سُرُج الظُلمة

فهل يعتقد هؤلاء أن حظوتهم وسطوتهم ستبقى بين الناس كما كانت فهم مخطئون، ذلك لأن هذه السطوة والحظوة ستكون لمن يأتي بقبس يضيء بها هذه الظلمة، أما هُم فقد أخذوا ما أُمرَ لهم وانصرفوا، أو سكتوا فالأمر سيان.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/05 الساعة 02:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/05 الساعة 02:21 بتوقيت غرينتش

يُحكى أن محمد بن أبي عامر، ملك الأندلس، احتاج أن يأخذ أرضاً محبسة للدولة ويعاوض عنها، فاستحضر الفقهاء في قصره، فأفتوا بأنه لا يجوز، فغضب السلطان، وأرسل لهم رجلاً من الوزراء مشهوراً بحدة اللسان والعجلة، فقال لهم: يقول لكم أمير المؤمنين: يا مشيخة السوء، يا مُستحلي أموال الناس، يا آكلي أموال اليتامى ظُلماً، يا شهداء الزور، يا آخذي الرشا ومتلفي الخصوم، وحاملي الشرور، يا من تجعلون الأمور مختلطة حتى لا تعرف حققتها، وملتمسي الروايات لدى أتباع الشهوات، تباً لكم ولآرائكم فهو -أعزه الله- واقفٌ على فسادكم قديماً، وخونكم لأماناتكم مُغضٍ عنه صابر عليه، ثم احتاج دقة نظركم في حاجة مرة واحدة في عمره فلم تُلبوا حاجته ما كان هذا ظنه بكم، والله ليعارضنكم وليكشفن ستوركم وليناصحن الإسلام فيكم.

فأجابه شيخٌ منهم ضعيف القوة، فقال: نتوب إلى الله مما قاله أمير المؤمنين، ونسأل أمير المؤمنين الصفح عنا والتجاوز.

فرد عليه كبير الفقهاء بينهم، ويُدعى محمد بن إبراهيم بن حيَّويه، وكان قوياً صارماً، وقال للشيخ الضعيف: مم نتوب يا شيخ السوء؟ نحن بُراء من متابك، ثم أقبل على الوزير فقال: يا وزير بئس المبلغ أنت، وكل ما نسبته إلينا عن أمير المؤمنين فهو صفتكم معاشر خدمه، فأنتم الذين تأكلون أموال الناس بالباطل، وتستحلون ظلمهم بغير حق، وتستحلون معايشهم بالرشا والمخادعة، وتبغون في الأرض بغير حق، وأما نحن فليست هذه صفاتنا ولا يقولها لنا إلا متهم في الديانة، فنحن أعلام الهُدى، سُرُج الظلمة، بنا يتحصن الإسلام ويُفرّق بين الحلال والحرام، وتنفذ الأحكام، وبنا تقام الفرائض، وتثبت الحقوق، وَتُحقن الدماء وتستحل الفروج.

فلو كنا على هذه الحال التي وصفنا بها أمير المؤمنين، والعياذ بالله من ذلك، تبطل عليه كل ما صنعه وعقده من أول خلافته إلى هذا الوقت، فما ثبت له كتاب من حرب ولا سلم ولا شراء ولا بيع ولا صدقة ولا هبة ولا حبس ولا عتق، ولا غير هذا إلا بشهادتنا، هذا ما عندنا والسلام، ثم قاموا منصرفين فلم يكادوا يبلغون باب القصر إلا والرسل تناديهم، فأُدخلوا القصر، فلقيهم الوزراء بالإعظام، ورفعوا منازلهم، واعتذروا لهم مما كان من صاحبهم الوزير، وقالوا لهم إن أمير المؤمنين يعتذر لكم من فرط غضبه، وقد أمر لكل واحد منكم بمال، فدعوا له وقبضوا ما أمر لهم وانصرفوا.

ودائماً ما كنت إذا أردت التوجه للصلاة في مكان لا أعرف فيه المساجد تبعت أي شيخ في الطريق لعلمي أنه سيقودني للمسجد، وفعلاً كانت هذه الطريقة ناجحة في كل الأوقات، وهكذا هو حال الأمة تبعت العلماء في كل برامجهم، وفي كل منتدياتهم ومؤتمراتهم وتأليفاتهم وخطبهم ودروسهم ومحاضراتهم، حتى صار حال الأمة لظلمة دهماء وخطر محدق بمقدساتهم ودينهم.

اختفى من كان يجب أن يكونوا كما قال محمد بن إبراهيم بن حيّويه، وهو يصف العلماء، وما يجب أن يكونوا عليه من أعلام للهدى، وسُرُج الظلمة، وحصن الإسلام، وتركوا الناس يتخبطون بظلمتهم فلا هم سُرُج للظلمة، ولا حصن للإسلام، ولا أعلام للهدى، وآثروا إرضاء السلطان على رضا الرحمن، فهم الشياطين الخُرس بسكوتهم عن الحق.

فهل يعتقد هؤلاء أن حظوتهم وسطوتهم ستبقى بين الناس كما كانت فهم مخطئون، ذلك لأن هذه السطوة والحظوة ستكون لمن يأتي بقبس يضيء بها هذه الظلمة، أما هُم فقد أخذوا ما أُمرَ لهم وانصرفوا، أو سكتوا فالأمر سيان.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد