حاول البيت الأبيض تدارك موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أحداث العنف في فيرجينيا، الذي تعرَّض بسببه لانتقادات حادة، لأنه ساوى بين النشطاء وخصومهم من اليمين المتطرف عن العنف الذي أسفر عن مقتل إحدى الناشطات في حادث دهس لتجمع معارض لليمينيين.
وبعد 19 ساعة على تصريحه المثير للجدل، ومع تعاظم الجدل حول موقفه من هذه المشكلة، قرَّر البيت الأبيض إصدار بيان، وتصويب موقف الرئيس الأميركي.
وأخيراً قرَّر الرئيس الأميركي، عبر المتحدث باسمه، الأحد 13 أغسطس/آب 2017 إدانة كل أشكال العنف، ومن ضمنها تلك التي تؤمن بتفوق العرق الأبيض.
وقال متحدث باسم البيت الأبيض، الأحد، إن الرئيس الأميركي "قال بقوة أمس (السبت) إنه يدين كل أشكال العنف وانعدام التسامح والكراهية. وهذا يشمل بالتأكيد المنادين بتفوق العرق الأبيض و(جماعة) كو كلوكس كلان (منظمة تحارب تحرير السود وتناهض الأقليات)، والنازيين الجدد وكل المجموعات المتطرفة".
وقبل ذلك استنكرت إيفانكا ترامب، ابنة ومستشارة الرئيس الأميركي، صباح الأحد "العنصرية والاعتقاد بتفوق العرق الأبيض والنازيين الجدد"، بعدما واجه والدها انتقادات لرد فعله على العنف الذي شاب مسيرة لليمين المتشدد، قبل يوم في مدينة شارلوتسفيل.
وقالت إيفانكا ترامب في سلسلة من التعليقات عبر موقع "تويتر"، "لا مكان في المجتمع للعنصرية والاعتقاد بتفوق البيض والنازيين الجدد. علينا أن نتحد كأميركيين ونصبح بلداً موحداً".
وقتلت امرأة وأصيب 19 شخصاً بجروح، السبت 12 أغسطس/آب 2017، عندما صدمت سيارة حشداً جاء للاعتراض على تجمع لليمين الأميركي المتشدد.
وجاء موقف إيفانكا ليبرز تمايز موقفها عن والدها، بعد أن تأخر في تصويب موقفه الأول، الذي أدان أعمال العنف في شارلوتسفيل، بدون أن يشير إلى مسؤولية هذا الطرف أو ذاك، مثيراً غضب الديمقراطيين، وأثار بعض الاستياء حتى بين الجمهوريين في حزبه.
وضم تجمع اليمين المتطرف في شارلوتسفيل أعضاء في مجموعة كو كلوكس كلان العنصرية. ووقع جرحى آخرون بسبب المواجهات التي جرت بين الجانبين.
وكان ترامب خيَّب آمال الكثير من الأميركيين، لأنه بدلاً من أن يدين بشكل واضح هذه المنظمات المتطرفة، اكتفى يوم السبت بتحميل الطرفين المتواجهين المسؤولية نفسها، قائلاً: "ندين بأشد التعابير الممكنة تظاهرة الكراهية الضخمة هذه، والتعصب الأعمى، وأعمال العنف من أي جهة أتت".
الجمهوريون ينتقدون رئيسهم
وسرعان ما ربط البعض بين موقف ترامب الفاتر من أحداث شارلوتسفيل والغموض الذي يلف موقفه إزاء اليمين المتطرف، منذ حملته الانتخابية السابقة.
المعروف أن قسماً لا بأس به من اليمين البديل "الت رايت" دعم ترامب خلال الانتخابات الرئاسية السابقة، بينما تجنب مراراً النأي بنفسه عن بعض هذه المجموعات والمسؤولين عنها.
ونتيجة ذلك تعرض ترامب لانتقادات، حتى من قلب فريقه الجمهوري، على غرار ما فعل سناتور فلوريدا ماركو روبيو، الذي أعرب عن الأمل بـ"سماع الرئيس وهو يصف حقيقة ما حصل في شارلوتسفيل، أي هجوم إرهابي قام به من يؤمنون بتفوق العرق الأبيض".
من جهته، قال السناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي بات يتجه أكثر نحو زيادة انتقاداته للرئيس الأميركي: "لو كنت رئيساً للولايات المتحدة وأعرب هؤلاء الأشخاص عن تعاطفهم مع شخصي وبرنامجي، فإن الأمر كان سيطرح لي مشكلة".
والمعروف أن سكان شارلوتسفيل (50 ألف نسمة) يصوتون بشكل ساحق إلى جانب الديمقراطيين، وهم معروفون بانفتاحهم، ويفتخرون بجامعتهم التي أسسها عام 1819 الرئيس توماس جيفرسون.
وكأن مقتل المتظاهرة لم يكن كافياً لسكان مدينة شارلوتسفيل، فقد فجعوا بمقتل شرطيين اثنين في تحطم مروحية السبت.
وتسعى الشرطة الفدرالية إلى معرفة دوافع قيام جيمس فيلدز، البالغ العشرين من العمر، بدهس المتظاهرين المناهضين للعنصرية في المدينة السبت.
وينحدر المعتدي من ولاية أوهايو، ووجهت إليه تهمة القتل وتعمد العنف. ومن المقرر أن يمثل أمام قاضٍ الإثنين.
هل شجع ترامب المتطرفين؟
دفعت أحداث شارلوتسفيل إلى طرح سؤال أساسي: هل شجعت لغة ترامب المناهضة للأجانب المتطرفين اليمينيين وسهَّلت تحولهم إلى التحرك؟
ورد عمدة شارلوتسفيل الديمقراطي مايكل سيغنر بنعم واضحة على هذا التساؤل، معتبراً أن ترامب أسهم في إشاعة مناخ من "الترهيب".
وأضاف في تصريح لشبكة "سي بي إس" أن ترامب "اختار خلال حملته الانتخابية اللعب على أبشع ما لدينا من أفكار مسبقة، وأعتقد أن ما حصل خلال عطلة نهاية الأسبوع مرتبط مباشرة بخياراته هذه".
وتعيد حادثة شارلتوسفيل للأذهان أن ترامب انتظر مرور وقت طويل قبل أن يندد خلال حملته الانتخابية بالدعم العلني الذي قدمه له ديفيد ديوك، الزعيم السابق لكلوكس كلان.
وانتقدت المرشحة الديمقراطية السابقة هيلاري كلينتون، التي هزمت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة أمام ترامب، الرئيس الأميركي بدون أن تذكر اسمه. وكتبت في تغريدة أن "كل دقيقة تمر ونحن نسمح لذلك بالاستمرار، عبر تشجيع ضمني أو عدم التحرك، إنما هو عار وخطر على قيمنا".
وخرج الرئيس السابق باراك أوباما عن صمته، مستشهداً بكلمات لنيلسون مانديلا، رمز النضال ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
وكرَّر أوباما كلاماً لمانديلاً يقول فيه "لا أحد يولد وهو يكره شخصاً آخر بسبب لون بشرته أو أصوله أو ديانته".