قالت منظمةٌ غير حكومية رائدة إن عدداً كبيراً من المهاجرين، المقبوض عليهم من قِبل حرس السواحل الليبي في أثناء عبورهم البحر المتوسط، محاصَرون الآن في ظروفٍ مُروِّعة بمراكز الاحتجاز السيئة السمعة في البلاد.
وأشارت السفن التي تديرها المنظمات الخيرية للإغاثة، إلى انخفاضٍ ملحوظٍ في عدد عمليات الإنقاذ المطلوبة في الأسابيع الأخيرة، بالتزامن مع وجود بعثة بحرية إيطالية لمساعدة حرس السواحل الليبي على كبح تدفُّق المهاجرين، بحسب النسخة الإيطالية لـ"هاف بوست"، الأربعاء 9 أغسطس/آب 2017.
وذكرت المنظمة الدولية للهجرة أن الأعداد كانت تتناقص خلال الأشهر الأخيرة، لكنها انخفضت بصورةٍ حادةٍ خلال عطلة نهاية الأسبوع الأولى من العملية؛ بسبب اعتراض 1124 شخصاً.
لكن جماعات الإغاثة تشير إلى أن السبب الجذري لمشكلةٍ ما يؤدي إلى تفاقم مشكلةٍ أخرى أكبر بكثير.
وقالت مارسيلا كراي، وهي مُنسِّقة مشاريع بمنظمة أطباء بلا حدود في مركز عمليات أمستردام، الموجودة حالياً على متن سفينة أكواريوس، للنسخة البريطانية لـ"هاف بوست": "قد يبدو ذلك حلاً لمشكلة الاتجار بالبشر، لكن في الواقع تبدو المشكلة بعيدة عن الأنظار أكثر وخارج نطاق المنطق".
وأضافت: "ما يعنيه هذا بالفعل هو أن الأفراد يُجبَرون على العودة إلى ليبيا، التي لا تُعد مكاناً آمناً".
وقد لقي نحو 2230 شخصاً، معظمهم من الفارين من الفقر والعنف والتجنيد العسكري القسري، مصرعهم في الشهور السبعة الأولى من العام الجاري، وهم يحاولون عبور البحر.
ويسافر المهاجرون إلى ليبيا من بلدانٍ، مثل المغرب وتونس والجزائر والسودان، فضلاً عن إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وسوريا، على وعدٍ، في كثيرٍ من الأحيان، بالعمل في البلاد أو بآفاقٍ أفضل في أوروبا.
لكن بمجرد وصولهم إلى ليبيا، يواجهون مجموعةً من الانتهاكات تتضمَّن الاعتقال التعسفي والتعذيب الروتيني والإكراه على البغاء والابتزاز.
ويتعرَّض الكثير منهم للبيع والشراء علناً في الأسواق.
مراكز احتجاز قاسية
وأضافت مارسيلا: "نحن نعلم أن المهاجرين المقبوض عليهم يدخلون مراكز الاحتجاز بعد اعتراضهم في البحر، وهذا ما كان يحدث في الماضي، ونفترض أن هذا ما يحدث اليوم، وهو ما يعني أن هذه المراكز مملوءة بالكامل، ومن هنا تبدأ دورة الاعتداء والابتزاز والعنف من جديد".
وتابَعَت: "من المُؤكَّد في الوقت الحاضر أن عدداً أقل من الناس يخرجون، ولكن بأي ثمن؟". وقالت إن "اغتنام الفرصة الوحيدة للفرار من فظائع ليبيا لا يجعل الوضع أفضل".
إذا تعرَّضَ المهاجرون للاعتراض في المياه الدولية؛ إما من قبل منظمةٍ غير حكومية وإما بواسطة حرس السواحل الإيطالي أو سفينة تجارية- فلا يمكن إعادتهم إلى ليبيا؛ لأن الحكومة الإيطالية تعتبر ليبيا مكاناً غير آمن للمهاجرين.
ولكن المهاجرين الذين يتعرَّضون للاعتراض في المياه الليبية -12 ميلاً بحرياً من الساحل- من قِبل السفن الليبية، من الممكن إعادتهم إلى الشاطئ الليبي.
وتعمل كلٌ من المفوضية الأوروبية، ووكالة خفر السواحل، وحرس الحدود الأوروبية، والحكومة الإيطالية، على كبح تهريب الأشخاص والاتجار بهم على طول ما يُسمَّى طريق وسط البحر المتوسط.
ويشمل ذلك تدريب الموظفين الليبيين الذين يقودون القوارب التي قدَّمَتها الحكومة الإيطالية والملايين من الدولارات التي قُدِّمَت إلى برامج التنمية التابعة للمفوضية الأوروبية في المنطقة.
وقالت مارسيلا: "كان لدينا تقارير متعددة من الأشخاص الذين كانوا يستقلون السفينة التي أنقذناها في البحر، بأنهم حاولوا أكثر من مرة الخروج وفي كل مرة يُجبَرون على العودة إلى ليبيا، وفي كل مرة كان عليهم دفع الأموال".
وأضافت: "بينما تُقدِّم أوروبا أموالاً لبلد معروفٍ بفساده وخروجه عن القانون، تظل المعاناة الإنسانية في ليبيا هائلة!".
وعلى صعيد آخر، في ظل تزايد الحملة على مُهرِّبي البشر، تتخذ القوات الحكومية الإيطالية موقفاً مُتشدِّداً تجاه قوارب المنظمات غير الحكومية، في ظل صراعٍ بين الجانبين اندَلَعَ مؤخراً حول مدونةِ سلوكٍ جديدة لعمليات الإنقاذ بالمياه الدولية.
إجراءات مشددة
وقد رفضت الحكومة الإيطالية منح إذن لسفينة إيطالية تديرها شركة أوبين أرمز، والتي لم تكن قد وقَّعَت في البداية على القواعد الجديدة، للرسو في إيطاليا ومالطا يوم الإثنين 7 أغسطس/آب 2017.
وبعد ذلك، أُشير الثلاثاء 8 أغسطس/آب، إلى أن الشركة وافقت الآن على مدونة قواعد السلوك.
لكن في المياه الإقليمية الليبية، فإن عدم الاستقرار الحالي في البلاد يجعل من الصعب التحقق من هوية المسؤول عن عمليات حرس السواحل.
وقالت مارسيلا: "لا يمكننا حتى التحدث عن حرس السواحل الليبي، ليبيا بلد مقسَّم بين حكومات مختلفة تسيطر على أجزاء مختلفة من البلاد ونرى الشيء نفسه في المياه الليبية".
وأضافت: "عندما واجهنا سفناً ليبية في الماضي، كان يبدو أن بعضها من حرس السواحل الليبي، والبعض الآخر لديها شارات مطبوعة على الجانب وأخرى تبدو رسمية أكثر. من الصعب دائماً أن نُحدِّد هويتها".
وقد ظهر الارتباك السائد في هذا الوضع الثلاثاء؛ عندما أطلقت سفينةٌ تابعة لحرسِ السواحل الليبية مدافعها الرشاشة على سفينةٍ تابعة للمنظمات غير الحكومية في المياه الدولية.
وأكَّدَت وكالة خفر السواحل وحرس الحدود الأوروبية، للنسخة البريطانية لـ"هاف بوست"، أنها لا تُموِّل ليبيا أو حرس السواحل الليبي مباشرة.
وأضافت متحدثةٌ باسم الوكالة أن "المواضيع التي غطاها 9 من مدربي الوكالة، تضمَّنَت إعداد وتخطيط عمليات إنفاذ القانون ومكافحة تهريب البشر والاتجار بهم، وشملت أيضاً حماية حقوق الإنسان في جميع أنشطة حرس السواحل".
وفي الوقت نفسه، أشارت وكالة أسوشييتد برِس إلى أن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، غسان سلامة، يدعم البعثة البحرية الإيطالية لمساعدة حرس السواحل الليبي في مكافحة قوارب المُهرِّبين.
واجتمع سلامة في روما الثلاثاء، مع رئيس الوزراء الإيطالي ووزير الخارجية. وأشاد سلامة بما وصفه بأنه "المسار الصحيح" عندما وافقت إيطاليا، مؤخراً، على مساعدة ليبيا في إعادة قوارب المُهرِّبين عندما تكون في المياه الليبية.
وتؤكِّد الفصائل الليبية المُعارِضة للحكومة، المدعومة من الأمم المتحدة، في طرابلس، أن البعثة تنتهك السيادة الوطنية.
وقال سلامة للصحفيين إنه سيسافر إلى جميع أنحاء ليبيا قريباً؛ للتحدث مع لاعبيها السياسيين العديدين؛ لتقديم تقرير إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول المقبل.
وسلامة مُكلفٌ تشجيع الاستقرار السياسي في ليبيا، التي تعاني صراع الميليشيات والقتال بين فصائل أخرى منذ انتهاء نظام معمر القذافي، الذي استمر عقوداً من الزمن، خلال ما يسمى ثورات الربيع العربي عام 2011.