عالم جديد مع التربية الإعلامية الرقمية

أتينا إلى بيروت ونحن لا نحمل فكرة واضحة عن الدورة، ويحدونا الأمل لاستكشاف ما يمكن أن يُقدَّم فيها، ففوجئنا بما يفوق التوقعات من كمّ هائل من المعلومات في شتى المجالات التي يحتاجها الطالب والأستاذ في مجال التربية الإعلامية والرقمية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/16 الساعة 02:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/16 الساعة 02:42 بتوقيت غرينتش

أكاديمية التربية الرقمية في الجامعة اللبنانية الأميركية ليست معهداً أو كليةً أو دائرةً تعمل على تدريس الإعلام، بل هي أبعد من ذلك بكثير.

فتدريس الإعلام تناط به تلك الكليات التي تعمل على تأهيل الطلبة لدخول عالم الإعلام والصحافة التقليدية والحديثة.

أما الأكاديمية فتمثل امتداداً لجهود دولية تهدف لمواكبة التطورات المتسارعة في عالم الاتصال، وتأهيل الأجيال الجديدة للتكيف مع هذه التطورات.

في مدونتي السابقة كتبت انطباعاتي المسبقة عن دورة التربية الإعلامية والرقمية التي تقدمها الأكاديمية MDLAB سنوياً في شهر أغسطس/آب للطلبة والأساتذة والصحفيين على حد سواء.

ولذا، تشهد في الدورة تنوعاً كبيراً في الأعمار والجنسيات التي أتت لاستكشاف عالم جديد، عالم تكنولوجيا الاتصال.

أما في هذه السطور فسوف أتحدث عن انطباعي الأوّلي في الأيام الأولى من الدورة.

لن أتحدث هنا عن الجانب الإداري الذي لا يمكن وصفه بالكلمات، سواء من حيث الإعداد الرائع، والتنظيم الجيد، والمتابعة الحثيثة، والتسهيلات اللوجستية المقدمة للضيوف، واستضافة محاضرين متخصصين ومتمرسين في مجال التربية الإعلامية في مختلف جوانبها من أرقى جامعات العالم.

ولن أتحدث عن طاقم الأكاديمية المحترف والمتفاني في العمل، الذي يعمل بدقة متناهية ونشاط منقطع النظير لإنجاز المهمة في نقل الخبرات والمعلومات إلى المشاركين، وإدارة الدورة بطريقة احترافية من الصعب وصفها.

ولن أتحدث أيضاً عن دقة المواعيد، والإدارة الصارمة والحازمة لضبط الدورة وبذل الجهد لتحقيق أهدافها، بل سأتحدث عن جوانب أخرى هي: المضمون، والأسلوب، والتقنيات.

أتينا إلى بيروت ونحن لا نحمل فكرة واضحة عن الدورة، ويحدونا الأمل لاستكشاف ما يمكن أن يُقدَّم فيها، ففوجئنا بما يفوق التوقعات من كمّ هائل من المعلومات في شتى المجالات التي يحتاجها الطالب والأستاذ في مجال التربية الإعلامية والرقمية.

فالمحاور تنوعت بشكل كبير، وكلها مرتبطة بشكل جذري بجوهر الموضوع.

وأذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر، موضوعات تحديات التربية الرقمية، وأمن المعلومات، والجندر، والتأطير، والإرهاب، وقوة البيانات، وإعلام ريميكس، وغيرها من الموضوعات الحيوية والشيقة والمفيدة في آن واحد.

هذه المحاور تضمنت كمّاً كبيراً من المعلومات المنهجية والموثقة والمبنية على أسس علمية. وما استرعى انتباهي هو توثيق المعلومات وحداثتها، وتمكُّن المحاضرين من تفاصيلها وإحاطتهم التامة بالدراسات والأبحاث ذات العلاقة.

أما الأسلوب فقد اعتمد على التنوع في الأداء، من نقاشات وأسئلة وحوارات وتمارين ومشاهد فيديو، فلا تشعر بما يمكن وصفه بـ"هيمنة المحاضر" على الحضور، بل تجسدت المشاركة الفاعلة من الجميع، وكان كل شخص يأخذ حقه في المشاركة.

واتسعت المساحة الزمنية للنقاش والأسئلة والتعليقات بجو علمي ملتزم، وودي لطيف، وتقبل وجهات النظر المختلفة، علماً بأن المشاركين أتوا من 16 دولة، ويحملون ثقافات وأفكاراً مختلفة، ولديهم تجارب متنوعة في مجال الإعلام والاتصال.

أما فيما يتعلق بالجانب العملي فقد تم تخصيص الوقت الكافي لتنفيذ واجبات وتمارين، ربما تكون بسيطة في فكرتها، ولكنها أساسية في سياق التربية الإعلامية والرقمية. كما أنها تؤهل المشارك لفهم أعمق لهذا المفهوم الجديد في عالمنا العربي.

الدورة التي تستمر أسبوعين يمكن وصفها بأنها دورة مكثفة، ذات مضمون علمي متميز، يمكن أن يتسع ليكون مساقاً في الجامعات، أو درساً في المدارس، أو حتى نمط حياة بعد أن يتم غرس هذه الثقافة والتربية في عقول الأطفال والشباب، بل إنه بالإمكان صياغة برامج إعلامية متطورة يتم عرضها في وسائل الإعلام المختلفة تهدف للنهوض بوعي الجمهور في أساليب التعاطي مع الإعلام الرقمي، وخاصة من قِبَل الأطفال والمراهقين.

برأيي فإن هذه الدورة تم تخطيطها وتنفيذها بشكل رائع بكل المقاييس، بحيث يحمل كل مشارك بعد مغادرته إلى وطنه عبئاً كبيراً، ومسؤولية عظيمة في نقل التجربة وغرسها في مجتمعه.

هذه الدورة لن تكون مجرد أيام عابرة، أو مرحلة دراسية تنتهي مع الحصول على الشهادة أو العودة إلى العمل الروتيني.

لقد أصبحت الدورة بمن فيها وبما فيها، جزءاً منا، كما كنا جزءاً منها طيلة أيامها. ربما لم يفكر أحد من المشاركين في ذلك، ولكن يبدو أن القائمين عليها وضعوا نصب أعينهم هذا الهدف الذي ربما كان ضمنياً، وهو أن يغرسوا هذه البذرة في قلوب المشاركين، ويتركوها لكي تنمو وتكبر وتثمر بعد ذلك، دون حاجة لمتابعة الأكاديمية لهم.

إنها إرث كبير تتركه الأكاديمية في ضمير المشاركين، وتترك لوجدانهم القيام بمسؤولياتهم تجاه أوطانهم وشعوبهم وثقافتهم.

وبرأيي فإن كل إنسان يعمل في مجال الإعلام والتربية، ويدرك حجم المسؤولية التي حملها عندما قرر التخصص في هذا المجال، سيحرص على المشاركة في هذه الدورة، التي بلا شك ستعينه على حمل هذه الأمانة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد