علَّمتني تركيا

ومن الأشياء التي لا تشعرُ فيها في البلاد العربية بقوة، أنّ لدى الأتراك حساً وطنياً يعشق الأرض، ويظهر أفضلَ ما يظهرُ في مشاعر أغلبهم الفياضة تجاه وطنهم، والحاقدة على أعدائه وأعداء المسلمين، من بريطانيا إلى فرنسا إلى أميركا، فهم يكرهون الفرنسيين والإنكليز أكثر بكثير مما يكره عربيّ عاميّ احتلّت أرضُه في يوم من الأيام فرنسا وبريطانيا.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/21 الساعة 02:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/21 الساعة 02:38 بتوقيت غرينتش

عندما كنا صغاراً كنا نرى صوراً لمسجد السلطان أحمد ومسجد آية صوفيا، أو صوراً لجسر البوسفور، هكذا كانت تشدّنا إليها إسطنبول.

تشبهُ تركيا وإسطنبول خاصةً القصص التي كانت تقصها علينا جداتنا، وعندما أتيت إلى تركيا وإلى إسطنبول تحديداً، شعرتُ بأنني التقيت بنفسي عندما كنت صغيراً، فإسطنبول جدَّةٌ لكنها جدةٌ شابّة، دائمة التجدد، والشكر كل الشكر لمن أعاد لها النضارة والبهاء، فكما حدثتني جدتي عن تركيا، ذكرتني إسطنبول بجدتي، وكذلك يملك الأتراك ذاكرةً يقظةً تدوِّن أحداث التاريخ المفرحة والمحزنة من المآسي والفجائع التي أصابت المسلمين على امتداد الأرض التي حكمتها بالعدل الخلافةُ العثمانية، وأكثرُ ما تجدُ هذا في وسائل التواصل الاجتماعي لديهم،

فعندهم حركة وحراك دائب لا يتوقف، وهذا ما أهلهم ويؤهلهم للقيادة، فالأتراك ما زالوا يشعرون بهذا الحس القيادي المسؤول عن المسلمين، والمهتم بشؤونهم ومساعدتهم ونجدتهم، ما زالوا ينظرون لأنفسهم بأنَّهم حامو لواء آخر خلافة للإسلام، وجامعة للمسلمين حتى الآن، وهم يشعرون بأنَّهم المعقل الأخير للمسلمين، هذا الحس القيادي والمسؤول واليقظ دفعهم إلى ميادين الحياة بعزيمة متينة وقوّة لا تفلُّ، يدافعون الباطل بالحقّ، والافتراء بالصدق، والعنف بالرفق، والخبث والدهاء بسعة الأفق، فتجد أينما يممت في تركيا الجمعياتِ والأوقاف والمراكز الاجتماعية والثقافية التي تعمل بدأب دون فتور، فهذه المراكز كثيرة بشدة، وتدل على انطلاق وحركة هذا الشعب.

ومن الأشياء الرائعة التي وجدتها في تركيا ولا نراها في الدول العربية اهتمام نُخبها وطلابها باللغة العربية، وتعلمّها، وأهمَّ ما يميز هذه الريادة في ميادين تعليم اللغة العربية أنهم يتكلمون بالفصحى، ويتعلمون بالفصحى، ويقرأون ويكتبون بالفصحى، في كل كليات الشريعة والجمعيات الأهلية المجانية لتعليم العربية، التي افتتحت خلال حكم العدالة والتنمية، لكن ما لفت نظري أن في قسم اللغة العربية في جامعة إسطنبول أصبحوا يعطون دروساً في اللهجة العربية العامية، وهذا نذير شؤم، وانحدار، وباب سوءٍ، نرجو أن يغلق؛ لكي نحافظ على الريادة.

ومن الأشياء التي لا تشعرُ فيها في البلاد العربية بقوة، أنّ لدى الأتراك حساً وطنياً يعشق الأرض، ويظهر أفضلَ ما يظهرُ في مشاعر أغلبهم الفياضة تجاه وطنهم، والحاقدة على أعدائه وأعداء المسلمين، من بريطانيا إلى فرنسا إلى أميركا، فهم يكرهون الفرنسيين والإنكليز أكثر بكثير مما يكره عربيّ عاميّ احتلّت أرضُه في يوم من الأيام فرنسا وبريطانيا.

هكذا نبهتني تركيا ونمت فيّ مشاعر الوطنية، ونبذ الاحتلال والاستخراب، إن كان من فرنسا أو من بريطانيا أو من أميركا.

ومن السمات التي تميّز هذا الشعب، أن شعب يتفانى في العمل، ويحبّه، والنشاط المفرط وقت العمل، وتقديس وقت الراحة، وهكذا سنّة الحياة لا ريادة دون عمل.

ومن أفضل الأشياء التي يمكن أن تراها في تركيا شعور كل فردٍ من الشعب أنَّ أيّ فرد من الحكومة أو الشرطة أو الجيش هو أخٌ حقيقي له، بلا عُقد ولا تكلّف.

ومن صفات الأتراك أنهم حادّو الطِباع، جادّون في المعاملة، وهذه أيضاً من صفات القيادة، ولكن لديهم القليل من البرود بخلاف حميمية العرب.
ومن صفات هذا الشعب أنّ صفة الفضول لديهم تكادُ تعدَمُ، فلا يهم المرء فيهم ماذا اشترى جارُه، ولا ماذا لبست صديقتها.

ومن الصفات السيئة في تركيا أن الأتراك يقودون سياراتهم لا أقول بسرعة وحسب بل بعنف، وهذا ما يسبب الكثير من الحوادث المأساوية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد