت، بل حلمت بأن أشرِّف عائلتي في دراستي وأحقق معدلاً متميزاً، وأن أدخل سلك الطب في المرحلة الجامعية لدواعٍ إنسانية قبل كل شيء، والحمد لله الذي حقق حلمي".
بلاسكة تقول أيضاً: "أنا مرتاحة جداً لما قمت به، فطلبي مرافقة المحرم ليس عيباً، ويلزمني الآن التركيز في دراستي لا أكثر ولا أقل، متمنية التوفيق لكل الزملاء".
مساندة قوية
الموقع الإخباري المحلي في الجزائر "الجيري سكوب"، اعتبر ما قامت به وزارة التربية في الجزائر فضيحة، تضاف إلى سلسلة الفضائح التي يعرفها القطاع منذ سنوات.
وما زاد من حجم الفضيحة، حسب الموقع، أنه بينما حُرمت هذه التلميذة من رحلة إسبانيا بسبب طلبها أن يرافقها الوالد، فإنه في المقابل هناك عدد من المسؤولين في وزارة التربية، وممثلي النقابات، كانوا ضمن الرحلة مدفوعة التكاليف.
هذه النقطة أثارت نقاشاً كبيراً عبر فيسبوك، حيث اتَّهمت أغلب التعليقات وزيرة التربية نورية بن غبريط بتهميش الطالبة، وعدم معرفتها بقضايا الدين، باعتبار أن مطلب التلميذة كان شرعياً.
وتتهم بن غبريط من قبل خصومها بأنها ذات توجه فرانكفوني، أي أنها تنتمي إلى التيار الذي يعمل على تكريس اللغة الفرنسية، على حساب اللغة العربية في الجزائر.
الفضيحة حسب جريدة الشروق الجزائرية، لم تتوقف عند الرحلة، بل امتدت إلى حفل تكريم النجباء، الذي أشرف عليه رئيس الوزراء المقال عبد المجيد تبون، والذي أهدى التلميذة لوحة رقمية، لولا أن والي ولاية سكيكدة حفظ ماء الوجه الدولة، وأهدى التلميذة دفتراً مالياً بـ100 ألف دينار جزائري ( 800 دولار).
كما أشارت الصحيفة إلى اقتراح أحد رواد موقع فيسبوك، بمنح المتفوقين 500 ألف دينار جزائري "3500 دولار"، بدلاً من الرحلة التي لا يستفيد منها إلا المبذرون، من وجهة نظر صاحب الاقتراح.
ثمن الموقف.. عمرة لشخصين
في مواجهة صمت الدولة، قرَّرت مؤسسة النهار الإخبارية في الجزائر، تعويض التلميذة المتفوقة خولة بلاسكة، برحلة روحية إلى البقاع المقدسة، ممثلة في عمرة لشخصين.
وجاء في الصفحة الرسمية للمجمع على فيسبوك، بأن "مجمع النهار يهدي المتفوقة الأولى في البكالوريا خولة بلاسكة عمرة لها ولوالدها".
وقد أثارت هذه الهدية تفاعلاً كبيراً على فيسبوك ، حيث ساند أغلب النشطاء الفكرة، واعتبروها رداً للجميل، وتحقيقاً لحلم هذه المفخرة كما وصفوها.
هل إجراء الوزارة قانوني؟
رغم كل الانتقادات التي وُجهت لوزارة التربية بشأن عدم تحقيق حلم أكثر تلميذة متفوقة في تاريخ الجزائر، بأن يرافقها والدها في رحلة إسبانيا، إلا أن ذلك يعد قانونياً من وجهة نظر جهات الوزارة ومفتشيها.
يقول مسعود خرباشي، مفتش في قطاع التربية: "من غير المعقول توفير رحلات سياحية لـ50 متفوقاً ومعهم مرافقوهم، فالوزارة كانت مطالبة لو حققت حلم الطالبة، بالسماح لكل النجباء بمرافقة أحد من أهلهم، وهذا ما لا يمكن حدوثه".
ويضيف: "لم يسبق أن رافق النجباء في السنوات الماضية أحدٌ من آبائهم أو أقربائهم، والديوان الوطني للامتحانات والمسابقات طبَّق القانون في هذه النقطة، ولا يمكنه تجاوز التعليمات".