محادثاتنا اليومية، النصية والشفهية، غالباً ما نبادر إلى طرح سؤال: "كيف حالك؟" على مخاطِبنا مباشرة بعد التحية، لكني أتساءل أحياناً إن كان هذا الفعل ينمّ عن رغبة حقيقية في معرفة حال الآخر والاطمئنان عليه، أم هو فقط نوع من التصرفات الشكلية العامة formalities التي تعودنا عليها، قد يزعم البعض أن الأمر يدخل في "أدب الحديث"، ولذا كان لزاماً تبنّيه، لكن من "الأدب" أيضاً عدم التلفظ بأشياء لا نقصدها.
ولربما ألفنا أن يكون الرد دائماً إيجابياً positive response، فزادت بذلك جرأتنا على الإتيان بالسؤال ولو كانت نيتنا في الأصل لا تتجاوز إدراجه كنوع من المقبلات للحوار appetizers، بل قد يكون الطرف الآخر مستعداً بالفعل للمشاركة في "المؤامرة الكلامية" التي أجد فيها شخصياً نوعاً من النفاق الاجتماعي، فنراه (أي الطرف الآخر) مدركاً لقدوم السؤال الشهير: "كيف حالك؟"، ويعرف بأي طريقة تتم الإجابة؛ ليصبح المشهد لا يختلف كثيراً عن إدخال رمز القران pairing code بين جهازين إلكترونيين قبل عملية تبادل المعطيات.
سمحت لنفسي بتخيل وضعية يكون الرمز المذكور فيها "خاطئاً"، أي أن الجواب سيكون سلبيّاً هذه المرة، من قبيل: "أنا لست بخير أبداً" أو "أنا مريض"، هل سنقوم في موقف مماثل بالاستعلام عن التفاصيل إن كان الشخص لا يهمنا حقاً؟ هل ستفاجئنا الإجابة ونحاول آنذاك التهرب من إثراء الحديث بتعليقات باردة كـ"حسناً" أو "لا أعرف ما أقول" ثم ننتقل مباشرة للموضوع الذي نريد أساساً مناقشته؟ هل سنحس بنوع من التعاطف الآني instant empathy ونقدم على الخوض في الخطب الذي ينغص على محاورنا عيشته؟ هل ستكون لدينا الشجاعة والعمق الكافيان لفعل ذلك في ظروف مستعجلة؟ هل يستحق الآخر الوقت لنسمعه؟
في نظري، حان الوقت لنراجع بجدية طبيعة علاقاتنا الإنسانية التي أصبحت في عالم السرعة تتسم بسطحية كبيرة، وبالعودة إلى سؤال "كيف حالك؟"، فحتى المُجيب عليهِ يتوخى بدوره الاكتفاء بالجواب النمطي "أنا بخير"، خوفاً من تسريب معلومات شخصية حساسة، قد تجعله يبدو ضعيفاً أمام الآخر، أو تستعمل ضده لاحقاً.
لذلك، لا نعاين الصدق التام والشفافية في الإجابة على سؤالنا إلا في ظروف نادرة تكون الثقة المشتركة بين المتحاورين سمة طاغية عليها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.