بلغة الأرقام يقدّر خبراء الطاقة في العالم حجم الاستثمار في الطاقات المتجددة بحوالي 900 مليار دولار سنوياً حتى عام 2030، وهو ما يجعل هذه المصادر الجديدة تطرح نفسها بقوة كبديل مستقبلي لتغطية جزء كبير من حاجيات الطاقة العالمية، وهو ما يجعل منها حلاً واعداً للحلول محل مصادر الطاقة الكلاسيكية التي أصبحت بفعل تأثيراتها السلبية مهددة للوجود البشري على كوكب الأرض.
فالمغرب البلد الواقع في الشمال الإفريقي للقارة السمراء لم يكن استثناء ضمن هذا التزايد في الاستخدام العالمي للطاقات البديلة، فبحكم شح موارده الطاقية الكلاسيكية خطا البلد خطوات كبيرة جعلته من أكبر الدول في المنطقة استخداماً وتوليداً للطاقات النظيفة، فالمملكة تعتبر من أهم أربعين بلداً في العالم تستثمر في قطاع الطاقات المتجددة، مستفيدةً في ذلك من مؤهلاتها الطبيعية (الشمس والرياح خاصة)، وأيضاً مع وجود استراتيجية وتوجّه استثنائي رسمي من الدولة، سواء عبر سن قوانين أو وضع موازنات ضخمة أو جلب استثمارات خارجية في هذا المجال.
فاستيراد المغرب لنحو 94% من حاجياته الطاقية جعله من البلدان الأكثر حاجة للبحث عن بدائل لمصادر الطاقة الكلاسيكية (الغاز، البترول، الفحم الحجري..) مقارنة مع غيره من الدول؛ إذ مع ارتفاع تكلفة الفاتورة الطاقية وفي ظل اقتصاد نامٍ وما يطرحه ذلك من حاجة متصاعدة لمصادر الطاقة مقدرة بحوالي 8% سنوياً لتحريك الحاجيات الاقتصادية للبلاد، أمام هذه التحديات وجدت الدولة المغربية نفسها مجبرة على تبنّي خيارات فعالة بديلة ومستدامة، وذلك بما يجعلها قادرة على الوفاء بالتزامات اقتصادها الطاقية، وأيضاً لتقليص حجم الفاتورة العالية التي تقتطع سنوياً من خزينة الدولة، والمقدرة بحوالي سبعة مليارات دولار بما جعلها عقبة كبيرة وتهديداً للنمو الاقتصادي.
في ظل هذه المعطيات تبنّت الدولة المغربية خيارات استراتيجية جديدة تمثلت بالخصوص بالرهان على الطاقات المتجددة (خاصة الطاقة الشمسية والطاقة الريحية)، بما مكن البلد من تبوؤ مكانة متقدمة عالمياً في استخدام وتوظيف هذه المصادر الجديدة.
كما أنها تبنت كذلك عدة تدابير وخطط استراتيجية تقوم على أساس نظرة شمولية ومندمجة تهدف إلى جعل البيئة انشغالاً مركزياً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكذا الرفع من مساهمتها في أهداف التنمية المستدامة، ويتوقع البرنامج الوطني للطاقة البديلة بلوغ 2000 ميغاوات من الطاقة الشمسية و2000 ميغاوات من الطاقة المائية و2000 ميغاوات من ميغاوات من طاقة الرياح وذلك في أفق سنة 2020.
ولم تكن الاستراتيجية الجديدة ولا التدابير التي تمخضت أن تؤتي أكلها وتؤدي إلى النتائج المرجوة دون وجود عوامل مساهمة في ذلك، وخاصة في الجانب المتعلق بتحديث الترسانة القانونية المؤطرة للمجال، والتي كانت كلمة السر الأساسية لتحفيز الاستثمار في المجال.
إذ كان إدراك الدولة المغربية الحاجة إلى ضرورة وجود أرضية قانونية متقدمة وسليمة لمواكبة السياسة والاستراتيجية الجديدة أهميته الكبيرة في تيسير وإزالة الكثير من العقبات البيروقراطية من التي كانت فيما مضى تحد من وجود فاعلين اقتصاديين ومستثمرين وازنين داخل القطاع؛ لذلك سعت الدولة المغربية جاهدة إلى سن قوانين واتخاذ إجراءات تشريعية عديدة لتحفيز وتشجيع الاستثمار في كل ما هو متعلق بالمجال البيئي ومجال الطاقات النظيفة، ومن بين هذه القوانين والتدابير نجد:
– على مستوى القوانين تم التصديق على القانون المتعلق بإحداث الوكالة الوطنية للتنمية الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية باعتبارها فاعلاً مؤسساتياً عمومياً مكلفاً بالنهوض بالطاقات المتجددة وبرامج التنمية الطاقية على المستوى الوطني، وكذلك القانون المتعلق بالطاقات المتجددة، الذي يحدد الإطار القانوني لإنتاج وتسويق وتصدير الطاقة المنتجة من مصادر متجددة، والقانون المتعلق بالطاقات المتجددة (فرص استثمارية للقطاع الخاص الذي يمكنه أن ينتج الطاقة المتجددة وتزويد السوق المحلية والدولية أو هما معاً).
وقانون محدث لوكالة خاصة بالطاقة الشمسية بهدف تنمية الطاقة الشمسية للوصول لإنتاج 2000 ميغاوات في أفق 2020 كما ذكرنا سابقاً، هذا دون الحديث عن انخراط المغرب في أكثر من 60 اتفاقية دولية والتي من بينها اتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية، كما شارك المغرب بشكل جدي وفعال في المسلسل التفاوضي الذي أدى إلى اتفاق باريس، واحتضن بدوره الدورة 22 لمؤتمر أطراف الاتفاقية حول التغير المناخي بمدينة مراكش في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
إلى جانب هذا يجب استحضار كذلك كثير من التدابير المؤسساتية المتماشية مع هذه الاستراتيجية، فقد تم إحداث العديد من المؤسسات لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية في مجال الطاقة، كالوكالة الوطنية لتنمية الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية (ADEREE)، والوكالة المغربية للطاقة الشمسية (MASEN)، وشركة الاستثمارات في مجال الطاقة (SIE) ومعهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات المتجددة (IRESEN).
وفي المجال البيئي تم إحداث البرنامج الوطني لتدبير النفايات المنزلية، وأيضاً البرنامج الوطني لتطهير السائل ومعالجة المياه العادمة، وكذلك البرنامج الوطني لحماية جودة الهواء، والبرنامج الوطني للوقاية من التلوث الصناعي والمخاطر البيئية، هذا دون الحديث عن إعداد ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة.
بالطبع ما كان لكل هذه الإجراءات والتدابير أن يكون لها أي دور دون وجود إجراءات وتدابير أخرى عملية على أرض الواقع، وهذا الشيء هو الذي ترجمته الدولة المغربية بإعطاء انطلاقة لمشاريع ضخمة وهيكلية في مجال الطاقات البديلة.
فالطموح المغربي إلى رفع قدرات إنتاج الكهرباء التي يتم توليدها من مصادر متجددة إلى 42 % بحلول العام 2020 وتوزيعها بالتساوي بين الطاقة المائية والهوائية والشمسية (14% كل واحدة)، مع إمكانية اللجوء إلى مصادر الطاقة النووية جعله يوفر موارد واستثمارات هامة في المجال؛ حيث سيستثمر المغرب زهاء 22.8 مليار دولار بحلول عام 2020، سيذهب جزء كبير منها في قطاع الكهرباء، فالبلد يسعى إلى تشكل محفظة الطاقة التي تعتمد على الطاقات المتجددة.
وتعد محطة "نور" للطاقة الشمسية أهم وأكبر المشاريع المغربية والعالمية في مجال الطاقات المتجددة؛ إذ في سنة 2016 دشن العاهل المغرب هذه المحطة كأكبر محطة لتوليد الطاقة الشمسية بالعالم بمنطقة ورزازات جنوب شرق البلاد، فاتحاً بذلك عهداً جديداً ليس فقط على المستوى الداخلي، لكن على المستوى العالمي كذلك، وهو المشروع الذي يسعى المغرب من خلاله إلى تقليل اعتماده على الوقود الأحفوري وتعويضه بالطاقة المتجددة، والتحرك نحو تنمية منخفضة الكربون.
هذا المشروع الذي شيّد على مساحة أزيد من 3 آلاف هكتار، من أربع محطات للطاقة الشمسية متعددة التكنولوجيات تتماشى مع المعايير الدولية، سواء على المستوى التكنولوجي أو البيئي، وترتبط بمنصة للبحث والتنمية تمتد على مساحة أزيد من 150 هكتاراً.
وتطلب بناء الشطر الأول فقط ميزانية تقدر بـ7 مليارات درهم (حوالي 700 مليون دولار)، وذلك في أجل حُدد في 30 شهراً، بأزيد من 2000 عامل، أما محطة نور 2 التي أطلقت أشغال إنجازها فتبلغ قوتها 200 ميغاوات، وستمتد على مساحة قصوى تصل إلى 680 هكتاراً، وباستثمار يصل إلى 810 ملايين يورو، وتعتمد أسلوب التوليد المستقل للطاقة، بما يجعل إجمالي استثمارات المشروع يقدر بـ24 مليار درهم (ما يقارب 2.4 مليار دولار)، ناهيك عن كون المحطة تحتضن ما يقارب نصف مليون لوح زجاجي مقوس وعاكس لأشعة الشمس، بارتفاع 12 متراً لكل واحدة، في 800 صف طويل ومتواز، تدور وفق حركة الشمس، حيث تلتقط الأشعة المنبعثة، وتحولها إلى طاقة نظيفة.
وعلاوة على توفير فرص العمل والتوظيف، من المنتظر أن تخفض محطة الطاقة الشمسية نور ما يبلغ مقداره 700 ألف طن من انبعاثات الكربون سنوياً، وتساهم في تحقيق أهداف المغرب المتصلة بأمن الطاقة وتهيئة فرص العمل وصادرات الطاقة.
وليست محطة "نور" آخر المشاريع في هذا المجال بل من المرتقب تشييد محطات أخرى بكل من مدن العيون وبوجدور وميدلت وطاطا وذلك باستثمارات إجمالية تفوق 9 مليارات دولار في أفق 2020 واقتصاد سنوي في انبعاثات غازات الدفيئة تقدر بـ3,7 مليون طن من غاز ثنائي أكسيد الكربون.
وليس التعويل المغربي على الطاقة الشمسية فحسب بل هناك رهان لا يقل أهمية على الطاقة الريحية أيضاً، ففي الإطار نفسه دخل البلد في مشروع كبير للطاقة الهوائية، ذلك لأجل مسايرة تنمية الطاقات المتجددة والفعالية الطاقية؛ إذ سيتيح مخطط الطاقة الذي يمتد على 10 سنوات، والذي ينتظر استثماراً إجمالياً بمبلغ 31.5 مليار درهم، أن يرفع القوة الكهربائية من أصل هوائي والموجودة حالياً من 280 ميغاوات حالياً إلى 2000 ميغاوات في أفق 2020.
وتوجد بالبلد اليوم حوالي أربع عشرة محطة لإنتاج الطاقة الريحية، بما يجعلها في المرتبة الثانية من حيث الأهمية في توليد الطاقة بعد الطاقة الشمسية.
وقد كان بناء محطة "طرفاية" هذا العام تكملة للاستراتيجية الجديدة للدولة المغربية، إذ تعتبر أكبر محطة تعمل بطاقة الرياح في إفريقيا، بحجم استثمارات للمشروع نحو 569 مليون دولار، بهدف إنشاء محطة تبلغ طاقتها الإنتاجية 300 ميغاوات؛ حيث تتوفر المحطة على 131 مولداً للطاقة الريحية يبلغ حجم كل واحد منها 101 متر.
وتندرج محطة طرفاية ضمن المرحلة الأولى من مشروع يستهدف توفير محطات بقدرات إنتاجية في حدود 600 ميغاوات من الكهرباء عبر الرياح، حيث شيدت العديد من المحطات من أجل بلوغ ذلك الهدف في مدن مثل الصويرة وطنجة والعيون، بالإضافة إلى محطات أخرى صغيرة انخرطت فيها شركات عاملة في الصناعة من أجل تلبية حاجياتها الخاصة من الكهرباء.
فالمشروع سيمكن من تفادي طرح 600 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون في السنة كما أنه سيحقق 15 في المائة من البرنامج الوطني الذي يرمي إلى توفير الطاقة الكهربائية عبر الرياح في حدود ألفي ميغاوات في 2020. كما مكن إنشاء المحطة من خلق 600 منصب عمل مباشر خلال مرحلة البناء و60 منصب عمل مباشر خلال مرحلة التشغيل.
صحيح أن سياسة المغرب في الانخراط في المجهودات العالمية من أجل الحفاظ على البيئة واضحة ومعترف بها عالمياً، إلا أننا نتذكر جميعا الجدل الذي أثاره استيراد 2500 طن من النفايات الإيطالية من أجل حرقها بمعامل الأسمنت بالمغرب، كما لا ننسى أن العديد من هذه المشاريع والسياسات تواجه بعض الانتقادات من المواطنين وبعض التيارات المجتمعية، خاصة في الجوانب المتعلقة بالتكاليف الباهظة للاستثمار في المجال، والذي تغطي الدولة المغربية تكلفته من الاستدانة الخارجية، مما يجعلنا نعالج مشكلاً بمشكل آخر بدل البحث عن حل جذري، كما أن من بين الانتقادات الأخرى أن الشركات المقربة من المحيط الملكي هي التي تستأثر بكل الصفقات في المجال تقريباً وذلك عبر طرح مناقصات على مقاس تلك الشركات دون غيرها، وهو ما يثير الكثير من الجدل حول الأمر.
لكن رغم كل ما سبق من انتقادات لهذه المشاريع فإنها بقيت انتقادات ليست بفكرة مشاريع الطاقة البديلة بحد ذاتها بقدر ما كانت على طريقة التدبير أو السياسة المتبعة في ذلك، وهو ما يجعل من أمر رهان الدولة على الطاقات البديلة يحظى بنوع من الإجماع والتوافق عليه، وذلك وعياً من معظم المغاربة بأنه سيخلص البلد من تبعات التبعية الطاقية للخارج، وما يعني ذلك بربط للاقتصاد والبلد برمته به، لكن يبقى التحفظ كما قلنا سابقاً في الطريقة والكيفية حول ذلك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.