يأمل ولي العهد السعودي الجديد في أن يغيّر المملكة، وأن يجعل المجتمع السعودي مجتمعاً أكثر حداثة، لكنَّ القرار بإعدام 14 متظاهراً شيعياً مُتهمين باستخدام العنف ضد قوات الأمن يوضح أنَّ طريقة الحكومة في التعامل مع التوترات والاضطرابات الطائفية لم تتغيَّر، وفق ما ذكرت وكالة بلومبيرغ الأميركية.
وقد أيدت المحكمة العليا فى البلاد مؤخراً عقوبة الإعدام في القضية، ما أثار المخاوف بين النشطاء الحقوقيين من أن يجري إعدامهم في أي وقت.
وتزعم جماعات حقوق الإنسان أن المحاكمة كانت غير عادلة، قائلةً إن اعترافات المُدَّعى عليهم قد انتُزعت تحت الإكراه، وإنَّ بعضهم لم يحضر عنه محامون في المحكمة. وكان عمر ثلاثة من المتهمين 17 عاماً عند ارتكاب الجرائم المزعومة.
ورفض أحد محامي الدفاع كانت وكالة أسوشيتد برس الأميركية قد حاولت التواصل معه قول أي شيء، قائلاً إنَّه ممنوعٌ رسمياً من الحديث عن القضية مع وسائل الإعلام.
وقالت والدة أحد المدَّعى عليهم إنَّ محامي ابنها تعرَّض للضغوط ليترك القضية وينسحب من المحاكمة، تاركاً ابنها لتمثيل نفسه.
إذ قالت زهرة عبدالله، أم المُدَّعى عليه منير الآدم: "اضطر منير إلى الدفاع عن نفسه والإجابة عن أسئلة المحكمة. إنِّنى أطالب إمَّا بمحاكمةٍ عادلة أو بإطلاق سراحهم. الحكم بالإعدام كعقوبة على التظاهر ليس أمراً صحيحاً".
يواجه كذلك عقوبة الإعدام مجتبى السويكت، وهو شابٌ سعودي كان قد قُبِلَ في جامعة ويسترن ميشيغان الأميركية قبل اعتقاله. ويحث الاتحاد الأميركي للمعلمين، الذي يقول إنَّه يمثل 1.6 مليون عضو على الصعيد الوطني، الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مطالبة السعودية بوقف تنفيذ عقوبات الإعدام.
ورداً على هذا الاحتجاج، أصدرت وزارة العدل السعودية بياناً استثنائياً يدافع عن أحكامها وإجراءاتها القضائية. وأضافت أنَّ جميع المتهمين قد أُدينوا بارتكاب "جرائم إرهابية" شملت قتل مدنيين وضباط أمن.
وصرَّحت الوزارة بأنَّ المتهمين حظوا بمحاكمةٍ عادلة، وأنَّ 3 محاكم مختلفة و13 قاضياً قد درسوا القضية، وأضافت أنَّ العقوبات المُشدَّدة لا تصدر إلا في الحالات التي تُرتكب فيها أكثر الجرائم خطورة.
بينما تابعت زهرة قائلةً إن ابنها شارك في الاحتجاجات للمطالبة بالمساواة وضمان حقوقه؛ ومن بين الاتهامات التي وُجِّهت إليه كانت إلقاء الحجارة على الشرطة، وإطلاق النار على نقطة تفتيش تابعة لها، لكنَّها تقول إنَّ ابنها ينفي تهمة إطلاق النار.
لعلماء الشريعة الإسلامية آراءٌ متباينة إلى حدٍ بعيد بشأن تطبيق عقوبة الإعدام. ويتمتع القضاة في المملكة بسلطةٍ واسعة لإصدار الأحكام وفرض عقوبات الإعدام سواءٌ في جرائم القتل أو غيرها من الجرائم.
وتملك السعودية واحداً من أعلى معدلات أحكام الإعدام في العالم. وفي العام الماضي، أُعدِمَ 47 شخصاً في يومٍ واحد، من بينهم رجل دين شيعي سعودي بارز أُدين لدوره في احتجاجاتٍ عنيفة. ونفى رجل الدين نمر النمر اتهامات التحريض التي وُجِّهَت إليه، فيما يقول مؤيدوه إنَّه عوقب لأنَّه كان ينتقد الحكومة السعودية علناً وكان قائداً رئيسياً للاحتجاجات الشيعية في شرق المملكة العربية السعودية عامي 2011 و2012.
وأُدينَ الـ14 شخصاً الآخرين لدورهم في التظاهرات نفسها.
وقالت منظمة ريبريف البريطانية، وهي منظمة حقوقية معارضة لعقوبة الإعدام، إنَّ أحد المُدَّعى عليهم لم يُسمح له مطلقاً بمقابلة محامٍ على الأقل. وفي قضية الآدم، لم تُقدَّم أي أدلةٍ ضده أمام المحكمة.
ويقول الناشطون إنَّ هناك قلقاً متزايداً بعد إعدام المملكة 4 من الشيعة في يوليو/تموز اتُّهموا بالإرهاب واستخدام العنف مع قوات الأمن في التظاهرات نفسها.
وقد حاول 10 من الفائزين بجائزة نوبل للسلام مناشدة الملك سلمان وابنه ولي العهد أن يوقفا عقوبات الإعدام، بحسب ما ذكر تقرير سابق لعربي بوست.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إنَّه في حالة كانت القيادة السعودية الجديدة جادة في نيتها للإصلاح، فعليها أن "تتقدم فوراً لوقف عقوبات الإعدام هذه". بينما صرَّحت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية في بيانٍ مشترك بأنَّ ارتفاع عدد أحكام الإعدام ضد الشيعة في المملكة العربية السعودية "مثيرٌ للشك، ويشير إلى أنَّ السلطات تستخدم عقوبة الإعدام لتسوية الحسابات وسحق المعارضة تحت ذريعة مكافحة الإرهاب".
ويكمن وراء معظم هذه التوترات نزاعٌ يشمل المنطقة بأكملها، بين السعودية التي تقودها السنة، وإيران التي تقودها الشيعة. إذ أدَّى إعدام النمر إلى قطع العلاقات نهائياً بين البلدين.
ويشير رجال الدين المحافظين بالمملكة في الخُطب وعلى تويتر إلى الشيعة بـ"الرافضة"، وهي كلمة مُشتقة من "الرافضين". ويدينون الطقوس الشيعية مثل الصلاة في مقابر الشخصيات المبجلة باعتبارها انحرافاً عن ملة الإسلام، ويتهمون الشيعة بأنَّهم مخلصون لرجال الدين المتشددين في دولة إيران الدينية.
وفي السنوات الأخيرة، استهدف المتطرفون السعوديون الشيعة، الذين رغم كونهم أقلية في المملكة ككل فهم يشكلون الجزء الأكبر من السكان في المنطقة الشرقية منها. وتعرضت المساجد الشيعية في الشرق لعدة تفجيرات.
وقد عرَّف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (الذي أصبح وريثاً للعرش في أواخر يونيو/حزيران) نفسه بأنَّه مُجدِّدٌ ويسعى للحداثة. وحدَّد أهدافاً سامية لتحققها المملكة بحلول عام 2030، ووعد بتغييراتٍ هائلة، لكنَّه لم يعطِ أي مؤشرٍ على استعداده للنظر في الظلم الذي يتعرض له الشيعة في بلاده.
وكان الأمير محمد قد أثار استغراب الكثيرين في مقابلةٍ أُجريت معه في مايو/أيار الماضي، إذ وصف فيها نزاع بلاده مع إيران باصطلاحاتٍ طائفية، قائلاً إنَّ وجود حوارٍ مشترك مع إيران أمرٌ مستحيل لأنَّها تحاول نشر عقيدةٍ شيعية.
وتُعد التوترات الطائفية في السعودية أكثر وضوحاً في مدينة العوامية الشرقية، مسقط رأس النمر (رجل الدين الذي جرى إعدامه) من أي مكانٍ آخر بالمملكة.
فقد لقي نحو 24 شخصاً مصرعهم هناك، من بينهم قوات الأمن والمسلحون المحليون. واحتدمت الأمور أكثر في مايو/أيار بعد أن بدأت الحكومة في هدم المركز التاريخي للمدينة، وإلى جانبه مئات المنازل.
وتقول الحكومة إنَّ المنطقة كانت تعد مخبأً للمجرمين المطلوبين للعدالة. ومن بين الذين لقوا مصرعهم في الاضطرابات صبيٌ يبلغ من العمر 3 سنوات تُوفي الأسبوع الماضي. ويقول سكان العوامية إنَّه أُصيبَ برصاص قوات الأمن بينما كان في المقعد الخلفي لإحدى السيارات.
تقول زهرة إنَّ ابنها كان يبلغ من العمر 18 عاماً وقت اعتقاله، وكان قد وجد عملاً في مصنع خارج العوامية بعد أن تخلى عن دراسته؛ لأنَّ الأسرة كانت تعاني من ضائقةٍ مالية، وكان يشتكي من عدم توفر الوظائف، حتى لخريجي الجامعات.
وأضافت: "كوننا شيعة جعلنا مستهدفين لفترةٍ طويلة. لا توجد مساواة، فجميع المناصب الحكومية والمؤثرة في الدولة ليست لنا".