بعضهم يبيعون “القات” وآخرون لا يجدون قوت يومهم.. هكذا أصبح طيارو النخبة في اليمن

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/12 الساعة 09:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/12 الساعة 09:32 بتوقيت غرينتش

بحنين بالغ يستذكر مقبل الكوماني آخر طلعة جوية، نفذها بطائرته السوخوي 22 الروسية، فمنذ عامين ونصف، يفتقد الطيار الحربي كرسيه داخل الطائرة التي كان يجول ويصول بها في الأجواء اليمنية.

بوجه ذابل وعينين خفت بريقهما، أصبح الكوماني في يقين تام بأن مستقبله وأحلامه التي لطالما رسمها في مخيلته، قد انتهت، فهو اليوم يقعد القرفصاء في حانوت صغير يحاول أن يكسب قوته في بيع أوراق القات.

والقات هي نبتة منبهة، يلوكها اليمنيون في أفواههم لعدة ساعات، ويعتقدون أنها تمدهم بالنشاط والتركيز، والعمل في بيعها لا يحتاج إلى جهد أو إلى قدرات بالغة، ويلجأ إلى بيعها من لا يملك عملاً.

لكن الطيار الحربي الذي تخرج من كلية الطيران والدفاع الجوي في عام 2002، بدأ العمل ببيعها، في سوق شعبي بمنطقة سعوان، شرقي العاصمة اليمنية صنعاء، الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح.

خسر عمله الجديد


في أول يوم من عمله في بيع القات، فشل الطيار الحربي في ترويج بضاعته الجديدة، وقال لـ"عربي بوست"، إنه خسر رأس ماله الذي استدانه من صديقه، والبالغ 30 ألف ريال يمني (80 دولاراً أميركياً).

وحين بدأ حديثه حول ماضيه، قال "قلبت مواجعي، وخاصة ونحن نعيش بين كماشتي سلطتين لم تتركا لنا أن نعيش حالنا وفق ما كنا نأمل، بل لم نستطع أن نعيش كمواطنين".

وأضاف إنه منذ آخر مرة غادر فيها عمله كطيار حربي، "كنت أرى الغارات الجوية للتحالف في الساعات الأولى من انطلاق العمليات العسكرية، وهي تدمر القواعد الجوية، شعرت بغصة ألم، وقلت حينها أنني لن أكون طياراً بعد اليوم".

وتابع "يشهد الله خلال هذه الـ 3 سنوات تقريباً، أنني لم أذق طعم النوم ليلاً إلا بحدود عشرة أيام، وكانت تدويناتي على صفحتي بموقع فيسبوك، كلها تتحدث عن الطيران والتحليق، أصبحت كالمجنون".

متعة افتقدها


وحول الطريقة التي يقضي بها حياته، يقول الطيار الحربي، إنه لازم منزله في العاصمة صنعاء، وبين مسقط رأسه في كومان بمحافظة ذمار، جنوب العاصمة صنعاء، لكن مع انقطاع راتبه منذ عام، أصبحت حياته ضيقة.

وبمتعة جارفة يفتقدها اليوم، قال "مؤلم أنني تركت الطيران، فأنتم لا تعلمون مدى المتعة ولا تتخيلونها، من يعانق السماء يصعب عليه تركها، الطيران أقوى أنواع المخدرات التي يصعب على من أدمن عليه أن يتخلى عنه، تركت عملي مرغماً، للبحث عن لقمة العيش بعد أن فقدت مرتبي".

وأشار إلى أن آخر مرة قاد فيها مقاتلته السوخوي 22، في شهر أغسطس/آب 2014، ومع اندلاع الحرب وتأزم الوضع في اليمن قرر أن يعود إلى منزله، على ألا يشارك في حرب عبثية.

طيارون بلا طائرات


مطلع يوليو/تموز 2017، ظهر رئيس ما يُسمى بـ"المجلس السياسي"، وهو مجلس مشكّل مناصفة بين جماعة الحوثيين وقوات صالح، صالح الصماد في محافظة الحديدة، على ساحل البحر الأحمر (غربي اليمن)، وهو يكّرم عدداً من الطيارين الحربيين الذين تخرجوا من دائرة الدفاع الجوي.

لكن للمفارقة أنه لم يعد لدى طرفي الحرب في اليمن أي مقاتلات حربية أو قواعد جوية، بالإضافة إلى أنظمة الدفاع الجوي، بعد أن دُمرت في الساعات الأولى لعمليات التحالف العربي الذي تقوده السعودية، التي تدخلت لاستعادة الحكومة الشرعية في اليمن، يوم 26 مارس 2015.

وجاء ذلك، رغم أن المئات من الطيارين الحربيين عادوا إلى منازلهم دونما عمل.

وأطلقت الصور التي نشرتها الجماعة في حفل التكريم، عاصفة من السخرية والتندر، على مواقع التواصل، حيث قال طلال الشاوش وهو طيار حربي، "حفل لتكريم طيارون بلا طائرات.. يحدث هذا في اليمن فقط، أريد أن أعرف كيف طبّق هؤلاء ما درسوه".

أوضاع سيئة


لا يكاد يختلف حال الطيارين اليمنيين عن حال اليمنيين الآخرين، فهم يعانون شظف العيش وقلة الحيلة، فمن الصعب على أحدهم أن يعمل في أعمال متدنية، بعد أن كانوا يحلقون في العالي.

يقول الطيار الحربي مقبل الكوماني، "الطيارون هم صقور الجو، أصحاب عزة نفس وكرامة، لكن للأسف قلبي يقطر دماً عليهم وعلى جميع منتسبي القوات الجوية والدفاع الجوي. فالبعض منهم غادر إلى قريته للعمل في الزراعة والكثير ما يزالون يصارعون الجوع في منازلهم".

وأضاف "صدقني إنها كارثة لا يتخيلها عقل بشر.. أحد أصدقائي الطيارين أرسل لي برسالة، مفادها بأن صاحب المنزل أهانه في المسجد أمام الناس بسبب تراكم الإيجار عليه، هكذا أصبح حالنا في ظل انقلاب حاقد علينا وشرعية لا تعرف ما معنى طيار.

وأشار إلى أن السلطتين "لا يعلمون أن الطيار في كل بلدان العالم يعتبر ثروة قومية وطنية.. كيف لا؟ ودولته تخسر عليه ملايين الدولارات لكي يصبح طياراً".

من طيار إلى مزارع


الطيار طلال الشاوش، بدأت مشاكله مع قيادة القوات الجوية حينما رفض الطيران بطائرة مهترئة، لكن مع اندلاع الحرب، آمن حينها بأنه يتوجب عليه البحث عن عمل آخر.

عاد إلى قريته في ماوية بمحافظة تعز (جنوب غربي اليمن)، وعمل معها في الزراعة بمزرعته الخاصة، وخصوصاً في زراعة الكوسا، لكنه اصطدم بالحوثيين مجدداً حين علموا أنه رفض الانضمام إليهم.

بدأت المشاكل تتوالى عليه، وقال لـ"عربي بوست"، إنه "كان شعاري يا حب حبي زراعة.. لكن حبي الأول طيران"، لكن اليوم كل شيء تغير، مضيفاً "صادفت مشاكل كثيرة في الزراعة عبارة عن جهل وفساد، حتى الحوثة والمشائخ ما سلمت منهم".

وتابع "حفرنا بئراً ارتوازياً، اصطدمت بالحوثيين، بسبب فسادهم المالي والإداري، وما تزال القضية قائمة إلى اليوم".

كان الطيار الحربي طلال الشاوش، قد غادر اليمن إلى العاصمة المصرية القاهرة، وقال "بالنسبة للواقع الذي أشاهده اليوم أعتقد أصبح مستحيلاً السماح لنا بامتلاك طائرات مقاتلة أو الطيران على أقل تقدير عشر سنوات".

وبنبرة أسى كان يمنّي نفسه، ويقول "كنت أتمنى الموت وأن أحلّق كبطل، لا أن أموت كرجل عادي".

علامات:
تحميل المزيد