نيويورك وصفتها بـ”الطاعون الأسود”.. مجموعات مسلحة بالبنادق تخوض معارك ضد العلكة في شوارع مكسيكو

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/14 الساعة 15:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/14 الساعة 15:54 بتوقيت غرينتش

تغادر كل ليلة عشراتٌ من الشاحنات تحمل نحو 15 شخصاً من وسط مدينة مكسيكو إلى جادة فرانسيسكو ماديرو، شارع المشاة الأكثر شهرة في العاصمة. تبدأ المجموعة، المسلحة ببنادق بخارية من نوع "90 سي" يدعونها "ترميناتورز" أو "القاضية"، المهمة الشاقة لتمشيط الشارع بحثاً عن دوائر سوداء صغيرة مثبتة على الأرض.

يستغرق الأمر من هؤلاء العمال 3 أيام، يعملون خلالها في نوباتٍ مدتها 8 ساعات، لتمشيط الشارع البالغة مساحته 9000 متر مربع. وبنهاية تلك الفترة، يكونون قد أزالوا ما يقرب من 11 ألف قطعة علكة، وفق ما تؤكد صحيفة الغارديان البريطانية.

ويسود شعور بالرغبة في الاستسلام بين العاملين. فكثيرٌ منهم أمهاتٌ عازبات يسافرن لمدة ساعة ونصف من ضواحي المدينة ليقمن بهذا العمل الشاق حتى الساعة الخامسة صباحاً. وقالت إحدى أكثرهن خبرة: "يُمسي ذلك العمل مملاً".

اندلعت الحرب على العلكة في عدة مدن بجميع أرجاء العالم. ونددت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية بالعلكة، واصفةً إياها بأنَّها "الطاعون الأسود" في مدينة نيويورك منذ ما يقرب من عقدٍ من الزمان، وجعلت المدن، بدايةً من سياتل حتى سنغافورة، القضاء عليها جزءاً رئيسياً من فلسفتها الحضرية.

إلا أنَّ مدينة مكسيكو تتخذ موقفاً خاصاً من الأمر بإطلاقها حملةً الشهر المقبل، سبتمبر/أيلول، لزيادة التوعية بما تعتبره التكلفة الاجتماعية والبيئية للعلكة المستهلكة عقب التخلص منها. وتقول مديرة الحملة روزا إيزيلا مارتينيز إنَّ المشكلة لا تقتصر فقط على وجود نحو 40 ألف نوعٍ من البكتيريا في العلكة بجادة ماديرو، بما في ذلك بكتيريا الإيكولاي، وبروتيوس، والسالمونيلا، إلا أنَّ الطيور تأكل أيضاً العلكة التي يجري التخلص منها، ما يجعلها تختنق.

تنظيف تلك المادة الدبقة يُعَدُ مهمةً شاقة. إذ يزور مليون شخص وسط مدينة مكسيكو يومياً، ويمر أكثر من ربع هؤلاء بجادة ماديرو، أي ما يعادل تقريباً حركة المرور اليومية بميدان التايمز في نيويورك. ويقول ألبرتو، البالغ من العمر 33 عاماً، المصاب بالشلل ويبيع العلكة بالشارع، إنَّه يبيع نحو 60 عُلبة من العلكة يومياً.

ويقول خيسوس بورفيريو جونزاليس، رئيس سلطة وسط المدينة، إنَّ إزالة العلكة في مدينة مكسيكو أصبحت "نوعاً من العبودية، فعلى فريق التنظيف الانحناء على ركبهم حرفياً، وأن يزيلوا كل قطعة علكة باستخدام الأدوات المسطحة والغازولين".

وفي السنوات الأخيرة، تطورت التكنولوجيا المتاحة في جميع أنحاء العالم، وأصبحت العقوبات أكثر صرامة. يُعيِّن مثلاًً القائمون على تمثال الحرية فريقاً لإزالة العلكة يستخدم ماكينات مصنعة خصيصاً لتلك المهمة، وفي المملكة المتحدة اضطر رجلٌ لدفع مبلغ قدره 845 جنيهاً إسترلينياً (1095 دولاراً) عام 2014 بعد رفضه تسديد غرامة قدرها 50 جنيهاً إسترلينياً (65 دولاراً) لبصقه العلكة بالشارع.

لكن، مثل النفايات، تتراكم العلكة بمرور الوقت. ففي عام 2002، بدأ مجلس بلدية بورنموث في وضع لوحات لصق عليها وجوه السياسي والبرلماني البريطاني السابق جيفري آرتشر، ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، والرئيس الأميركي السابق جورج بوش، لتشجيع ماضغي العلكة على لصق علكتهم عليها، لكن عادة إلقاء العلكة بالأماكن الخاطئة أثبتت أنَّه من الصعب جداً التغلب عليها. وفي عام 2015، نظفت مدينة سياتل "حائطاً للصق العلكة" يعود لنحو 20 عاماً، كان قد أصبح من المعالم المحلية. واستغرقت تلك المهمة من العمال نحو 130 ساعة لملء 94 دلواً بألفين و350 باونداً (1066 كيلوغراماً) من العلكة، لكنَّ فترة الراحة لم تدم طويلاً: فوفقاً لصحيفة سياتل تايمز بدأ حشدٌ من الناس في إعادة لصق العلكة على الجدار بعد مرور يومين.

وهناك الحظر الشهير للعلكة في سنغافورة عام 1992. وبعد أن اعتبرها السياسي السنغافوري البارز لي كوان يو عدواً للتقدم يناهض إقامة المدينة المثالية التي يريدها، أصبح يمكن للعلكة أن تكلف أي شخصٍ غرامةً قدرها 500 دولار أو ما هو أسوأ. (وفي عام 2004، وكجزءٍ من اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وسنغافورة، خُفِّفَ الحظر قليلاً، وسُمِحَ للصيادلة وأطباء الأسنان ببيع العلكة "العلاجية" لهؤلاء الذين يحملون وصفةً طبية).

وكان القائد العسكري المكسيكي سانتا أنا هو من جلب التشيكل (العلكة الطبيعية) إلى المدن الأميركية في القرن التاسع عشر. وفي أثناء سجنه في الولايات المتحدة، مضغ سانتا آنا التشيكل لتهدئة أعصابه. وأخذها معه خلال فترة نفيه في نيويورك، ومضغها مع المخترع توماس آدامز. وأجرى آدامز الاختبارات محاولاً استخدامها لصنع المطاط من إطارات السيارات، لكنَّه في نهاية المطاف تخلى عن الفكرة، وخلط المنتج بالماء الساخن بدلاً من ذلك، وحوله إلى كراتٍ صغيرة وباعه كعلكة للمضغ.

وأمست العلكة ظاهرةً عالمية حقيقية خلال الحرب العالمية الثانية، عندما ضُمت إلى الحصص الغذائية بالجيش الأميركي (فوفقاً لدراسات، كانت العلكة علاجية وتزيد التركيز). وبعد الحرب، حلت محل التشيكل أسيتات البولي فاينيل، وهي بلاستيك اصطناعي يستغرق ما يصل إلى 5 سنوات ليتحلل، ويجف ليتحول إلى بقايا صلبة يصعب إزالتها.

ولا يزال مزيلو العلكة بمدينة مكسيكو، على الرغم من كونهم مدججين ببنادق الترميناتورز، بحاجة إلى التنقل باستخدام شاحنتين كبيرتين تدفعان المياه من خلال خراطيم الضغط العالي، تاركين علاماتٍ بارزة على عملية التنظيف تلك على شوارع المدينة. وقال خوسيه أرماندو سيرفانتيس لويزا، المشرف على العملية، وهو يحدق في إحدى تلك العلامات متأملاً: "مع ذلك، لايزال شبح العلكة قائماً، ونحن بحاجة إلى تجاوزه، مرةً أخرى، باستخدام عربات الغسل".

تحميل المزيد