كنت أعتقد أن المواليد الجدد هم من في حاجة للرعاية. كنت أراهم في المتاجر والمقاهي مربوطين بأمهاتهم ويشعرون بالوخز الخفيف في أعلى رؤوسهم وأنوفهم الصغيرة وأصابع أقدامهم. قبل أن يكون لي طفل، بدا لي أن الأطفال كائنات نفيسة وأن الآباء عنيفون. لكن خلال 5 سنوات، انقلبت أفكاري رأساً على عقب.
عندما أرى أماً وطفلاً الآن، فإن أول أفكاري هي لا تكون عن الطفل. فالأطفال في النهاية يبتلعون العملات الحديدية والأزرار ويكونون بخير؛ ينجون من الزلازل والفيضانات والانهيارات الطينية. ما أفعله الآن عندما أرى أماً وطفلها هو أني أتمعن بدقة في الأم؛ بحثاً عن إشارات تدل على أنها لم تعد تستطيع مجاراة الأمر الآن.
واحدة من كل 7 نساء يمررن بتجربة المرض العقلي ما بعد الولادة، لكن المرء لا يعرف هذا الأمر بالنظر للطريقة التي نتكلم بها عن الأمومة المبكرة، حتى جربت الأمر بنفسي، لم أكن أعلم مدى شيوع ورعب هذه التجربة. أحد الأسباب الرئيسة في موت الأمهات هو الانتحار، لكن خطر الموت الذي يصاحب كونك أماً نادراً ما تتم ملاحظته، حيث يختفي تحت النكات التي لا تكون نكاتاً حقاً عن الليالي التي تنقضي دون نوم، والحفاظات المنفجرة، وعملية الإرضاع المرهقة.
ربما الأمر محزن إلى درجة تمنع الحديث عنه، أو ربما مثل كثير من الأشياء فإن اكتئاب ما بعد الولادة لا يصيب النساء بنسب ثابتة.
اكتئاب ما بعد الولادة الذي يكون عبارة عن اضطراب كامل في الصحة والشخصية، مختلف عن الكآبة النِّفاسية التي تكون عبارة عن شعور بالكآبة الناتجة عن تغير في الهرمونات وإعادة ضبطها. الذين يعانون هذا الاكتئاب عادة ما يتوقفون عن النوم بالكلية بغض عن النظر عن استيقاظ أطفالهم من عدمه. تغير الشهية عرَض شائع أيضاً وكذلك هفوات الذاكرة، وشعور بالعزلة ومزاج متقلب وشعور بانعدام القيمة. وكلما ازدادت الحالة سوءاً تصبح نوبات الفزع والأفكار الانتحارية أمراً شائعاً. عندما تسيطر هذه الأفكار على المرء يصعب عليه مقاومتها. يتطلب الأمر تركيزاً علاجياً كثيفاً، وفي كثير من الأحيان جرعات دوائية لتحرير المرأة من قبضة هذا المرض إلى الضوء مرة أخرى.
على الرغم من أن اكتئاب ما بعد الولادة أصاب النساء عبر التاريخ، فإن أسبابه ليست معروفة بالكامل حتى الآن. تقسم عيادة مايو أطروحتها حول الأسباب إلى فئتين؛ عاطفية وجسدية، لكن العوامل الثقافية والاجتماعية تلعب دورها في هذا المرض كذلك. عندما يلد المتحولون جنسياً أو غير ثنائي الجنس (أشخاص لا تنطبق عليهم مواصفات الذكر أو الأنثى الجنسية) يكونون معزولين عن فكرة الأمومة؛ على سبيل المثال أستخدم كلمة "أم" هنا فقط؛ لأن الأبحاث تكتب بهذه الطريقة. يفتقد المهاجرون الجدد أنظمة الدعم والتضامن الثقافية، وقد تشعر الفنانة بأنها عُزلت فجأة عن ممارساتها الإبداعية التي شكَّلت معنى حياتها من قبل.
كل تجربة مختلفة عن غيرها، لكن الأمر المشترك بينها هو إحساس بالهشاشة يصيب الأمهات اللاتي يبدأن في خوض تجربة اكتئاب ما بعد الولادة، بعضهن للمرة الأولى. رغم أن هذا المرض شائع جداً (تخيَّل مثلاً كما لو أن كل أم تلد في يوم الإثنين تصاب به، وهذا هو المعدل الذي نتحدث عنه) إلا أن الحديث عنه ما زال مصحوباً بحس من الخطر والخزي. الخزي من فكرة أننا لا نصلح أن نكون أمهات، الخوف من أن يؤخذ أطفالنا بعيداً عنا، الحزن على الآمال المحبطة والأحلام الضائعة، وقبل كل هذا الحزن والشعور بالذنب.
وصمة الخزي المصاحبة للمرض العقلي ما زالت سائدة إلى درجة أن الاعتراف به في وقت يجب علينا فيه أن نكون في أسعد حالاتنا، يصبح نوعاً من الانحراف الشاذ عن الأعراف الاجتماعية. لكن اكتئاب ما بعد الولادة شائع مثل سرطان الثدي وأكثر شيوعاً من السكري بمرتين.
بدلاً من أن نلزم الصمت تجاه هذا المرض، نحن بحاجة لجعله قضية نسوية جوهرية، ويجب علينا الحرص على جعل هشاشة المرأة المصابة بهذا المرأة أمراً معترفاً به وقابلاً للعلاج؛ لأن رعاية الطفل الوليد قد تكون مرهقة وصعبة. لكن ليس هناك سبب ويجب ألا يكون هناك سبب لجعل هذه الرعاية مصدراً لخطر قاتل.
– هذه التدوينة مترجمة عن النسخة البريطانية من "هاف بوست". للاطلاع على المادة الأصلية، من هنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.