قرابة العقدين مرت على إطلاق رواية harry potter and the goblet of fire الكتاب الرابع من السلسلة الأكثر قراءة في ذلك الزمن الكاتبة البريطانية جوان رولينغ، ولكن خلف (قدح النار) و(حجر الفيلسوف)، وخلف كل تلك الفانتازيا التي كتبها رولينغ كانت هناك فانتازيا من نوع آخر؛ حيث ظهر اسم جوان في الرواية الأولى باختصار J. K. Rowling لا لطوله فيما ظهر في البدء القصص غير الواقعية كانت التي تكلمت عنه رولينغ وعن سبب كتابة اسمها هكذا أن الناشرين خافوا من إحجام متوقع عن الكتاب إذا عرف القراء أن الكتاب من تأليف امرأة.
ورغم الانتشار الواسع للسبعة أعداد من قصة الفتي هاري بوتر، كان تصرف الناشرين بالنسبة لي غريباً حتى لامني صديقي حين أخبرته بأن عربة التاتشر من إصدارات تويوتا landcruiser المعروفة، والتي يعجب بها بشكل كبير أنها سُميت على اسم مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانية في أزمان سابقة، قالها هكذا (ليتك لم تخبرني يا هذا).
هؤلاء الناشرون لم يكونوا من كارهي النساء ولا شيء من ذلك، ولكنهم مسوقون عالمون بسوق النشر، افترضوا أن القراء سيؤثر عليهم عقلهم الباطن، ويستدعي بعض الأفكار الموروثة من القدم؛ لتظهر كرفض ضمني كأسئلة ما بال النساء بالكتابة الأدبية؟
نفس ما حدث لصديقي محب التاتشر وغيره من التنهدات الحرّة التي تظهر نفس عدم الرضا من فعل كفعل رولينغ نفسها التي كتبت في فترات سابقة روايات بأسماء مستعارة، مثلها مثل معظم الأديبات العالميات والعربيات كمستغانمي الكاتبة الجزائرية، ونوال السعداوي المصرية.
ذات التنهدات الخفية تطلق اليوم من بعض الناشطين في العاصمة الخرطوم ضد السياسيات السودانيات المواليات للحكومة والمعارضات على حد سواء، فأي فعل مفروض منهن ويلاقي الكثير من التداول الساخط على وسائل التواصل الاجتماعي حتى لو كان الأمر سخيفاً، ويصدر من نفس الرجال في ذات المكانة السياسية الحكومية أو الحزبية، فلبس وزيرة لحذاء منزلي أهم في التداول في ميزانيات الحكومة والظلم المجتمعي الحاصل والطائرات التي تقصف أماكن متفرقة من البلاد، ليس ذلك فحسب بل إن معظم المعلقين على مواقع التواصل يربطون بين مشاكل الدولة وإسفنجة الوزيرة كعلاقة مسببة لدرجة أن وصل بهم الأمر لإطلاق هاشتاغ #سفنجة_الوزيرة، لم تتعرض وزيرة الحكومة فقط لمثل تلك الانتقادات، فالسياسيات من أعضاء أحزاب اليسار تعرضن لمثل هذه الحملات، ليست فقط السياسيات فقد شملت الصحفيات والكاتبات وناشطات حقوق الإنسان.
السخرية من السياسيات السودانيات لم تتوقف على الذكور فحسب، فشاركتهم الإناث في ذلك أيضاً، فالميسونجي Misogyny وهو في التعريف العلمي ما يعرف بالكراهية ضد النساء لا يستثني النساء من ممارسة الكراهية على مثيلاتهن من النسوة، فالأمر غريب بالنسبة للجميع – نساء ورجالاً- فالمرأة في النظرة العامة في السودان وعلى نطاق واسع مكانها البيت، وفي أضيق غرفة المطبخ، فليس الغريب أن تستنكر كل فئات المجتمع ما هو غريب عليها، ويظهر مثل هذه الآراء في نقاشات مواقع التواصل الاجتماعي، فتعليقات من فتيات من شاكلة (السياسة ليست للفتيات) أمر ليس بالمستغرب في السودان.
هنا في السودان مشاركة المرأة في الحياة السياسية قديمة فمنذ عام 1965 نالت النسوة الحق الكامل في الترشح والانتخاب، حق دخلت على أثره فاطمة أحمد إبراهيم البرلمان السوداني كأول برلمانية في العالم العربي بعد جهود طويلة ونضالات باسم الاتحاد النسوي وغيره من التنظيمات التي كانت النساء جزءاً كبيراً منها.
إبراهيم اختيرت رئيسة للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، وحصلت على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان UN Award لجهودها في قضايا النساء والمناداة بحقوقهن في العالم وفي بلدها السودان على الأخص.
إبراهيم بالإضافة لفاطمة عبد المحمود التي ترشحت في 2010 لمنصب رئيس الجمهورية وغيرهما من قيادات الحراك النسوي يمثلن علامة فارقة في تاريخ -السياسة النسوية إن صحّ هذا التعبير- ولكن رغم ذلك التاريخ البراق الطويل لم تتولّ النساء السودانيات مناصب عالية في الجهاز التنفيذي، ففي عهد نميري تولين مناصب التشريع والقضاء، وفي عهد الإنقاذ تضاءلت مشاركة المرأة لتصل لوزارتين هما وزارة الضمان الاجتماعي والعمل، ولم تتعدّ النساء تلك الوزارتين طيلة ربع قرن هي فترة حكم الإنقاذ، ومع العقد الأول من الألفية الجديدة ظهرت إشراقات لنساء في قيادة دفة الأحزاب، فظهرت هالة كأول رئيس لحزب سياسي في الشرق الأوسط حركة حق، وميادة سوار الدهب كرئيسة لحزب الليبرالي، والناشطة المستقلة التي قامت بالدنيا ولم تقعدها تراجي مصطفى، وأشهرهن على الإطلاق تاتبيتا بطرس وزيرة الصحة والكهرباء من بعدها لفترة طويلة، ولكن رغم هذا التاريخ والأسماء الكثيرة فإن دورهن بالجهاز التنفيذي (مقزم) للغاية، خصوصاً في أحزاب اليمين السوداني.
ورغم الاحتفاء والفخر الدائم بأدوار فاطمة إبراهيم وصديقاتها من رائدات العمل العام لكن طوال 60 عاماً لم تتحصل ولا امرأة واحدة على منصب تنفيذي كبير على مستوى الحكومات، أو على ما يعرف بمقعد الوزارات السيادية، ولا على مستوى الأحزاب، معظم التجارب كانت تشريفية أكثر من حق أصيل في الكرسي، فعدم تقبّل السودانيين وسخريتهم الدائمة من السياسيات السودانيات بشكل متفرد من السخرية والانتقادات العادية للرجال من أهل السياسة تظهر استغراب شعب لفعل غريب هو مشاركة المرأة الفاعل في السياسة، لا أداء دور الكومبارس.
ما المستقبل الذي ستواجهه فتيات الأحزاب في تطلعاتهن وآمالهن مستقبلاً في ظل نظرة المجتمع التي دامت لـ6 عقود هي سنوات هذا البلد؟ وهل هناك حاجة لإخفاء أسمائهن باختصارات وتحت أسماء أسلافهن من الرجال مثلما فعل ناشرو هاري بوتر؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.