هذه المرة كان مسرح الحدث برشلونة الإسبانية، فقد تحولت شاحنة عادية إلى سلاح فتَّاك لا يفرق بين كبير وصغير، ليوجه الحادث الذي أودى بحياة 13 شخصاً على الأقل، مساء الخميس 17 أغسطس/آب 2017، ضربة جديدة لـ"الأمن المجتمعي".
فبتحويلها الآلات الاعتيادية إلى أدوات قتل، تخلق هذه الاعتداءات شعوراً بأن الحياة العامة مشوبة بالأخطار التي لا مهرب منها. وعندما يغدو أي شيء سلاح قتل، يتلاشى الأمل بأنه يمكن السيطرة على الاعتداءات الإرهابية وخاضعة للمراقبة والتكهن وممكناً التصدي لها، حيث لا داعي لا لوجود مهارات خاصة أو ما شابه كي يحصل المرء على شاحنة صغيرة ثم يقودها وسط جمع من الأبرياء، فكل ما يلزم هنا هو توافر الدافع.
هذا الشعور بالخوف ليس كريهاً فحسب؛ بل له أثر حقيقي على المجتمع والسياسة، بحسب موقع صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
ويأتي ذلك رغم أن حوادث المرور الإرهابية التي شهدها العالم مؤخراً، ما زالت نادرةً مقارنة بالحوادث المرورية الحقيقية؛ ففي الولايات المتحدة وحدها تقتل حوادث السير من 30 ألفاً إلى 40 ألف شخص كل عام. أما الاعتداءات الإرهابية التي تستخدم السيارات أو غيرها من وسائط النقل، فمجموعها عالمياً لا يساوي ولا يضاهي ولا عشر معشار ذلك الرقم.
لكن هذه العملية الحسابية لا يمكنها تبديد الخوف المجتمعي؛ فاحتمال التعرض لحادث شعورٌ مختلف عن احتمال الاستهداف بجريمة قتل متعمَّدة أو حتى عشوائية.
"نحن" مقابل "هم"
إن الاعتداءات الأخيرة التي شهدتها أوروبا قد تساعد على تفسير أمور مثل الدراسة التي صدرت عن معهد تشاتام هاوس للدراسات مؤخراً والتي وجدت أن أكثر من نصف الأوروبيين يؤيدون منع الهجرة القادمة من بلدان الأغلبية المسلمة.
كذلك، تظهر دراسات أخرى أن الناس عندما يشعرون بتهديدٍ ما لمجرد كونهم أفراداً في مجموعة معينة دينية مثلاً أو وطنية أو عرقية، فإن انتماءهم إلى تلك الهوية يتعزز ويتوطد أكثر، كما يقسون أكثر وتزداد شكوكهم تجاه الغرباء. يتسبب هذا في نتوج ما يسميه العلماء "النبذ خارج المجموعة"؛ أي الخوف من الغرباء والرغبة في السيطرة عليهم ومعاقبتهم، فمثلاً عندما تستهدف منظمة إرهابية مواطني الدول الغربية ، فإن ذلك يؤدي إلى تشكل سلوك "النبذ خارج المجموعة".
إن الشعور بـ"نحن" مقابل "هم" يقسم المجتمع، ويعمق التحامل والتحيز، ويخلق خطوط جبهات معارك ضمن المجتمع، وهذا هو تماماً نوع السياسات التي يمجدها الشعبويون اليمينيين الذين زادت شعبيتهم في أوروبا والولايات المتحدة.
إن هذه الدراسة تشير إلى أن الخوف الذي تفرزه الاعتداءات عندما يقوِّض من الثقة والأمان والوحدة بين أفراد الشعب، فإنه أيضاً يتسبب في أذى وضرر أعمق وأدوم مفعولاً وأقل مرئية مما نراه بأعيننا من ضحايا الاعتداء، لكنه على درجة كبيرة من القوة.
كما وجد العالمان السياسيان مارك هيذرينغتون وإليزابث سوهاي، أن الناس الذين هم عادة منفتحون وأكثر ثقة بالأجانب، عندما يشعرون بأنهم تحت تهديد اعتداء إرهابي، فإنهم يصبحون على الأرجح أكثر ميلاً لدعم السياسات القاسية الاستبدادية وأكثر استعداداً للتضحية بالحريات المدنية في سبيل الأمن المرئي.
وأخيراً، فمهما كان تأثير هذه الاعتداءات على السياسة الغربية، فإنها آخذة في تغيير شيء آخر بطرق خفية، لكن لا يخطئها اثنان؛ ألا وهو الجغرافيا الذهنية للحياة المدنية. ففيما تفرز المدن حواجز أكثر لدرء خطر اعتداء ثانٍ، سوف يتعاظم لدينا أكثر فأكثر شعور الوعي والحذر من خطر دائم لا يغيب أبداً، هو خطر الأجسام الاعتيادية.