نادرة وشحيحة هي المشاعر التي تضحي بالغالي والنفيس، من أجل الانتقال من عالم التقنية إلى أرض الواقع. فلطالما عشقها، وأحبها بقلب صافٍ لا تشوبه ذرة شر أو حقد أو ما شابه ذلك. كان منزعجاً أشد الانزعاج من هذا الواقع الذي أقل ما يمكن أن يقال عنه، إنه واقع مزيف.
حين يتحول الحب من الافتراضي إلى الواقع المعاش فإن مذاق ذلك التحول يجعلك تتنفس هواء الحب فقط. فبعد حب طويل الأمد في موقع من مواقع التواصل الاجتماعي، وصولا إلى مكالمة هاتفية خجولة لا تكفي الظمآن لسد عطشه من ماء الحب، بدأت بوادر أول لقاء بينهما تتجول في ذهنه؛ لأنه يعلم علم اليقين أن التاريخ لا يعترف إلا برجال الحب فقط.
طال الحب لمدة عام وبضعة شهور خلف شاشة صغيرة يتبادلون كلمات الحب، فكانوا ينتظرون بفارغ الصبر، بل على أحر من الجمر أن يكتب لهم لقاء يفوزون فيه بقبلة وعناق لا مثيل له.
بعد انتظار طويل، اتفقا على أن يلتقيا ليكون كلامهما مباشراً ويعبّرا عما يجول في خواطرهما، فهو من أجلها ومن أجل رؤية جمالها قطع الكيلومترات، أما هي فالخجل والخوف يعتريها.
الشاب بعد أن امتطى الحافلة للذهاب إلى مدينتها، بدأ إبليس يقوم بعمله على أكمل وجه، ليشوش أفكاره، وبدأت مجموعة من الأسئلة تجول في ذهن الشاب الوسيم الذي يحب بصدق، هل سيسلم عليها بيده فقط؟ أم سيكون هناك عناق حار تذرف له الدموع؟ وهل جمالها في العالم الافتراضي هو نفسه في الواقع المعاش؟ كلها أسئلة طأطأت رأسه خجلاً من نفسه.
بعد ساعات طوال، وصل إلى مدينتها، وهنا دقت ساعة الحسم، إنه أول لقاء في أرض الواقع. حاورته على الهاتف وأعطته سماتها وصفات المكان، فارتجف من شدة الخوف، فرجل الحب كان أنيقاً، لبس كل ما لذَّ وطاب من ثيابه، وهي كذلك، اقترب من المقهى وقلبه يدق بسرعة كبيرة، فلاحت عيناه عليها، مرتدية فستاناً جميلاً، وشعرها أشقر، عيناها سوداوان، وخصرها الفاتن يجعل القلوب ترتجف. قابلته بابتسامة حب خفيفة، فردّ عليها بكلمة "اشتقت إليك"، غلب عليهما اللاشعور فاهتزت المقهى على وقع عناق حب لا يوجد له مثيل،
اشتم رائحة عطرها واشتمت هي رائحة التعب جراء السفر، لسوء حظه لم يفُز بعد بقُبلة حب ساخنة، صعدا إلى الأعلى فبقيا يحدقان في بعضهما البعض، الشاب كتب له أن يعرف قهقهتها (هاهاهاهاها) التي تحولت من الافتراضي إلى الواقع وهي كذلك تتحسس أنامله وتفكر في تلك الكلمات الجميلة التي كان يكتبها لها في عالم التقنية، فتارةً تكون تلك الكلمات جميلة، وتبعث في القلب نوعاً من الارتياح، وتارةً أخرى تكون كلمات نابية؛ جراء عصبيته.
مر الوقت مرور الكرام، وكلامهما الطويل الذي شهدته المقهى، فازا معاً بقبلة جميلة، لا تضاهى بناطحة سحاب، ولا بجبل من جبال الهيمالايا، ولا بطول نهر الدانوب، فالتقطا صوراً تذكارية، وأمسك بيدها فعم صمت رهيب، إنه صمت داخلي لا محالة، وعبّر عن أحاسيسه بكل صدق والفتاة الفاتنة لم تستطِع البوح بكلمة؛ لأن صمتها عبّر عن كل شيء.
الحب له مذاق رفيع لا يعرفه إلا رجال الحب، فالحب ليس خطيئة تتكرر أو وهم عرفته الإنسانية، إنه شعور لا متناهٍ يكون بصدق بين طرفين، يكابدون مرارة الحياة، ويحاربون نظرة المجتمع تجاه الحب، ويشجعون على التصالح مع الذات، الحب يتطلب منك أن تكون شاعراً، وتمتلك ميكانزمات الحب، وتحسن خطاب أي فتاة، الحب معجزة لن تتكرر أبداً.
كل هذا فعله الشاب الأنيق والوسيم الذي ليست له لحية ولا شارب، ولكنه يحمل بين ضلوعه قلباً أحبها بصدق، وبعد انتهاء ذلك اللقاء الذي سيبقى خالداً في أذهانهما، ودعها ببيت شعري لم ينظمه شاعر عبر التاريخ وبعد سماعها لذلك البيت الشعري ابتسمت بخفة، إنها ابتسامة شكر له… بعدها خرج مصمماً على العودة إلى مدينته رغم أنه لم يأخذ قسطه الكافي من الراحة والتعب ينخر جسده، ولكن كل شيء جميل في سبيل الحب عندما يتحول من الافتراضي إلى الواقع المعاش.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.