فلسطين والعرب.. إشكالية العلاقة

هذا تماماً ما كتبه مثقف عربي ينتمي إلى دولة عربية شقيقة، لا ينفك قادتها عن تذكيرنا بمناسبة وغير مناسبة بما قدموه للقضية الفلسطينية من تضحيات أعاقت مشاريع التنمية لديهم، وذلك رداً على المناشدات المتكررة بضرورة التحرك لنجدة المسجد الأقصى والتضامن مع القدس وأهلها المرابطين.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/12 الساعة 08:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/12 الساعة 08:21 بتوقيت غرينتش

قد مللنا التضامن مع قضيتكم "النجسة"! يكفي ما قدمناه لكم على حساب تنميتنا!
هذا تماماً ما كتبه مثقف عربي ينتمي إلى دولة عربية شقيقة، لا ينفك قادتها عن تذكيرنا بمناسبة وغير مناسبة بما قدموه للقضية الفلسطينية من تضحيات أعاقت مشاريع التنمية لديهم، وذلك رداً على المناشدات المتكررة بضرورة التحرك لنجدة المسجد الأقصى والتضامن مع القدس وأهلها المرابطين.

هل كفت فلسطين عن كونها قضية العرب؟ هل أخرج العرب فلسطين من حساباتهم؟
من يتذكر منكم القضية الفلسطينية؟
هل حقاً وصل بعض العرب إلى هذا المستوى من الانحدار والانحطاط الفكري والأخلاقي على مستوى القيم والمثل؟

منذ الخيانة الأولى، وصفقة الأسلحة الفاسدة، يقوم معظم العرب قادة وشعوباً بممارسة هوايتهم اليومية في التشدق بأن فلسطين والقضية الفلسطينية هي قضيتهم الأولى، وأنها مسؤولية وطنية قبل أن تكون قومية وإسلامية، ولا يكاد يمر يوم من دون أن نسمع تصريحاً أو خطاباً لقائد عربي هنا، أو زعيم سياسي هناك، يؤكدون خلاله عدالة القضية الفلسطينية، والمظلومية التي وقعت على الشعب الفلسطيني المضطهد، وأن إسرائيل التي تحاصر المسجد الأقصى، وتعمل على تهويد مدينة القدس هي العدو الأول للعرب الذين لا يدخرون جهداً ولا مالاً لنصرة ودعم هذه القضية.

لكننا جميعاً نعلم أن هذه الشعارات يتم استخدامها من قبل معظم الأنظمة العربية لدغدغة مشاعر شعوبها، وتحقيق مكاسب سياسية وانتخابية من قبل بعض الأحزاب العربية، بل حتى لجني ثروات من قبل بعض تجار الفن الذين استخدموا رمزية القضية الفلسطينية لتسويق أعمالهم وانتشارها.

بالرغم من أن قتل الشعب الفلسطيني وانتهاك مقدساته لم يتوقف يوماً منذ ما قبل العام 1948، وهو العام الذي شهد قيام دولة إسرائيل، فوق الأرض الفلسطينية، وعلى حساب الشعب الفلسطيني، إلا أننا لم نرَ تحركاً عربياً جاداً، إذ إن القادة العرب يكتفون فقط بالشجب والإدانة، والشعوب تشتكي القهر والعجز بسبب أنظمتها السياسية، وأنهم لا يمتلكون شيئاً للقضية الفلسطينية غير الدعاء.

تستمر فلسطين بطلب الإغاثة ولا تستغاث، ويستمر الفلسطيني بنضاله ومقاومته وعناده دون مؤازرة، ويستمر تدنيس الأقصى بأحذية جنود أقذر جيش على البسيطة، وتظل القدس تصرخ وتنتظر نجدة الأشقاء العرب دون جدوى، ورغم أن حديثهم لا يتوقف عن مقاومة إسرائيل ودعم الحقوق الفلسطينية، فإن بعض العرب يكتفي بترديد الأكاذيب، والبعض الآخر يوجه اتهامات الإرهاب للشرفاء الفلسطينيين ويقوم باعتقالهم وزجهم في المعتقلات، وبعض البعض بات يرى أن واجبه الأخلاقي هو الدفاع عن المدنيين الإسرائيليين من الإرهاب الفلسطيني!

هو أمر جداً مؤسف هذا التهميش المتعمد للقضية الفلسطينية من قبل غالبية الأنظمة العربية، بذرائع وحجج واهية، أهمها الانشغال بالأوضاع الداخلية لهذه الدول التي لم تستطع أن تحقق أية مشاريع تنموية لشعوبها، ولا هي تمكنت في الوقت ذاته من تقديم العون والدعم للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.

كما يجري تصوير الأمر من قبل البعض وكأن هناك قطعاً وبتراً بين القضية الفلسطينية ومحيطها العربي وعمقها الإقليمي، بينما الحقيقة أنه لا يمكن عزل مجريات الصراع العربي الإسرائيلي عن الأوضاع الداخلية لأية دولة عربية؛ إذ إن جميع الأقطار العربية هي نقاط مصالح واستهداف من قبل إسرائيل.

ثم إن غالبية العائلات الفلسطينية لها امتدادات في سوريا والأردن ولبنان ومصر، بل إن هناك عائلات كاملة وقرى فلسطينية تعود أصول سكانها إلى الشمال العربي الإفريقي.

فلسطين كانت في الحروب الصليبية في القرن الحادي عشر ميلادي، فلسطين كانت في معظم الصراعات التي شهدتها المنطقة خلال الخمسمائة عام الأخيرة، فلسطين كانت في وعد بلفور، وكانت في اتفاقية سايكس بيكو، وفلسطين كانت محور التقاطعات والتجاذبات والصراعات خلال المائة عام المنصرمة، وسوف تظل فلسطين في قلب الأحداث الجارية، والتي سوف تحصل مستقبلاً، ولا يمكن أن تنعم هذه المنطقة بالاستقرار دون حل عادل للقضية الفلسطينية يعيد لشعبها حقوقه الوطنية المسلوبة.

بعض الأنظمة العربية رفع سابقاً شعار "نحن أولاً" لتبرير عجزه والابتعاد عن قضية الصراع العربي مع إسرائيل، ولكي يتخلص من عبء الواجب القومي في تحرير الأراضي المحتلة، والآن بتنا نسمع شعارات خطيرة مثل "الطائفة أولاً" و"اذهب أنت وربك فقاتلا" و"سلام الشجعان" الذي يفرط بثمانين بالمائة من فلسطين، كما انشغل العرب عن فلسطين بخلافاتهم فيما بينهم وزج الشعوب العربية في صراعات مفتعلة، لا يستفيد منها أحد سوى إسرائيل التي تستغل هذا الواقع العربي والفلسطيني المأزوم بالتشرذم والتفرقة والفوضى في تحقيق أهدافها الاستراتيجية على حساب المصالح العربية.

أيها العرب، إن الإعلان عن قيام دولة إسرائيل في 14/5/1948 سبقه تشكيل الحركة الصهيونية العالمية بأكثر من نصف قرن، أمضت هذه الحركة أكثر من ثلاثة عقود في العمل والتخطيط وتنظيم هجرة اليهود إلى الأراضي الفلسطينية، وحصلت من بريطانيا على وعد بلفور، واستثمرت الحركة نتائج حربين عالميتين لمصلحة تحقيق هدفها في إقامة إسرائيل.

فأين نحن من هذا التخطيط والتنظيم من قبل عدو يمتلك عقلية وضع خطط لمائة عام مقبلة، بينما العرب لا يمتلكون المقدرة على التخطيط لمائة يوم!

لا يستطيع العرب والفلسطينيون مواجهة القوة الإسرائيلية "حق القوة " بأسلوب ناعم يعتمد على "قوة الحق"، وذلك فقط عبر الاكتفاء بإطلاق المبادرات السياسية والدخول في مفاوضات والمراهنة على المجتمع الدولي، فالتاريخ يؤكد أن لا وجود لحقوق دون قوة تدعمها، وأن الجنوح للسلام دون قوة يؤدي إلى الانتحار، فقد كانت نتيجة هذه السياسة أن انتقل العرب من اللاءات الثلاثة المعروفة، لا صلح، لا تفاوض، لا استسلام، قبل انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها في العام 1967، إلى التسابق للاعتراف والتفاوض والصلح وعقد الاتفاقيات مع إسرائيل، ووصل العجز الرسمي العربي والفلسطيني إلى أقصاه؛ حيث غابت استراتيجية المواجهة مع إسرائيل، وغابت استراتيجيات السلام، فلا يمتلك العرب رؤية واحدة شاملة ولا موقفاً موحداً بشأن القضية الفلسطينية، والأسوأ أننا نشهد انحداراً وتراجعاً مقيتاً مرعباً مخجلاً في معظم السياسات العربية الرسمية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وصل إلى حد تآمر بعض العرب على الفلسطينيين وعلى قضيتهم، من خلال التنسيق الأمني المكشوف والعلني مع إسرائيل ضد المصالح الفلسطينية.

لقد تم تقزيم المسألة الوطنية الفلسطينية على أنها قضية تخص فقط الفلسطينيين، ثم جرى تقزيمها مرة أخرى لتظهر على أنها قضية فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم يجري مسخ المشروع الوطني الفلسطيني برمته على أنه فتح وحماس وعباس وهنية، وكأن قضيتنا أصبحت صراع سلطة بين تنظيمين.

بينما تستمر إسرائيل كل يوم بإصدار القوانين العنصرية التي تهدف إلى ابتلاع ما تبقى من فلسطين وتشريد الفلسطينيين، والتأكيد على أنها لم تعد عربية، وما نخشاه هو أن تكون فلسطين أندلس جديدة نفقدها إلى الأبد.

لكن هل الواقع العربي الراهن قابل لنصرة الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية؟
الإجابة قطعاً لا، فالجسد العربي في حالة من الموت السريري، قلب العرب مريض ومرهق، ورأسها مصاب بالهرم، وأطرافها مشلولة.

إن قضية العرب الأولى- فلسطين- تحتاج إلى أمة حرة قادرة على التعبير وتقديم الدعم، تحتاج إلى أمة لا تلهث غالبيتها خلف رغيف الخبز، أمة قادرة على أن تختار مستقبلها، أمة لا يقرر مصيرها حزب واحد ولا عشيرة واحدة ولا زعيم واحد.

تحرير فلسطين يحتاج إلى جسد عربي معافى ومتحرر من الخوف والقمع والفساد والمرض والفقر والأمية ومن المحسوبيات والرشوة والشللية، جسد يتمتع بحرية الحركة والانتقال، يؤمن بالديمقراطية إيماناً حقيقياً، ويمارس تداول السلطة، ولا يعتقل معارضيه.

لقد جعلت معظم الأنظمة العربية من القضية الفلسطينية مطية لتحقيق مآربها الخاصة، وجرى استخدام القضية في الخطابات الديماغوجية التي تتشدق بها بعض النظم العربية بهدف استمالة الشعوب العربية والإسلامية إلى جانبها، ومن الدول العربية من يحارب دولاً عربية أخرى بسيف القضية الفلسطينية التي أصبحت مادة للمزايدات بين أطراف عربية كثيرة.

من العار أن يجري استغلال القضية الفلسطينية التي يعتبرها العرب قضيتهم المركزية والأولى، لتحقيق طموحات وأهداف ومآرب وأطماع خاصة لهذا النظام أو ذاك على حساب الشعب الفلسطيني ومصالحه الوطنية وعلاقاته العربية والدولية.

إن أية قراءة سريعة للواقع العربي الراهن يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك زيف الشعارات التي رفعتها بعض الأنظمة العربية والتي استمرت لعقود وهي تعلن أن تحرير فلسطين سوف يبدأ أو ينطلق أو يمر عبر هذه العاصمة العربية أو تلك، بينما تأكد أن تحرير القدس وتحرير فلسطين سوف يكون الخطوة الأولى الضرورية في طريق تحرير بعض العواصم العربية من استبداد أنظمتها ومن سطوة الاستعمار الغربي، وتكشف الأحداث يوماً بعد يوم أن المشروع الصهيوني فشل في احتلال فلسطين، بينما نجح في احتلال بعض الدول العربية الأخرى والسيطرة عليها،

وأن الشعب الفلسطيني هو الشعب الذي يتمتع بالحرية الوجدانية النضالية، وأن غالبية الشعوب العربية أسيرة ومعتقلة في سجون تسمى أوطاناً؛ لذلك فإن هذه العلاقة بين العرب والفلسطينيين باتت تستوجب التصويب، فمن الظلم أن نطلب من الشعوب العربية التضامن مع القضية الفلسطينية، فلا يمكن لمريض أن يداوي سليماً معافى ولا يمكن لسجين أن يناصر حراً.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد