البنتاغون ينفي أي تعاون مع حزب الله.. لكن الوقائع على الأرض تقول عكس ذلك

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/11 الساعة 15:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/11 الساعة 15:11 بتوقيت غرينتش

منذ أن هبطت قوات مشاة البحرية الأميركية "المارينز" على شواطئ بيروت عام 1958، تدخَّل الجيش الأميركي من آنٍ لآخر في صراعات الدولة المضطربة الواقعة على البحر المتوسط بين سوريا وإسرائيل.

لكن لم تصل الولايات المتحدة قط إلى حد الاقتراب كثيراً من تنفيذ عمليات مشتركة، حتى ولو بشكلٍ غير مباشر، مع تنظيمٍ تُصنِّفه هي إرهابياً، وحمَّلته مسؤولية تنفيذ أكثر الهجمات القاتلة ضد قوات المارينز منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك عندما استُهدِفت ثكنات كتيبة من قوات المارينز في جنوب بيروت بالتفجير في أكتوبر/تشرين الأول 1983، وقُتِل خلال هذه العملية 241 جندياً أميركياً.

لكنَّ الولايات المتحدة تتعاون بحكم الأمر الواقع مع حزب الله حالياً بشكلٍ غير مباشر.

فقد أكدت البنتاغون أنَّ قوات عمليات خاصة أميركية تُقدِّم الدعم للجيش اللبناني النظامي في قتاله ضد الجهاديين على طول الشريط الحدودي السوري القاحل -رغم عدم مشاركة أي أميركي بشكلٍ مباشر في القتال- وتأتي المساعدة الأميركية على الرغم من أنَّ هذه المعارك تُشن بالتنسيق مع حزب الله والنظام السوري، وفقاً لما يقوله الأمين العام للحزب حسن نصرالله.

ويعد هذا موقفاً غير مُريحٍ للبنتاغون على أقل تقدير. لكن المتحدث باسم البنتاغون إريك باهون قلَّل من أهمية ذلك، وقال لموقع "ديلي بيست" إنَّ قوات العمليات الخاصة متواجدة بالفعل في لبنان منذ عام 2011، وتُقدِّم التدريب والاستشارات والمساعدة المطلوبة للجيش اللبناني، الذي حصل على 1.5 مليار دولار في صورة مساعدات عسكرية أميركية منذ عام 2006. ويُفترض أنَّه من بين الأهداف الرئيسية لهذا الدعم هو مواجهة نفوذ حزب الله.

وقال باهون في تصريحات صحفية: "إذا علمنا بوجود تنسيقٍ بين الجيش اللبناني وحزب الله من تقارير موثوقٍ بها، فإنَّ هذا يستدعي إجراء تحقيقٍ جاد والتواصل مع الحكومة اللبنانية للتعبير عن مخاوفنا".

ومن الواضح أن البنتاغون لم يستمع إلى الخطاب المتلفز الأخير لنصر الله يوم الجمعة الماضية، 4 أغسطس/آب، الذي تحدث فيه علانيةً عن جهود التنسيق بين مُقاتليه والجيش اللبناني في المراحل الأخيرة من المعركة الحدودية، وشرح بالتفصيل كيفية توزيع الأدوار بين الطرفين إلى جانب قوات بشار الأسد خلال الحملة القادمة ضد من يُسمَّون أنفسهم باسم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

شيطانه الأعظم

وبالفعل، بدا نصر الله مبتهجاً بشكلٍ واضح من هذا الموقف، ولا يأتي هذا الابتهاج فقط لأنَّه نجح في إشراك ما يسميه "الشيطان الأعظم" في حربه ضد عدوٍ مشترك. لكن أيضاً بسبب نتائج الجولة الأولى من الحرب الحدودية، التي كان من بينها إطلاق سراح 5 من مقاتلي حزب الله من سجون مسلحي المعارضة السورية. وقد هلل الإعلام اللبناني لهذه العملية واصفاً إياها بالنصر البطولي، وحتى المنافذ الإعلامية غير المُتيمة بحزب الله شاركت في هذا التهليل.

وكانت وسائل إعلام لبنانية نقلت الشهر الماضي عن مصادر ميدانية مطلعة أن معركة الجرود التي سيخوضها "حزب الله" من الجهتين اللبنانية والسورية، بالاستعانة بألوية النخبة لديه، وفي الوقت الذي ستحدد فيه ساعة الصفر، ستبدأ بالمعركة مع تنظيم "داعش".

وفي هذه الأثناء، أنهى خصم نصر الله سابقاً ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري للتوّ رحلته إلى واشنطن، حيث -وعلى نحوٍ لافت- لم يضغط الحريري على الرئيس الأميركي دونالد ترامب للقيام بأي عملٍ من شأنه التشويش على أجندة حزب الله – حتى وإن نجح ترامب، ضمن المعلومات الخاطئة التي اعتاد ترديدها يومياً، في الادعاء خطأً بأنَّ الجيش اللبناني يحارب حزب الله، وهو في واقع الأمر يساعده.

ومثلما هو الحال مع قضاة محكمة العدل الدولية في لاهاي، فإنَّ لدى الحريري كل الأسباب التي تدفعه للتصديق بأنَّ رجال نصر الله هم من يقفون وراء التفجير الانتحاري الضخم الذي قتل والده، رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، و21 شخصاً آخر في يوم عيد الحب في عام 2005.

لكن عندما كان سعد الحريري في واشنطن الشهر الماضي، كان على رأس أولويات قائمة أعماله ضمان استمرار الدعم المادي الأميركي للجيش اللبناني، والبالغ قيمته 80 مليون دولار سنوياً، حتى وإن أقرّ المدافعون عن هذه المعونة بأنها تصب في مصلحة حزب الله، على المدى القصير على الأقل. وأراد الحريري أيضاً الحد من تداعيات العقوبات الجديدة، التي أقرَّها الكونغرس ضد حزب الله في يوليو/تموز الماضي، على الاقتصاد اللبناني.

الظروف اجتمعت لمصلحته

وتعد الطريقة، التي اجتمعت بها الظروف لصالح حزب الله في هذه الدولة المعروفة بطائفيتها، تاريخية إلى حدٍ كبير: إذ لدى حزب الله، الذي يتزعم الطائفة الشيعية في لبنان، صديقٌ وفيٌ وهو الرئيس اللبناني (المسيحي)، وينعم حالياً برضوخ رئيس الوزراء (السُنّي)، والذي تحدث مؤخراً في مقابلةٍ مع مجلة بوليتيكو الأميركية عن التوصّل إلى "تفاهم" مع المتهمين بقتل والده.

ولأول مرة خلال الأعوام الـ35 التي مرت على وجوده، لم يعد حزب الله يواجه أية معارضة قوية داخل لبنان.

تتحسن الظروف جميعها الآن لصالح حزب الله، على عكس ما كان عليه الوضع منذ 5 سنوات، عندما بدا أنَّ موجة الانتفاضات الشعبية في العالم العربي قد تُطيح بالشريك الحيوي لحزب الله في دمشق، بشار الأسد، وتمهِّد الطريق لتولي حكومة سورية ديمقراطية، تتبنى سياسة خارجية مستقلة عن طهران، وربما حتى منحازة للغرب. كم يبدو ذلك أمراً من الماضي الآن!

وبالطبع، تدخَّل حزب الله سريعاً لإحباط هذه النتيجة تحديداً بالقوة، فقاتل معارضي الأسد في البلدات المجاورة للحدود، ثم توسَّع بوتيرةٍ مستمرة في كافة أنحاء سوريا، ليصبح، حسب كلمات نصر الله الشهيرة، "في أي مكان يتوجب عليه التواجد فيه".

وعبر استغلال – وقد يقول البعض تسهيل – صعود نفوذ تنظيم داعش، الذي تسبَّبت أعماله الإرهابية بعد ذلك في دخول العالم في نوبةٍ من الهلع، تمكَّن حزب الله من إعادة تعريف نفسه كقوةٍ مكافحةٍ للإرهاب (طالما أنَّ هؤلاء الإرهابيين ليسوا شيعةً).

وجدت هذه الحيلة جمهوراً متعاطفاً بين المؤيدين في الداخل، ورغم أنَّه من النادر الاعتراف بهذا الأمر علناً، لكنَّه حظي بتعاطف أيضاً لدى بعض الفاعلين الرئيسيين في المجتمع الدولي، ويمكن القول إنَّ الرئيس الـ44 للولايات المتحدة الأميركية، باراك أوباما، كان واحداً منهم.

واعترف أوباما نفسه بأنَّ الاتفاق النووي الإيراني قد يصبّ، ولو جزئياً على أقل تقدير، في مصلحة حزب الله، وهو الأمر الذي، كما قال وزير الخارجية السابق جون كيري، لا يجب أن يكون أمراً سيئاً بالضرورة، لأنَّ حزب الله "لا يتآمر ضدنا".

يا لها من أمور كثيرة سيسجلها التاريخ.

تقول وزارة العدل الأميركية حالياً بشكلٍ قاطع إنَّ حزب الله يتآمر "ضدنا"، وأعلنت إلقاء القبض على شخصين متهمين بالعمل لصالح الحزب في ولايتي نيويورك وميشيغان في الأول من يونيو/حزيران الماضي.

وقيل إن أحد المتهمين، وهو علي الكوراني (32 عاماً)، كان مسؤولاً عن مراقبة أهداف معينة، منها القواعد العسكرية الأميركية ومنشآت الشرطة في حيي مانهاتن وبروكلين، بينما وُصف المتهم الثاني، وهو سامر الدبك (37 عاماً)، بأنَّه متخصص في تصنيع القنابل وكُلِّف بمهمة تقدير حجم وأبعاد السفارة الأميركية في بنما، بالإضافة إلى قناة بنما نفسها. وهناك مزاعم بأن المتهمين تلقيا تدريبات عسكرية مكثّفة على يد حزب الله في لبنان.

ورغم كل هذا، يبدو أنَّ إدارة ترامب ليس لديها خططٌ بشأن كيفية منع حزب الله من تنفيذ هجمات في الولايات المتحدة إذا ما قرر التحول من مرحلة المراقبة إلى التنفيذ، أو حتى كيفية الحد من نفوذه في العالم العربي.

وبينما كان يقف بجوار الحريري أثناء المؤتمر الصحفي في حديقة الورود بالبيت الأبيض في 25 يوليو/تموز الماضي، بدا أنَّ حديث ترامب يؤكد أنَّ المساعدات الأميركية للجيش اللبناني ستتواصل، إذ قال: "يُعد ما أنجزه الجيش اللبناني خلال السنوات الأخيرة أمراً مثيراً للإعجاب. تشعر الولايات المتحدة بالفخر لمساعدتهم وستواصل فعل هذا".

وفي الأسبوع التالي، قال وزير الداخلية اللبناني لمحاورٍ إعلامي، وكأنَّه يؤكد وجهة نظر منتقدي السياسة الأميركية تجاه لبنان، إنَّ الجيش يعمل "بالتنسيق" مع جيش الأسد، الذي فرضت عليه الولايات المتحدة (خلال فترة حكم أوباما) عقوباتٍ لأنَّه اعتاد ارتكاب مجازر بحق المدنيين باستخدام أسلحة كيماوية.

هل بات هذا الأمر هو الأمر الطبيعي الجديد؟ عالمٌ لا يتواجد فيه حزب الله فقط بل لديه أيضاً مطلق الحرية لتقوية نفوذه في ظل وجود معارضةٍ محدودة له سواء في الداخل أو الخارج.

والأكثر من هذا، هل ترامب، الذي أطلق وعوداً كثيرة بالعدول عن إرث سياسات أوباما – والذي قال علانيةً عن حزب الله "إنَّه يشكل تهديداً للدولة اللبنانية، والشعب اللبناني والمنطقة بأسرها" – موافق بصورةٍ جوهرية على مواصلة مسار سلفه، مع إدخال بعض التغييرات الطفيفة هنا وهناك.

ولا يتوقع سوى عددٍ قليل من المحللين حدوث تغييرٍ جذري في مسار عمل الفريق الرئاسي خلال المدى القريب.

وقال فيصل عيتاني، الزميل المقيم لدى المجلس الأطلسي، لموقع ديلي بيست: "إنَّ أقصى ما يمكنني قوله بناءً على معلومات من مصادر داخل الكونغرس والبيت الأبيض هو أنَّ السلطة التنفيذية ليس لديها أي خططٍ جريئة أو جديدة".

وتابع: "لدى (الإدارة الحالية) موقفٌ تجاه حزب الله وإيران، وهو بكل تأكيد أكثر عدائية من موقف أوباما وأكثر حميمية تجاه السعوديين، لكنَّها ليست لديها الرغبة في تنفيذ عملياتٍ بالوكالة في المنطقة أو الانخراط في سياسات معقدة؛ لأنَّ ترامب في حقيقة الأمر يريد إنهاء وجود تنظيم داعش والخروج من المنطقة، ومثله تماماً وزير الدفاع جيمس ماتيس والقيادة المركزية الأميركية. لا يريد أحدٌ ممن لديه سلطة اتخاذ القرار القيام برد فعلٍ، باستثناء بعض الأشخاص داخل مجلس الأمن القومي، والذين أصبحوا، بعد أن خسروا ديريك هارفي، بلا صوتٍ قوي".

ويوافق آخرون على أنَّ ترامب يمارس ضغوطاً ضد حزب الله أكثر من سلفه، لكنَّهم يقولون أيضاً إنَّ الخيارات المتاحة أمامه محدودة بسبب التقارب المُزلزل بين أوباما وطهران عبر إبرام اتفاق نووي خلال فترة حكمه.

فقال طوني بدران، الزميل والباحث لدى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات: "تتسم السياسة اللبنانية الحالية، والموروثة عن أوباما، بتأييد إيران". وأضاف بدران أنَّ تحديد أوباما هدف محاربة داعش كأولويةٍ له، "حتى في المناطق التي يكون نفوذ التنظيم فيها هامشياً" مثل لبنان، أدَّى إلى "تعزيز نفوذ حزب الله ومؤسسات الدولة الخاضعة له" على حساب الجيش اللبناني.

وقال بدران لموقع ديلي بيست: "بينما توجد مؤشرات على تغيير الإدارة الأميركية لمسارها في نهاية المطاف مثل اقتراحها خفض حجم الدعم الأمني الممنوح للبنان، فإنَّ بيروت وحلفائها في واشنطن عارضوا هذه المقترحات بشدة".

علامات:
تحميل المزيد