قالها قبله الرئيس الأسبق هاري ترومان، قبل أن يضرب هيروشيما بالقنبلة النووية.. هكذا قارن خبراء ومؤرخون أميركيون بين لهجة ومفردات التحذير الناري الذي أطلقه الرئيس دونالد ترامب ضد كوريا الشمالية، وبين عبارات مماثلة أطلقها أسلافه، وانتهت بكوارث ومواجهات عسكرية.
وحذَّر ترامب كوريا الشمالية أمس الثلاثاء، 8 أغسطس/آب 2017، أنها ستشهد "النار والغضب مثلما لم يشهد العالم من قبل"، إذا واصلت تهديدها للولايات المتحدة.
وتحاكي عبارات ترامب التهديدية نبرة صوت وأسلوب الرئيس الأميركي السابق هاري ترومان، الذي حثَّ اليابانيين في خطابه عام 1945 على الاستسلام، محذراً إياهم إن لم يفعلوا هذا، "فليتوقَّعوا وابلاً من الدمار يهبط عليهم من السماء مثلما لم تشهد الأرض من قبل قط". ثم ألقت الولايات المتحدة ألقت قنبلةً نووية على مدينة هيروشيما اليابانية.
ولكن المفارقة أن ترومان قد ألقى خطابَ استعراضِ العضلات هذا في وقتٍ كانت الولايات المتحدة تتمتَّع فيه بأفضليةٍ عسكرية ساحقة على اليابان، التي لم تكن تمتلك سلاحاً نووياً، بينما جاء تهديد ترامب مُوجَّهاً إلى حكومةٍ طوَّرَت أسلحةً نووية وأجرت اختباراتٍ لصواريخ باليستية عابرة للقارات.
الأكثر تطرفاً والأكثر انضباطاً
مايكل بيسكلوس، المؤرخ في الشؤون الرئاسية قال: "يصعُب تخيُّل رئيسٍ استخدم لغةً أكثر تطرفاً من لغة ترامب خلال أي أزمةٍ سابقة. يحاول الرؤساء عادةً استخدام لغةٍ أكثر اعتدالاً مما يشعرون به بشكلٍ شخصي لأنهم يخشون أن تسهم لغتهم في مفاقمة الأزمة"، بحسب صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
ووفقاً لبيسكلوس، اعتاد الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور أن يكون أكثر انضباطاً وهدوءاً في ردود أفعاله، كلما استخدم الرئيس السوفييتي نيكيتا خروتشوف لغةً أكثر حدةً ضد الولايات المتحدة، عندما كان يتوعَّد قائلاً "سندفنكم" و"سنُصنِّع الصواريخ كالنقانق".
أما الرئيس الأسبق جون كينيدي، فقد كان بدوره منضبطاً أيضاً، عندما أدلى بخطابه خلال أزمة الصواريخ الكوبية، التي اندلعت بعد اكتشاف إنشاء الاتحاد السوفييتي مواقع إطلاق صواريخ نووية في كوبا، بحسب بيسكلوس.
وفي خطابه في 22 أكتوبر/تشرين الأول عام 1962، دعا كينيدي خروتشوف "لوقف وإنهاء العمل الاستفزازي، والمتهور، والسري الذي يُهدِّد السلام العالمي واستقرار العلاقات بين دولتينا"، و"يعيد العالم إلى هاوية الدمار". وبالنسبة للولايات المتحدة، قال كينيدي إن "الخطر الأكبر على الإطلاق هو عدم فعل شيءٍ حيال هذا الأمر".
وتجاوز تصريح ترامب، الذي ألقاه في منتجع الغولف الخاص به في بلدة بدمينستر بولاية نيوجيرسي، اللغة التقليدية التي تمزج بين الحدة والغموض، والتي كان يستخدمها الرؤساء السابقون لمواجهة الأعمال الاستفزازية المُتكرِّرة من جانبِ كوريا الشمالية.
يتبنى لغة غريمه "النازي"
كانت لغة الرؤساء السابقين -رغم أنها حملت إدانات قوية وأقرت بجسامة التهديدات- تتجنَّب إلى حدٍّ كبير استخدام النبرة القومية النارية، التي يُفضِّل رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون استخدامها، مثل أبيه كيم جونغ إيل. وعلى النقيض من أسلوب سابقيه، يبدو أن ترامب يتبنى لغة زعيم كوريا الشمالية.
بيتر فيفر، الذي ساعد في صياغة تصريحات الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن بصفته مستشاراً ضمن موظفي مجلس الأمن القومي قال: "هذه اللهجة أكثر قليلاً في ميلها للتطرف القومي، وتستعين بشيءٍ بسيطٍ من اللهجة التي يستخدمها الكوريون الشماليون".
وقارن فيفر، الذي يعمل حالياً أستاذاً للعلوم السياسية في جامعة ديوك الأميركية بين اختيار ترامب كلماته والتصريحات التي أدلى بها بوش عام 2003 عن المسلحين العراقيين الذين يستهدفون القوات الأميركية في العراق.
وقال بوش آنذاك: "يشعر البعض أنَّ الظروف مواتية للهجوم علينا هناك. أما ردي، فهو: اقضوا عليهم"، وأشار فيما بعد إلى أنَّه لم يكن حكيماً فيما قاله.
وأسفرت التشابهات في لهجة الخطاب الحادة للغاية مع بيونغ يانغ عن صدور توبيخاتٍ من كبار المُشرِّعين التابعين للحزب الديمقراطي الذين قالوا إنَّهم يخشون أن يقود ترامب الولايات المتحدة بلا مبالاة إلى حربٍ مُكلِّفة.
وقال بنيامين كاردين، وهو عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ماريلاند، ومن أبرز نواب الحزب الديمقراطي في لجنة العلاقات الخارجية، إنَّ تصريحات ترامب أظهرت أنَّه "يفتقر إلى الحساسية والبصيرة في التعامل مع الأزمة الخطيرة التي تواجهها الولايات المتحدة".
وأضاف كاردين: "ينبغي علينا عدم الانخراط في النوع نفسه من التصريحات المتبجِّحة والاستفزازية التي تُطلقها كوريا الشمالية حول شن حرب نووية".
وقال فيكتور تشا، وهو مسؤولٌ سابق في مجلس الأمن القومي، والمسؤول عن الملف الكوري في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إنَّ أقرب لهجة استخدمها رئيس أميركي سابق من لهجة ترامب الهجومية جاءت خلال خطابٍ ألقاه الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون عام 1993 في المنطقة منزوعة السلاح بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، حين قال إنَّه إذا استخدمت بيونغ يانغ أسلحةً نووية، "ستكون تلك هي نهاية بلادهم".
وأضاف تشا: "إنني أرى تصريح ترامب من المنظور نفسه"، واصفاً تصريح الرئيس الأميركي بأنَّه ليس توعُّداً بهجومٍ أميركي، بل تحذيرٌ من العواقب المُترتِّبة على استخدام كوريا الشمالية أسلحة نووية أو صواريخ باليستية عابرة للقارات. وقال تشا إنَّ التصريح يبدو بمثابة "رسالة ردع، وهو أمرٌ هام لتفادي أي سوء تقدير".
انقلاب بروتوكولي محفوف بالمخاطر
فيفر قال إنَّ تصريح ترامب الناري وضعه في "طريق محفوف بالمخاطر" بسبب إمكانية أن يؤجج غضب كيم، ولكنه كان متماشياً مع ميله إلى إحداثِ انقلابٍ في البروتوكولات الدبلوماسية القائمة في إطار الجهود الرامية إلى تحقيق نتائج أفضل.
وتابع وهو يحاول تصُّور كيفية تفكير الإدارة الأميركية في قضية كوريا الشمالية: "ربما يقولون: انظروا! لدينا سجلٌ مدته 30 عاماً من فشل الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) في هذه المسألة، ولذا، دعونا نقلب السيناريو ونُذيق كوريا الشمالية جرعةً صغيرة من الدواء الذي تُعطيه للآخرين، ونرى ما إذا كان بإمكاننا الحصول على نتيجة مختلفة".
ولكن كسر التقاليد قد يُسفر عن عواقب وخيمة حين تشتمل المسألة على قنابل وصواريخ، إذ يقول بيسكلوس: "إذا كان هذا التصريح متهوراً، سيكون بعيداً كل البعد عن تاريخ الرئاسة في التعامل مع مسائل من هذا القبيل. لا يوجد رؤساء يتفوهون بالكلمات دون تفكير حين تكون هناك حيوات مُعرَّضة للخطر، وإذا كانت تلك هي ماهية الأمر بالفعل، سيكون ذلك مخيفاً".
ونقلت صحيفة واشنطن بوست الثلاثاء عن تقرير سري أنجزته وكالة الاستخبارات العسكرية الأميركية، الشهر الماضي، أن النظام الشيوعي نجح في تكييف حجم رؤوسه النووية لتثبيتها على صواريخ عابرة للقارات، ما يمكنه من التهديد بشن هجوم نووي على القوة الأولى في العالم.
وهذا التقدم يسمح لبيونغ يانغ بأن تصبح قوة نووية فعلية قادرة على تحقيق الهدف المعلن لزعيمها كيم جونغ أونغ، وهو ضرب الولايات المتحدة.
حبر على ورق
وشكك البعض في مصداقية تهديدات ترامب، محذرين من عواقب ذلك، حيث انتقد عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الديمقراطي إليوت إنغل "الخط الأحمر السخيف"، الذي رسمه ترامب إزاء تهديدات بيونغ يانغ المتواصلة.
وقال "إن أمن أميركا لا يقوم على قوة جيشنا فحسب، بل كذلك على مصداقية القائد الأعلى لقواتنا المسلحة"، مندداً بطباع الرئيس "النزقة".
كما شكَّك السيناتور الجمهوري جون ماكين في رد ترامب، فقال إن "القادة العظماء" لا يهددون أعداءهم إلا إذا كانوا جاهزين للتحرك، مضيفاً: "لست واثقاً بأن الرئيس ترامب جاهز للتحرك".
ورأى الأمين العام السابق للحلف الأطلسي أندرس فوغ راسموسن، أن تصريحات ترامب "تهدف إلى إخافة بكين وبيونغ يانغ على السواء"، محذراً: "لكن الخطوط الحمر الرئاسية التي تبقى حبراً على ورق تولد سوابق خطيرة".