ذكر موقع The Diplomat الأسترالي، المعني بالشؤون الآسيوية، أن هناك تسريبات أميركية تفيد بقيام دولة الإمارات بانتهاك العقوبات الدولية المفروضة على كوريا الشمالية، عبر شراء أسلحة من هذه الدولة المنبوذة أممياً، موضحاً أن الصلات السرية بين الجانبين قد تصل إلى سعي أبوظبي لشراء أسلحة نووية من بيونغ يانغ.
ولفت الموقع الذي يتَّخذ من طوكيو مقرّاً له في تقرير نُشر مؤخراً، إلى أنه، في الثاني من أغسطس/آب 2017، أصدرت وزارة الخارجية الإماراتية بياناً رسمياً يدين إطلاق الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من كوريا الشمالية على المنطقة الاقتصادية الخاصة لليابان.
ووصفت الإمارات أعمالَ كوريا الشمالية بأنها تشكل "تهديداً حقيقياً للأمن والاستقرار الدوليين"، وأكدت على أهمية دعم القانون الدولي كحصن ضد الانتشار النووي.
وعلى الرغم من هذا الخطاب القاسي المناهض لبيونغ يانغ من أبوظبي، كشفت مذكرة وزارة الخارجية الأميركية، التي تم تسريبها، أن الإمارات اشترت أسلحة بقيمة 100 مليون دولار من كوريا الشمالية، في يونيو/حزيران 2015، لدعم التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن.
وقد ورد هذا الخبر كذلك في موقع middleeastmonito، وأشارت إليه صحيفة واشنطن بوست الأميركية، في معرض تقرير لها عن علاقة كوريا الشمالية الغريبة بأزمة قطر مع السعودية والإمارات.
صحيفة نيويورك تايمز الأميركية ذكرت أيضاً هذا الخبر، في معرض تقرير لها يكشف عن انتهاكات الإمارات لحظر الأسلحة الدولي المفروض في ليبيا، التي كشفتها رسائل إلكترونية إماراتية مسرَّبة، فيما وُصف بفضيحة حقيقية.
وتشمل رسائل البريد الإلكتروني وثيقة احتجاج رسمية قدمها دبلوماسيون أميركيون من وزارة الخارجية على تلك الصفقة، إلى يوسف العتيبة سفير الإمارات في واشنطن.
وأوضحت الوثيقة أن الأسلحة تأتي في إطار صفقة كوريا الشمالية، تضمَّنت "مدافع رشاشة وبنادق وصواريخ".
وكان الوسيط الإماراتي "يبحث عن سفينة أو طائرة مستأجرة لنقلها"، وهذا الوسيط هو شركة "مطلق" الإماراتية، التي لديها تاريخ طويل جداً في التعامل مع شركات تجارة الأسلحة الكورية الشمالية".
وفي رسالة إلكترونية، بتاريخ 3 يونيو/حزيران 2015، كتب السفير الإماراتي في واشنطن، أنه استدعي إلى وزارة الخارجية الأميركي "مرة أخرى" بشأن صفقات كوريا الشمالية.
لماذا تفكر الإمارات في تلبية طموحاتها النووية عبر كوريا الشمالية؟
ويشير موقع The Diplomat إلى أنه على الرغم من أن العديد من محللي الدفاع الأميركيين ينظرون إلى الإمارات على أنها الحليف الأكثر موثوقية لواشنطن في دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن التوترات ازدادت بين أبو ظبي وواشنطن نتيجة لاتفاق إدارة أوباما النووي مع إيران، في يوليو/تموز 2015، المعروف رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA).
وكانت الإمارات من أكثر المعارضين لمحاولات أوباما لتطبيع العلاقات مع إيران، حتى أكثر من السعودية.
وبما أن العديد من صناع السياسة الإماراتيين يعتقدون أن إيران سوف تتراجع عن التزاماتها، وسوّف تصبح قوة نووية، فقد أعرب كبار المسؤولين الإماراتيين، مثل سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة، عن اهتمامهم بتطوير رادع نووي إماراتي.
وعلى الرغم من أن المسؤولين الأميركيين لا يريدون أن تشتري الإمارات أسلحة نووية، إلا أن أبو ظبي حافظت على روابط تجارية مع الدول المناهضة للغرب، حتى يمكنها أن تستجيب بسرعة في حالة حدوث انتهاك إيراني كبير للاتفاق النووي.
وفي هذا السياق، تعتبر كوريا الشمالية مورداً محتملاً للمواد النووية إلى الإمارات.
وتعود الروابط العسكرية بين الإمارات وبيونغ يانغ إلى عام 1989، عندما اشترت أبو ظبي صواريخ سكود-بي من كوريا الشمالية.
وقد رافق عمليات شراء الصواريخ هذه تطوير الإمارات لأنظمة طائرات ميراج 2000 الفرنسية، وF-16 الأميركية، التي يمكن استخدامها كنظم تحمل الأسلحة النووية.
وفي حين اعتبرت الصين وباكستان في البداية الموردين المحتملين للمواد النووية للإمارات إذا طلبتها أبوظبي، فإن عدم رغبة بكين أو إسلام آباد في الابتعاد عن إيران يمكن أن يجعل بيونغ يانغ مورداً أفضل للتكنولوجيا النووية.
وبما أن صفقة كبيرة من المواد النووية من كوريا الشمالية ستغضب الولايات المتحدة، فقد أجرت الإمارات صفقاتها العسكرية مع كوريا الشمالية من خلال شركات خاصة، لضمان عدم خضوع أبوظبي للعقوبات الأميركية.
مثل شركة مطلق الإماراتية، التي أبرمت صفقة الأسلحة مع بيونغ يانغ، في يونيو/حزيران 2015، وهي تعمل كوسيط لنقل الأسلحة بين الدول.
وأدى قرب التعاون بين شركة المطلق للتكنولوجيا ومجموعة الذهب الدولية (IGG)، وهي مستورد رئيسي للأسلحة في الإمارات يديره صديق ولي العهد المقرب فاضل سيف الكعبي، إلى تكهنات بتواطؤ الدولة في صفقات الإمارات مع كوريا الشمالية.
وفي حين تدين الإمارات تجارب كوريا الشمالية البالستية، تجري صفقات أسلحة بين البلدين وفقاً للتسريبات، فإن هذا الأمر يسمح للإمارات بإبقاء قنواتها التجارية مع كوريا الشمالية خلف الستار. وهذا يضمن حفاظ الإمارات على قدرتها على شراء الأسلحة الكورية الشمالية والمواد النووية في وقت قصير، مع القليل من التدقيق من الولايات المتحدة.
وسيلة لمحاصرة إيران وحلفائها
ويمكن تفسير عمليات شراء دولة الإمارات للأسلحة من بيونغ يانغ، باعتقاد أبوظبي بأن كوريا الشمالية هي مورد محتمل لأنظمة الصواريخ، ورغبة الإمارات في ردع كوريا الشمالية عن بيع التكنولوجيا العسكرية المتطورة إلى إيران والمتمردين الحوثيين في اليمن.
ويقول موقع The Diplomat "إنه عبر إنشاء قناة خلفية محتملة لشراء سريع للصواريخ والمواد النووية، فإن صفقات الجيش الإماراتي مع بيونغ يانغ توفر لكوريا الشمالية العملة الصعبة التي تحتاجها لكي تستطيع الاستمرار في إدارة اقتصادها".
إن أهمية الإمارات كشريك اقتصادي لكوريا الشمالية بهذه الطريقة تُكسب أبوظبي نفوذاً على الأنشطة العسكرية لبيونغ يانغ، وبالتالي يمكنها أن تقنع كوريا الشمالية بعدم تقديم تكنولوجيا عسكرية متطورة لإيران وحلفائها.
والدليل على أن الحفاظ على الروابط الاقتصادية والعسكرية مع أبوظبي لا يتم بلا مقابل، هو أن الإمارات عرقلت شحنات الأسلحة الكورية الشمالية إلى إيران.
ففي أغسطس/آب 2009، استولت الإمارات على سفينة ANL-Australia التي كانت تحمل الأسلحة الكورية الشمالية لإيران.
وقد فاجأت هذه الخطوة العديد من المراقبين الإقليميين، نظراً لأن الإمارات تحتفظ بعلاقات تجارية واسعة مع إيران، وهي مقصد معتاد للمغتربين الإيرانيين.
ومع ذلك، فإن الاستيلاء على الأسلحة في الإمارات كانت له فوائد استراتيجية، حيث طمأن السعودية لالتزام أبوظبي بحظر وصول إيران إلى التكنولوجيا العسكرية الكورية الشمالية.
وعلى الرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، مثل الكويت وقطر، اقتصرت علاقاتها مع كوريا الشمالية على استيراد العمال الوافدين، فإن الروابط العسكرية بين الإمارات وبيونغ يانغ لم تتلق سوى انتقادات قليلة داخل الكتلة التي تقودها الرياض.
ويمكن تفسير صمت دول مجلس التعاون الخليجي بدعم السعودية لاستخدام أبوظبي لشبكة موانئها في الخليج العربي، لوقف شحنات الأسلحة الكورية الشمالية إلى إيران.
كما تم التأكيد على سياسة الإمارات بشأن كوريا الشمالية في دول مجلس التعاون الخليجي، حين ساعدت على منع كوريا الشمالية من توفير الأسلحة للمتمردين الحوثيين في اليمن.
ويكشف التزامن بين اكتشاف صواريخ سكود الكورية الشمالية في اليمن، في يونيو/حزيران 2015، واتفاق شركة المطلق الإماراتية للتكنولوجيا عن مخاوف أبوظبي بشأن مبيعات التكنولوجيا العسكرية الكورية الشمالية إلى الحوثيين.
وبما أن مشتريات الأسلحة في الإمارات من كوريا الشمالية كانت تتألف من أسلحة خفيفة مثل الصواريخ والمدافع الرشاشة والبنادق، فمن الواضح أن أبوظبي تحاول عبر هذه الصفقة منع الحوثيين من الحصول على التكنولوجيا الكورية الشمالية والسيطرة على تدفق الأسلحة إلى اليمن.
وعلى الرغم من تجنُّب المسؤولين الإماراتيين الحديث عن التعاون العسكري بين أبو ظبي وبيونغ يانغ، والتركيز على انتهاكات قطر لعقوبات الأمم المتحدة، فإن مجموعة المصالح الاستراتيجية التي تربط الإمارات بكوريا الشمالية تشير إلى أنه من غير المرجح أن تعلق أبوظبي طوعاً عمليات شراء الأسلحة من بيونغ يانغ.
وبما أن منع إيران من الوصول إلى التكنولوجيا العسكرية الكورية الشمالية هو هدف أمني، تشترك السعودية والولايات المتحدة مع الإمارات فيه، فقد تستمر الإمارات في تحدي العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية لفترة قادمة.