تتجه فنزويلا، أكثر من أي وقتٍ مضى، إلى كارثةٍ سياسية واقتصادية؛ فقد وصل معدل التضخُّم إلى أكثر من 700%، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من الثلث مقارنةً بمستويات عام 2013.
وأصبحت الآن، الدولة التي تحتوي على أكبر احتياطات نفطية في العالم هي أكثر دول العالم ديوناً؛ إذ لا توجد أي دولة أخرى في العالم تبلغ نسبة دَينها العام الخارجي من ناتجها المحلي الإجمالي أو صادراتها نسبةً أكبر من فنزويلا. كل ذلك يتزامن مع إنهيار مستويات المعيشة بشدة، حسب تقرير لموقع The Conversation الأسترالي.
ويشكل قفز احتياطي بترول فنزويلا المؤكد فجأة عام 2010 من 77.68 مليار برميل إلى 300 مليار برميل (أكبر احتياطي بترول مؤكّد في العالم) رغم تراجع إنتاجها- لغزاً، حسب تقرير نُشر بموقع قناة "العربية".
وأرجع التقرير ذلك إلى سوء سياسة الحكومة الحالية التي تسير على خطى سياسة الرئيس السابق هوغو شافيز.
وكان الرئيس السابق هوغو شافيز، الذي توفي عام 2013، وكان يصف نفسه بأنه نصير الفقراء، قد أغدق ملايين الدولارات من عائدات الثروة النفطية على برامج التنمية الاجتماعية، خلال فترة حكمه التي استمرت 14 عاماً، وفقاً لما ورد في تقرير لـ"بي بي سي".
لكن حكومة خلفه نيكولاس مادورو واجهت تحديات كبيرة؛ بسبب هبوط أسعار النفط، والذي تزامن مع أزمة اقتصادية، أبرز جوانبها نقص كبير في السلع الأساسية وارتفاع معدل التضخم.
الدور السعودي
ساهمت عوامل عدة في أزمة فنزويلا الحالية، من ضمنها سوء إدارة الثروة النفطية من جانب الرئيس الراحل هوغو شافيز والحالي نيكولاس مادورو، وكذلك الجريمة، وغياب القانون، والسوق السوداء.
وفي حين لعبت كل تلك العوامل -دون شك- دوراً في الأزمة، فإنَّ العامل الأهم يتمثَّل في تراجع أسعار النفط حتى لو لم يكن ذلك واضحاً للبعض.
والمفارقة أن ما يجري في فنزويلا يُمثِّل النتيجة غير المقصودة لسياسة المملكة العربية السعودية المتمثِّلة في إبقاء أسعار النفط عمداً عند مستوياتٍ منخفضة لأسبابٍ سياسية، وفقاً لموقع The Conversation الأسترالي.
تُنظَّم أسعار النفط، كما هو الحال مع أي سلعةٍ أخرى، من خلال العرض والطلب. وحينما يكون هناك فائضٌ نفطي، أو نقصٌ في الطلب على النفط، تتراجع الأسعار.
وبقيت مستويات العرض والطلب ثابتةً إلى حدٍ ما في الفترة بين عام 2009/2008 وعام 2014، وذلك عند مستوى 80 مليون برميل يومياً تقريباً. لكنَّ الإنتاج بدأ في الزيادة بعد ذلك. وبحلول أواخر عام 2015، بلغ متوسط العرض 97 مليون برميل يومياً، دون أن يطرأ تغيُّرٌ يُذكَر على مستويات الطلب. وهو الأمر الذي أدَّى إلى تراجع حاد ومستمر في الأسعار.
يعود جزء من هذه الزيادة في العرض إلى النفط الصخري الأميركي، الذي يُستخرَج من خلال عمليةٍ تُسمَّى "التكسير"، لكنَّ الجزء الأكبر من الزيادة أتى نتيجة ضخ السعوديين عمداً كمياتٍ أكبر من النفط؛ لأسبابٍ سياسية.
وتُعَد السعودية، باعتبارها الدولة الوحيدة المُنتِجة للنفط التي تمتلك احتياطياتٍ كافية لإعادة ضبط السوق بتلك الطريقة، هي "المُنتِج المُتأرجِح" (أي من يزيد الإنتاج عند ارتفاع الطلب في الأسواق الدولية ويقلصه حين ينكمش).
وحتى رغم تقليل النفط الصخري الأميركي جزءاً من قدرة السعودية تلك، لا تزال المملكة النفطية تمتلك القدرة على إنتاج أكثر مما تنتجه حالياً، ولهذا لا تزال قادرةً بصورةٍ كبيرة على تحطيم السوق، وهو ما يعني إحداث تراجع كبير ومفاجئ في قيمة النفط.
منافسة أميركا وإيران
يبدو أنَّ السعوديين يحاولون تحقيق هدفين؛ الأول هو إخراج مُنتجي النفط الصخري الأميركي من صناعة النفط، وتعزيز الدور الريادي لهم في سوق النفط العالمية.
إذ يُعَد إنتاج النفط من الصخر الزيتي عن طريق عملية التكسير مُكلِّفاً، وتصل تكلفته إلى نحو 60 دولاراً للبرميل، في حين لا تتجاوز تكلفة استخراج النفط الطبيعي 7 دولارات للبرميل.
وتأمل السعودية أن يؤدي التراجع الحاد في أسعار النفط، التي وصلت إلى أقل كثيراً من مستوى 60 دولاراً للبرميل، إلى جعل عمليات التنقيب بالنسبة لمنتجي النفط الصخري بالمعدَّلات الحالية عديمة الجدوى اقتصادياً.
ويتمثَّل الهدف الثاني في تدمير اقتصاد إيران، المنافِسة الرئيسة للسعودية في الشرق الأوسط. ومن شأن ذلك أن يحدَّ من قدرة طهران على مواصلة تحويل مئات الملايين سنوياً إلى النظام السوري والميليشيات الشيعية في العراق، واليمن، ومناطق أخرى.
هكذا سقط الشاه
ولطالما كانت أسواق النفط في قلب الصراع السعودي-الإيراني على الهيمنة الإقليمية.
فبالعودة إلى عام 1977، حينما كانت إيران تُخطِّط لإنشاء محطات طاقة نووية كبيرة، وتخطط لبسط نفوذها في جميع انحاء الشرق الأوسط، أغرق النظام السعودي الأسواق، وزاد إنتاجه من النفط من 8 ملايين برميل يومياً إلى نحو 12 مليون برميل؛ الأمر الذي أدى إلى تراجع أسعار النفط بصورةٍ حادة.
وآنذاك، شهدت إيران مليارات الدولارات التي كانت تنتظر الحصول عليها كعائداتٍ في مجال النفط وهي تتلاشى أمام ناظريها.
واضطُّر الشاه إلى التخلي عن خططه المُتعلِّقة بالاستثمار النووي، وانهار التصنيع، وارتفعت معدَّلات التضخم بسرعة الصاروخ، وزادت البطالة بحدة، ولم يمر وقتٌ طويل حتى قضت المشكلات الاقتصادية على كل الدعم الذي كان يتمتَّع به النظام الملكي في إيران. أمَّا ما جرى بعد ذل،ك فقد شكَّل التاريخ؛ إذ انهار النظام بعد عامين من ذلك وحلَّت محله جمهورية آية الله الخميني الإسلامية.
أميركا والسعودية.. مؤامرة أم صدفة؟
بعد تردُّدٍ ومباحثاتٍ في أوائل 2014، يبدو أنَّ السعوديين قد شنَّوا هذه الحرب النفطية جنباً إلى جنبٍ مع الولايات المتحدة الأميركية. فقد دعَّمت أميركا هذه السياسة في ظل رغبتها في تقويض نفوذ روسيا المعتمد على النفط أيضاً، وهو الأمر الذي اعتبرته، على ما يبدو، أكثر أهمية من دعم قطاع النفط الصخري الأميركي. في المقابل، فإن الحصول على وارداتٍ نفطية رخيصة يمثل أنباءً جيدة للمستهلكين الأميركيين والصناعة الأميركية بشكلٍ عام.
وسواءٌ كانت هناك خطةٌ واضحة واستراتيجية متفقٌ عليها أم لا، فقد بدا أنَّ هناك تقارباً لا تخطئه العين في المواقف السعودية والأميركية.
غير أنَّ تلك الاستراتيجية، المتمثِّلة في إبقاء أسعار النفط منخفضة، لم تُدمِّر بالضرورة الاقتصادين الروسي أو الإيراني. وعوضاً من ذلك، كانت الدول المنتجة الأكثر تضرُّراً هي دول أميركا الجنوبية وإفريقيا، حيث تعاني الدول النفطية، مثل ليبيا، وأنغولا، ونيجيريا.
لكن من بين كل تلك الدول، كان أكثر من تضرَّر فنزويلا، أكثر دول العالم اعتماداً، وبصورةٍ فادحة، على النفط؛ إذ يُشكِّل النفط ما نسبته 96% من الصادرات، وأكثر من 40% من العائدات الحكومية.
وليس واضحاً بعدُ ما إذا كانت استراتيجية أسعار النفط السعودية-الأميركية ستُحقِّق هدفها الأساسي، المتمثِّل في تحطيم القوة والنفوذ الروسي والإيراني أم لا. لكن هناك شيئاً واحداً واضحاً، وهو أنَّ سوق النفط العالمية ستستمر في كونها مُتقلِّبة بشدة، وستواصل الدول الأصغر والأقل قوة أن تكون ضحية المعركة الأكبر.