قال مصدرٌ إسرائيلي مُطلِّع، طلب عدم الإفصاح عن هويته نظراً إلى خضوع الأمر للرقابة، إنَّ الجيش الإسرائيلي قصف مواقع تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في ليبيا لمصلحة رجل ليبيا القوي الجنرال خليفة حفتر.
وكان المسؤول عن مراقبة نشر المعلومات في الجيش الإسرائيلي قد قضى بعدم إمكانية نشر هذه المعلومات في إسرائيل. وحتى هذا الأسبوع، لم يسمح للصحفيين الإسرائيليين بالإشارة إلى تقارير وسائل الإعلام الأجنبية حول هذا الموضوع، وفق مقال للكاتب ريتشارد سيلفرستاين نشره موقع ميدل إيست آي البريطاني.
وفي الأيام الأخيرة، نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية تقريراً عن حفتر يُثني عليه ويُشير إلى مقالة نُشِرَت في صحيفة "الجريدة" الكويتية تؤكد هذه التقارير. وبموجب أحكام الرقابة الإسرائيلية، غالباً ما يُشير الصحفيون الممنوعون من الإشارة المباشرة إلى أحداثٍ معينة إلى هذه الأحداث عن طريق وسائل إعلام أجنبية، وبذلك يتجنبون الرقابة.
يقول الكاتب ريتشارد سيلفرستاين، وهو مدوّن يكتب عن تجاوزات إسرائيل فيما يتعلق بالأمن القومي، إن هناك تقارير تُقدِّم أدلةً متزايدة حول التدخل الإسرائيلي المباشر في الحرب الأهلية الليبية المتعددة الأطراف بين حفتر والميليشيات الإسلامية وداعش.
ويتابع: "لم أتلقَّ رداً على الاستفسارت التي أرسلتها عبر تغريداتٍ إلى وحدة المُقدِّم بيتر ليرنر، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، حتى وقت نشر هذه المقالة".
وكشفت مصادر مقربة من اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر لصحيفة "العربي الجديد"، عن أشكال الدعم الإسرائيلي التي تلقاها الرجل واللقاءات التي جمعته بقيادات إسرائيلية في مدن عربية، مؤكدين أنه تلقى مساعدات عسكرية إسرائيلية، دعماً له في القتال المتواصل في البلاد.
وقال مصدر عسكري رفيع في صفوف قوات حفتر، رفض الكشف عن اسمه حرصاً على سلامته: "إن التنسيق الإسرائيلي مع حفتر بدأ مبكراً، إذ التقى شخصيات مخابراتية من الموساد في الأردن خلال 2015 و2016، جرت خلالها مباحثات بين الطرفين".
وأكد المصدر أن "اللقاءات كانت تحاط بسرية بالغة، ولم يسمح حفتر بالاطلاع على تفاصيل اللقاءات التي يبدو أنها كانت تجرى بوساطة إماراتية"، غير أنه أكّد بالوقت نفسه أنه "اطلع على وثائق تفيد أن من الشخصيات الإسرائيلية التي التقاها حفتر شخص يدعى أكرمان وآخر يدعى مزراحي"، دون أن يحصل على تفاصيل أكثر.
حليف حلفائنا
من المعلوم أن حفتر متحالفٌ مع دولٍ سُنية، أبرزها مصر والإمارات، اللتان قصفا قواتٍ ليبية تُعادي حفتر. وجديرٌ بالذكر أنَّ الأخير يُلقَّب أحياناً بـ"السيسي الليبي".
ويشير الكاتب سيلفرستاين في مقاله إلى أن المصدر الإسرائيلي أكد له صحة القصة المنشورة في الصحيفة الكويتية، قائلاً إنَّ إسرائيل تُقدِّم مساعداتٍ مباشرة لحفتر، من بينها شن غاراتٍ على مواقع تابعة لتنظيم داعش في مدينة سرت وعدة مناطق أخرى.
ويتابع أن "مصدرٌ في الجيش الإسرائيلي قال لأحد مصادري: حليف حلفائنا، وعدو عدونا، هو صديقنا، وحفتر حليف مصر، والأردن، والإمارات، فضلاً عن أنَّه يحارب تنظيم داعش".
ويؤكد سيلفرستاين أن رقابة الجيش الإسرائيلي منعت حتى اقتباس هذا التقرير الذي أعده المراسل التابع لصحيفة الجريدة الكويتية في القدس، والذي سرَّبته على الأرجح مصادر إسرائيلية. ويذكر التقرير، الذي نُشِرَ بتاريخ 27 أغسطس/آب عام 2015، أنَّ إسرائيل قصفت سرت في يوم 25 أغسطس/آب من العام نفسه.
وجاء في نصّ التقرير: "قالت مصادر مُطَّلعة إنَّ طائراتٍ إسرائيلية قصفت أهدافاً تابعة لتنظيم داعش في سرت قبل يومين. وأضافوا أن الغارة جاءت بناءً على طلبٍ من الجنرال خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي خلال زيارته الأخيرة إلى العاصمة الأردنية عمَّان (حيث التقى مسؤولين أمنيين إسرائيليين سراً). وقالت المصادر إنَّ حفتر وعدهم (في المقابل) بتوقيع صفقاتٍ نفطية وصفقات أسلحة مع إسرائيل.
ويوضح الكاتب: "وكي لا يعتقد أحدٌ أنَّ أحداث عام 2015 قد تغيّرت، ذكر موقع العربي الجديد أنَّ حفتر التقى مسؤولين في جهاز الموساد مؤخراً في اجتماعٍ بوساطةٍ من الإمارات. وقال المصدر الذي رفض الإفصاح عن هويته لموقع العربي الجديد: "التنسيق بين حفتر وإسرائيل لا يزال مستمراً، إذ أجرى (يقصد حفتر) محادثاتٍ مع عملاء تابعين لجهاز الموساد في الأردن في عامي 2015 و2016".
وذكر التقرير أنَّ القوات الموالية لحفتر، التي تلقب نفسها بالجيش الوطني الليبي، قد تلقت بنادق قنص ومُعدِّات خاصة بالرؤية الليلية من إسرائيل.
وألمح التقرير أيضاً إلى إمكانية وجود تنسيقٍ بين قيادة الجيش الموالي لحفتر والجيش الإسرائيلي أثناء الهجوم على العديد من الجماعات الجهادية في مدينة بني غازي الليبية في منتصف عام 2014، وهي العملية التي عُرِفَت باسم "عملية الكرامة".
ويضيف الكاتب أنه وفي أثناء القتال، زُعِم أنَّ الجماعات الإسلامية أسقطت إحدى مقاتلات القوات الموالية لحفتر من طراز ميغ، وسيطرت على إحدى القواعد الجوية التابعة لها. ومن المُرجَّح أنَّ تكون قيادة القوات الموالية لحفتر قد طلبت تدخل الطائرات الإسرائيلية لتفادي هزيمة تكتيكية أكبر.
تحالف إسرائيل المتوسع مع دول سُنية
يقول الكاتب ريتشارد سيلفرستاين الذي تنشر كتاباته في عدة صحف منها هآرتس ولوس أنجلوس تايمز: "كنتُ قد كتبت أنا ومحللون وصحفيون آخرون في الشرق الأوسط بانتظام عن توطد التحالف بين إسرائيل وبعض القوى السنية (ومن بينها السعودية، ودول الخليج، ومصر، وعدة دول أخرى).
وشمل هذا التوطيد تمويل السعوديين إسرائيل بمليار دولار لتطوير فيروس "ستكسنت" لمهاجمة برنامج إيران النووي، واغتيال علماء نوويين إيرانيين، وفتح إسرائيل مكاتب اتصال عسكري سرية في دول خليجية، فضلاً عن عقد اجتماعاتٍ سرية بين قادة استخباراتيين من إسرائيل والسعودية، والدعم الإسرائيلي لقوات جماعة جبهة النصرة في سوريا.
ومع أنَّ هذه التقارير ركَّزت في معظمها على التدخل الإسرائيلي-السني في سوريا، ومعاداة هذا التحالف لدولة إيران الشيعية، فإنَّها شملت القليل من الإشارات إلى عرض إسرائيل لخدماتها على الميليشيات الليبية المتحالفة مع مصر.
دوافع إسرائيل لمساعدة حفتر
وهناك دوافع عديدة تدفع إسرائيل إلى مساعدة رجل ليبيا القوي: أولها، أنَّ الموارد النفطية الليبية يمكنها إفادة إسرائيل، وهي دولةٌ فقيرة الموارد تسعى دائماً إلى تنويع مصادر حصولها على الطاقة.
وثانيها، أنَّ إسرائيل تحظى بتقاربٍ طبيعي مع بعض الرجال الأقوياء في الشرق الأوسط الذين لا يملكون تقريباً أي التزاماتٍ دينية أو أيديولوجية (مثل ملك الأردن عبدالله الثاني، والرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك، ونظيره الحالي عبدالفتاح السيسي).
وتريد إسرائيل جيراناً تستطيع ضمّهم تحت جناحها، إمَّا بشرائهم صراحةً، أو عن طريق المنافع المتبادلة مثل مشاركة الخبرات والمعلومات الاستخباراتية والعسكرية.
أمَّا الدافع الثالث فيتمثل في أنَّ إسرائيل تتمتع بعلاقة وثيقة نسبياً في الآونة الأخيرة مع القوى السنية في المنطقة، وتسعى لإغداق أولئك الذين يحظون بتأييد حلفائها الجُدد (مثل حفتر) بالخدمات والدعم.
وتشير تقارير إخبارية نُشرت مؤخراً إلى أنَّ روسيا أيضاً أصبحت من حلفاء حفتر، وأرسلت مستشارين عسكريين للبلاد من أجل تقوية حفتر ومنع تنظيم داعش من تقوية شوكته في صحراء مصر الغربية كما هو الحال في سيناء، فضلاً عن استثمارها بقوة في مشروعاتٍ نفطية بمصر وليبيا.
وكان حفتر، وهو حليفٌ سابق للرئيس الليبي السابق معمر القذافي، قد تلقَّى تدريبه العسكري في الاتحاد السوفييتي السابق، ويحظى بعلاقةٍ عميقة مع روسيا.
تجارة الأسلحة الإسرائيلية المربحة مع الحكام الأفارقة
وبالإضافة إلى ذلك، تُعَد إسرائيل واحدةً من أكبر 6 تجار أسلحة في العالم. ولذلك، تسعى للوصول إلى البلاد التي تعاني حرباً أهلية وصراعاتٍ مُهلِكة، ومعظمها في إفريقيا، وتبيع الأسلحة إلى أي طرفٍ لديه أموال يدفعها لشراء هذه الأسلحة. فضلاً عن أنها تُرسل مستشارين عسكريين إلى هذه الدول (وعادةً ما يكونون جنرالات متقاعدين أو ضباط استخبارات) لجني المليارات من رسوم الاستشارات. ويتمثل أحدث زبائنها في نظام جنوب السودان، وقد حاولت إسرائيل فرض رقابة على هذه الأخبار. وبهذه الطريقة، تنشر نفوذها في العالم النامي، وتخلق تحالفاتٍ تحميها من التهديدات الإسلامية المستقبلية (أو هذا ما يعتقده مسؤولون إسرائيليون).
جديرٌ بالذكر أنَّ ليبيا واحدةٌ من الدول القليلة المُنتِجة للنفط التي حققت زيادةً ملحوظة في إنتاج النفط في العام الماضي. وقد يرجع ذلك إلى سيطرة حفتر القوية على حقول النفط في ليبيا، أو قد يشير إلى المليارات التي جناها ويتوقع أن يجنيها من هذه الثروات ببيعها لحلفاءٍ مثل إسرائيل وبلاد أخرى لا تمتلك مثل هذه الموارد.
وفي تطورٍ منفصل، رفض حفتر هذا الأسبوع اتفاقاً قيد التفاوض بين منافسيه المحليين وإيطاليا يسمح لسفنٍ بحرية إيطالية بتنفيذ دورياتٍ في المياه الليبية، واعتراض قوارب اللاجئين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا.
ويُحبِط ذلك الجهود الأوروبية لوقف تدفُّق المهاجرين، الذي جلب إلى أوروبا قرابة 600 ألف لاجئ من ليبيا فقط. فضلاً عن مساهمة ذلك في تسهيل أعمال الاتجار بالبشر في المناطق الساحلية الخاضعة لسيطرة حفتر.