منع تصوير المحاكمات.. القضاء على خطى البرلمان في الحديث مع الشعب من وراء حجاب.. وجدل حول دستورية القرار

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/19 الساعة 06:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/19 الساعة 06:54 بتوقيت غرينتش

"وزير الإعلام شكرنا على القرار عام 2010 وأعتقد أن القائمين على الإعلام في الوقت الحالي فعلوا الأمر نفسه".. هكذا تحدث المستشار أحمد عبد الرحمن عضو مجلس القضاء الأعلى الأسبق عن قرار المجلس مؤخراً بمنع تصوير وإذاعة جلسات المحاكمات تليفزيونياً.

وأضاف المستشار في تصريح لـ "عربي بوست" أن الخطوة القادمة هي منع نشر تفاصيل المحاكمات ونصوص التحقيقات في الصحف، "على الصحفيين أن يحضروا جلسات المحاكمة ولكن دون أن ينشروا وقائع المحاكمات وما دار بين القاضي والمتهم، ويكتفوا فقط بنشر قرار رئيس المحكمة في نهاية كل جلسة سواء بالنطق بالحكم أو بتأجيل نظر القضية".

هذا الأمر اعتبره الكثيرون حلقة في سلسلة خنق المجال العام، وتهميش المواطن المصري وإبعاده عن مناطق صنع القرار، بدأت بمنع بث جلسات مجلس النواب على الهواء، ثم بغلق القناة التليفزيونية الوحيدة التي كانت تذيع الجلسات بعد المونتاج بعد منتصف الليل، مروراً بمنع تصوير المحاكمات والتلويح بمنع الصحف من نشر التحقيقات.

وأصدر مجلس القضاء الأعلى في بداية شهر أغسطس/ آب الجاري، قراراً بحظر تصوير المحاكمات فوتوغرافياً، أو بث وقائع الجلسات تلفزيونياً أو إذاعياً، استجابة لطلب من نادي قضاة مصر، بوقف بث المحاكمات إعلامياً، حفاظاً على قدسية المحاكم والحرم القضائي.

وخاطب المجلس وزيرالعدل المصري حسام عبد الرحيم، لإلزام القضاة وأعضاء النيابة العامة بالقرار وتحذيرهم من مخالفته تجنباً للمساءلة التأديبية.

برعاية مبارك ووزرائه


بدأ المصريون متابعة وقائع جلسات المحاكم تليفزيونياً منذ 3 أغسطس/آب 2011، حيث مثل الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك ومعه نجلاه علاء وجمال ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وستة من مساعدي الوزير لأول مرة أمام القضاء، في سابقة لم يشهدها التاريخ المصري قبل عام 2011، تبعها سلسلة من الجلسات انتهت بإصدار الحكم الأول ضد مبارك ووزير داخليته، بالسجن المؤبد، وهو الحكم الذي عزز ثقة المصريين في القضاء المصري، وحمسهم لمتابعة المحاكمات التي انتهت بعد ذلك إلى براءة مبارك من تهمة قتل المتظاهرين، وباقي وزرائه من غالبية التهم التي وجهت لهم عقب ثورة 25 يناير 2011.

من جانبه قال المستشار أحمد عبد الرحمن إن مجلس القضاء الأعلى الحالي برئاسة المستشار مجدي أبو العلا لم يصدر القرار، لأنه صادر ومطبق منذ عام 2010 حيث أصدره المستشار سري صيام وقت ترؤسه لمجلس القضاء الأعلى قبل ثورة 25 يناير، حماية لحقوق المتهمين وحفاظاً لكرامتهم، وذلك استناداً للقاعدة القانونية "المتهم بريء حتى تثبت إدانته"، وحفاظاً على هيبة القاضي وقدسية المحاكم وعدم تباسط القضاة مع المواطنين العاديين الذين يشاهدونهم عبر وسائل الإعلام، حسب قوله.

وأضاف عبد الرحمن "أتذكر جيداً أن وزير الإعلام أنس الفقي وقتها تقدم برسالة شكر مكتوبة إلى المستشار سري صيام على القرار، ولم يعارض وقتها هذا القرار سوى عدد محدود من القضاة المعروف عنهم الانتماءات السياسية لجماعة الإخوان، ولكن الغالبية العظمى كانوا يؤيدون القرار".

ولفت عبد الرحمن إلى أنه انضم إلى عضوية مجلس القضاء الأعلى عقب ثورة 25 يناير في الفترة من عام 2011 حتى 2013، وطالب وقتها بضرورة تفعيله ومجازاة أي قاض يظهر في وسائل الإعلام أو يسمح لها بتصوير المحاكمات التي يحقق فيها، ولكن لظروف الثورة وسيطرة الإخوان على القضاء في الفترة التي تسبق ثورة 30 يونيو، لم يفعل هذا القرار، ورأينا محاكمة رئيس الجمهورية في التليفزيون.

وأضاف "لكن الآن الوضع مهيأ لتفعيل القرار وإعادة الانضباط لساحات المحاكم"، خصوصاً وأنه وفقاً لنائب رئيس محكمة النقض الأسبق، فإن وسائل الإعلام تهتم بأحكام الإدانة ولا تهتم بالقدر نفسه بأحكام البراءة، فحاولت وسائل الإعلام في مصر قبل عدة أشهر التركيز على توجيه اتهامات لوزير التموين الأسبق خالد حنفي بإهدار المال العام، ولكن بعد أن حقق جهاز الكسب غير المشروع مع الوزير وانتهى إلى براءته من التهم، لم تسلط وسائل الإعلام الضوء على القرار، ولهذا لا يجب أن تبث صور المتهم عبر شاشات التليفزيون طالما لم تثبت إدانته.

لغلق ملف محاكمات الإخوان


ويرى المحامي ناصر أمين عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان ورئيس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، أن المحكمة هي الجهة الوحيدة المعنية بتحديد موقف المحاكمة من البث التليفزيوني، حسب مقتضيات كل قضية.

وأضاف أن قرار المجلس الأعلى للقضاء هو انتهاك واضح لاستقلال القضاء ومبدأ علانية المحاكمة الذي كفله الدستور، خاصة وأن ليس من اختصاص مجلس القضاء الأعلى ولا وزارة العدل التدخل في سير المحاكمات المتداولة أمام المحاكم المختلفة، ولا يجوز لأي منهما مطالبة هيئات المحاكم بالسماح أو بمنع تصوير جلسات تداول القضايا أمامهم.

وينص الدستور في مادته رقم 187 على أن "جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام, أو الآداب، وفي جميع الأحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علنية".

ويضيف أمين أنه في الوقت الذي تنقل وسائل الإعلام شكاوي المتهمين الخاصة بتعذيبهم في السجون وإجبارهم على اعترافات معينة، ومنع الأدوية عن بعضهم، يصدر مجلس القضاء الأعلى هذا القرار، لمصادرة حق علانية المحاكمات، وهو أحد أبرز ضمانات المحاكمات العادلة، موضحاً أن العلانية تتحقق بأكثر من وسيلة، سواء بسماح هيئة المحكمة بحضور الجمهوري، أو حضور ممثلي وسائل الإعلام والصحف، أو تصوير المحاكمات وبثها تليفزيونياً أو إذاعياً.

ولهذا كان على مجلس القضاء الأعلى، وفقاً لعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، ألا يتدخل لفرض وسيلة معينة على القاضي لتحقيق العلانية، خصوصاً وأن تصوير المحاكمات عادة ما يشعر القاضي أنه مراقب من المجتمع، مشيراً إلى أن قرار من مجلس القضاء الأعلى يعد تدخلاً في أعمال القضاء يمس ضمانات المحاكمة العادلة واستقلال القضاء، فضلاً عن أنه جزء من سلسلة إجراءات لسلطات الدولة، تمس حق المواطن في المعرفة، فسبق ومنع مجلس النواب بث جلسات البرلمان، وها هي السلطة القضائية وفقاً لأمين تحجب عن المواطنين حقهم في متابعة سير المحاكمات والاطمئنان لعدالة قضاتهم.

ملتزمون بالقرار


وأعلن المستشار ناجي شحاتة، صاحب أشهر أحكام الإعدام في حق أعضاء جماعة الإخوان، استجابته للقرار في حين اختلف بعض رجال القضاء حول مدى إلزاميته.

وأكد المستشار سامي زيد الدين الرئيس بمحكمة جنايات القاهرة لـ "عربي بوست" أن قرارات مجلس القضاء الأعلى عادة ما تكون مطابقة للأعراف القضائية ويجب على القضاة الإلتزام بها، ولكن فيما يتعلق بالسماح لوسائل الإعلام بتغطية جلسات قضية بعينها فهو من اختصاص هيئة المحكمة التي تفصل في القضية دون غيرها، وليس لأي جهة كانت تتدخل في إجراءات المحكمة بما فيها السماح بالبث التليفزيوني أو تسجيل وقائع الجلسة أو حتى تصوير منصة المحكمة والمتهمين من عدمه.

وأضاف أنه لا يوجد قانون يؤيد قرار مجلس القضاء الأعلى الأخير، ولهذا لا يوجد إلزام على جميع القضاة بالاستجابة له، وإنما يمكن التعامل مع القرار بوصفه توصية من المجلس وللقضاة مطلق الحرية في الأخذ بها أو لا.

الحجب هو الحل


ومنذ الإعلان عن القرار في منتصف شهر أغسطس/آب الجاري وحتى الآن، لم تنقل أي من وسائل الإعلام المرئية وقائع أي من المحاكمات التي تشهدها البلاد، في نفس الوقت الذي اكتفت فيه الصحف والمواقع الإلكترونية بنشر صور أرشيفية للمحاكمات، وسط ترحيب من المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة، فقال رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات كرم جبر إن المحاكمات في العالم لا يتم بثها إعلامياً، ويكتفى فقط برسم كروكي.

في حين اعتبر عفيفي كامل عضو مجلس النواب القرار مخالف للدستور، الذي كفل علانية الجلسات وحق الناس في المعرفة، موضحاً أنه كان على وسائل الإعلام أن تدافع عن حق الناس في المعرفة، مضيفاً أن سياسة الدولة الآن تتجه نحو الحجب والمصادرة والتكميم وليس العلانية والشفافية.

علامات:
تحميل المزيد