مساء الثاني من أغسطس/آب الجاري، كان أحمد بن عوض يصعد على الشاحنة العسكرية، المتوجهة إلى محافظة شبوة (جنوب شرقي اليمن)، ذاهباً إلى موقعه الجديد؛ فقد كان واحداً من ضمن 2000 جندي، أُطلق عليهم قوات "النخبة الشبوانية".
دُربت هذه القوات المستحدثة في معسكرات بوادي حضرموت، شرق شبوة، برعاية وإشراف كاملين من القوات الإماراتية، التي تتحرك بفاعلية في الجنوب اليمني، باعتبارها ثاني قوة تشارك في التحالف العربي بقيادة السعودية.
ومنذ 26 مارس/آذار 2015، يشن التحالف العربي عمليات عسكرية في اليمن ضد الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح؛ استجابةً لطلب الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، بالتدخل عسكرياً؛ في محاولة لمنع سيطرة عناصر الجماعة وقوات صالح على جميع البلاد، بعد سيطرتهم على العاصمة ومناطق أخرى بقوة السلاح.
حرب ضد "القاعدة"
وصلت الأوامر إلى بن عوض ورفاقه بأنهم سينتقلون من معسكرهم في حضرموت، إلى مسقط رأسهم في محافظة شبوة؛ للحرب ضد عناصر تنظيم القاعدة.
وينشط عناصر تنظيم "أنصار الشريعة"، الفرع المحلي لتنظيم القاعدة بجزيرة العرب، في عدد من مديريات محافظة شبوة، أبرزها مديريتا الصعيد وعزان.
وفي صباح اليوم التالي لوصول بن عوض، كان نشطاء يتداولون على مواقع التواصل صوراً لمدرعات إماراتية وناقلات جند تتجول في بلدة عزان.
لم تخض تلك القوات معارك ضد التنظيم، لكن اختفاء عناصره فجأة، جعل بن عوض (26 عاماً) يتساءل مع رفاقه: "أين عناصر التنظيم؟ وهل خضنا معركة وهمية؟!".
التطورات الدراماتيكية جعلت الجندي بن عوض ذا اللكنة البدوية، والذي تلقى تدريبات في مكافحة الإرهاب، يقول لـ"عربي بوست"، إنه "يبدو أن لدينا مهمة أخرى، ليس من بينها خوض الحرب ضد الإرهابيين".
قوات موالية للإمارات
أنشأت الإمارات قوات "النخبة الشبوانية" من مسلحين قبليين ينتمون إلى قبائل معينة في محافظة شبوة، وأهلّتهم عبر تدريبات مكثفة وشاقة وفق برامج تضمن ولاءهم المطلق لها، على غرار قوات "الحزام الأمني" بمحافظات عدن ولحج وأبين، وقوات "النخبة الحضرمية" في محافظة حضرموت.
واستغلت الدولة، التي تطمح بشكل كبير إلى إيجاد موطئ قدم بجنوب اليمن، الفراغ الأمني الذي تعيشه شبوة؛ لوضع خططها الكاملة في السيطرة على منابع وحقول النفط.
يقول مصدر أمني، مُفضّلاً عدم الكشف عن هويته، لـ"عربي بوست"، إن الأوضاع المضطربة في شبوة جعلت الناس بحاجة إلى قوة فعلية؛ لضبط الأمن والسيطرة على الأرض، وهذا الأمر استغلته دولة الإمارات.
وأضاف: "الإمارات بدأت في إنشاء قوة فعلية وولاءات في المحافظة، فقد همَّشت القبائل ذات الثقل السياسي التاريخي، واتجهت لعقد تحالفات جديدة مع القبائل اليافعة، التي ربما تكون غير واعية لما تطمح إليه أبوظبي".
وأوضح أن قوات "النخبة الشبوانية" جرى تأسيسها بالتنسيق مع رجال القبائل، بعيداً عن مؤسسات الدولة، ويصلح أن نطلق عليها "ميليشيات".
وأشار إلى أن اللجنة الأمنية (التابعة للحكومة اليمنية) في محافظة شبوة، أصدرت بيان تأييد لانتشار تلك القوات بعد نحو يوم من وصولها إلى مديريات عزان ودهر، بما يعني أن تلك التحركات كانت بعيدة عنها.
السيطرة على منابع النفط
يتفق مسؤولان حكوميان في المحافظة على أن انتشار تلك القوات كان للسيطرة على منابع النفط بشكل أساسي، ومصفاة بلحاف الغازية، التي تعد أكبر منشأة نفطية في اليمن، وأن الحرب ضد تنظيم القاعدة كانت مبرراً فقط، ومعركة وهمية.
خلال الأسبوعين الماضيين، تموضعت تلك القوات حديثة التسليح والتدريب، في مديريات رضوم وميفعة والروضة وحبان وعتق وجردان وعرماء ودهر والطلح.
توجد في تلك المديريات كل ثروات محافظة شبوة من النفط وأنابيب الغاز، والشريط الساحلي، وميناء بلحاف وموانئ ناشئة أخرى.
وكانت شركة "توتال" الفرنسية، التي تمتلك حق التنقيب وتصدير الغاز المسال في اليمن، قد أعلنت خلال الأيام الماضية، استئناف عملها في تصدير الغاز، بعد أن تلقت ضمانات من الإمارات بتأمين عملها وإنتاجها.
وربما تكون أبوظبي تستعيض بوقود الغاز الطبيعي المصدّر من اليمن، بدلاً عن الغاز القطري، خصوصاً بعد أزمتها الأخيرة مع الدوحة.
لكن المسؤولَين يذهبان إلى أن الإمارات سيطرت فعلياً على منابع النفط والغاز في اليمن.
السيطرة على ميناء عدن
منذ مطلع عام 2016، أرست سلطةً عسكريةً في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة (جنوب اليمن)، ونصبت حكاماً عسكريين من الموالين لها، كوزير الدولة السابق هاني بن بريك، الذي يعد القائد الفعلي لقوات "الحزام الأمني"، التي يصل قوامها إلى 10 آلاف جندي.
هذه القوات تسيطر على مينائي عدن، وتفرض قوتها الضاربة على كل المؤسسات، فضلاً عن قوات الأمن التي يقودها اللواء شلال شائع، وهي الأخرى موالية للإمارات، بالإضافة إلى القوات الإماراتية التي توجد في منطقة البريقة غرب عدن.
هذا العدد من الوجود الأمني جعل المدينة العريقة، تحت سيطرة الإمارات، وقبل أشهر منعت سلطات مطار عدن طائرة الرئيس اليمني عب دربه منصور هادي من الهبوط في المدينة؛ مما جعله يغير وجهته إلى سقطرى.
وقبل أسابيع، حاولت تلك القوات منع رسو سفينة إغاثة تركية في ميناء عدن؛ بدعوى أنها تحمل أسلحة وإرهابيين، قبل أن تتدخل الحكومة اليمنية وقوات الحماية الرئاسية التابعة للرئيس هادي.
مدينة وميناء المكلا
في أبريل/نيسان 2016، دخلت الإمارات على رأس حملة عسكرية للقوات اليمنية إلى مدينة المكلا، كبرى مدن محافظة حضرموت اليمنية؛ لاستعادة السيطرة عليها من تنظيم القاعدة الذي حكم المدينة عاماً.
وفي معارك دامت أقل من أسبوع أُعلن تحرير المدينة، وبدأت الإمارات تفريخ قوات تابعة لها أطلقت عليها قوات "النخبة الحضرمية". وعقب أسابيع، كانت تلك القوات تمارس انتهاكات لحقوق الإنسان بدعوى تثبيت الأمن.
منذ ذلك التاريخ، تفرض تلك القوات وجودها في مدن ومديريات حضرموت الساحل، حيث الموانئ وأنابيب النفط، لكنها لم تواصل حربها ضد عناصر التنظيم المتطرف في مديريات ومدن حضرموت الوادي.
وبحسب ناشط سياسي في المكلا، قال لـ"عربي بوست"، مفضّلاً عدم الكشف عن هويته لاعتبارات أمنية، فإن "الإمارات أكملت مهمتها في السيطرة على ميناء المكلا، ولا يهمها انتشار (القاعدة) في حضرموت الوادي".
وحضرموت تنقسم إلى قسمين؛ حضرموت الساحل، وفيها المديريات والمدن المطلة على سواحل البحر العربي، وحضرموت الوادي، وفيها المديريات التي تقع في صحراء المحافظة.
السيطرة على سقطرى وميناء المخا
جزيرة سقطرى في المحيط الهندي، لم تكن بمعزل عن أطماع السيطرة الإماراتية، فمنذ الأشهر الأولى لعمليات التحالف، كانت الإمارات قد بدأت في تنفيذ مشاريع خيرية لاستمالة السكان المحليين الفقراء.
وبدأت السلطات تسيّر رحلات أسبوعية إلى الجزيرة، لكن نشطاء يمنيون اتهموا أبوظبي بالعبث في الجزيرة الاستراتيجية، وذات التنوع البيئي المهم، والسيطرة عليها.
وتعد الجزيرة محطة رئيسة في مشروع السيطرة البحرية للإمارات، فقد باتت اليوم تسيطر على الموانئ اليمنية بشكل تام، عدا ميناء الحديدة، الذي ما يزال تحت سيطرة جماعة الحوثيين وقوات صالح، غرب اليمن.
ميناء المخا غرب اليمن، الذي كان في القرن السابع عشر من أهم الموانئ والذي عرف العالم من خلاله القهوة، أصبح اليوم منطقة عسكرية للقوات الإماراتية.
لماذا السيطرة على الموانئ؟
يقول المحلل السياسي عبد الرقيب الهدياني إن للإمارات مطامع اقتصادية كبيرة، في إطار شركة موانئ دبي التي سعت للسيطرة على الخط الملاحي بين أوروبا، مروراً بقناة السويس إلى مضيق باب المندب ثم جبل علي.
وأضاف لـ"عربي بوست"، أن هدف أبوظبي من مشاركتها في حرب دعم الشرعية باليمن هو السيطرة على السواحل، وهي اليوم بالفعل تسيطر عليها حصرياً.
وأشار إلى أن موانئ دبي تسيطر على أكثر من 70 ميناء في الخط الملاحي بين أوروبا وإفريقيا وآسيا، وبذلك هي تسعى لتوسيع تلك الإمبراطورية البحرية، بضم أهم الموانئ إليها، وهي موانئ اليمن، حيث بَنَتْ قواعد بجزيرة ميون وسقطرى وأفرغت السواحل من السكان كما في الساحل الغربي.
وتابع المحلل السياسي: "ولأن للإمارات أهدافها الخاصة، نرى اليوم مدى الاختلاف في سياساتها على الأرض مع الحكومة الشرعية اليمنية وتصادم ممارساتها مع آمال وتطلعات تسعى إليها الحكومة الشرعية، حيث أنشأت مكونات أمنية وميليشياوية تابعة لها في المحافظات المحررة".
انتهاكات حقوق الإنسان
وتُتهم القوات الموالية للإمارات بممارسة انتهاكات لحقوق الإنسان ضد معارضي سياساتها.
ويقول الناشط الحقوقي في منظمة "سام" (غير حكومية) للحقوق والحريات توفيق الحميدي، إن المنظمة سجلت انتهاكات حقوقية؛ كالإخفاء القسري للمئات من المواطنين والتعذيب وانتهاك حق الحياة والاعتداء على السلامة والجسد.
وأضاف: "سجلنا وقائع للتضييق على الحريات الصحفية، والسجون غير القانونية، خاصة في محافظتي عدن وحضرموت والتي تُدار من قِبل تشكُّلات عسكرية تشرف عليها دولة الإمارات".
وأشار إلى أن تلك الانتهاكات مدانة ومحرمة بموجب القانون الدولي، وكان المفترض على الحكومة اليمنية أن تتحرك بصورة أكثر جدية وقوية لوقف كل تلك الانتهاكات، لكن يبدو أن وضع السيطرة الحكومية على الأرض ضعيف.
وقال الحميدي إن آخر تلك الوقائع، "وفاة المعتقل أصيل أحمد طنبيز داخل سجن المنصورة المركزي بعدن، من شدة التعذيب بعد اعتقال دام قرابة شهر".
منع إدخال الأموال
وصلت العلاقة بين الحكومة اليمنية مع دولة الإمارات إلى منعطف خطير، باتهام البنك المركزي ما سماها "خلية التحالف"، في إشارة إلى القوات الإماراتية الموجودة في عدن، بمنع طائرة تحمل النقود من الهبوط في مطار عدن وتكرر هذا المنع 13 مرة.
وسبق بيان البنك المركزي تصريحات قوية لمحافظ عدن عبد العزيز المفلحي، رافضةً طريقة تعامل مسؤولي التحالف مع السلطة المحلية في عدن، ونشرت مواقع إخبارية تسريبات نقلت عن الرئيس هادي تبرُّمه من تصرفات القادة العسكريين الإماراتيين.
ويوم الخميس 17 أغسطس/آب، توجه الرئيس اليمني الذي يقيم بالرياض، إلى دولة المغرب للقاء العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، والأخير يقضي عطلته في طنجة.
وبحسب مصادر حكومية قالت لـ"عربي بوست"، فإن هادي سيفتح ملف الإمارات التي "تتصرف كدولة محتلة"، على طاولة الملك سلمان، خصوصاً مع مؤشرات عودته لعدن، لرئاسة أول جلسة للبرلمان اليمني.