عندما يعلن راسم السياسة العامة استراتيجيته على شخص ناشط اجتماعياً أو لديه موقف، أو مجموعة أشخاص، أم حزب أم جمعية… ويحاور: يكون بهدف الحصول على مكاسب ضمن القطاعات التي حددها، قد تكون مراكز، قد تكون وجود أفعل، وانتشار.
أبشع ما يقوم به صاحب الموقف في هذه الحالة اتخاذ موقع المظلومية فيما يرتفع إلى أعلى سقف في المزايدات والتحالفات حتى النقيض منها.
يدخل صاحب الموقف في صراعات، بعضها للحشد والبعض للحصد، وبعضها الإخراج بالإحراج أكان عبر التحالفات العابرة للأحزاب والأديان.. ليدفع الخصم تنفيذ ما يريد له أن يفعل وهذه قوة راسم الاستراتيجية، إنها ليست جريمة!
لكنك قد تحتاج مَن يدافع عنك في حالة الدفع نحو تكتيك حتى يضعك في موقف اللاموقف من أي قضية: هذا دور المناظرة وهي ثقافة دخلت مؤخراً إلى العالم العربي عبر جمعية IDEAS وهي أول جمعية للمناظرة بدأت في تونس مكتبها موجود في العالم العربي ولندن كذلك الأمر. وفاء غربوت، المدربة التي شاركت في مناظرات جامعية في قطر تؤمن أنه لو كانت هذه التجربة تبدو صعبة في العالم العربي ومستعصية على التحقيق، إلا أن الأهداف الصعبة، هي ما يجعل قدراتنا تتطور.
وفاء تنتمي ضمن برنامج سفراء المؤسسة الدولية لتعليم المناظرة، ولديها مهمات متعددة منها التدريب، أحد التدريبات كان مع اتحاد الشباب العالمي التي هي متدربة أيضاً به تطرح مع وفاء المناظرة بأسلوب غير ذاك الذي نشاهده من ضرب وعنف عبر الشاشة. فالضرب ليس من شيم المناظرة والعنف دليل ضعف فيها.
نفكر عند إثارة مسألة مناظرة بـ: انتخابات ومرشحين، متنافسين، مدافعين ومناصرين لمشروع قانون، وهذا غير موجود في العالم العربي، فلا أحد مثلاً مرشح على الانتخابات يقدم برامج، وأغلب البرامج الانتخابية تقوم على تطوير بِنى تحتية، زراعة أشجار على أهميتها، الطرقات.
لا يوجد بعد من تجرأ تبني مشاريع كبيرة مثل: الاتجار بالبشر، مكافحة المخدرات، إصلاح السجون.. فأي مواطن محلي يهمه الاقتراع لم يموّل به المرشح أصلاً ترشحه به ربما أو يستعين بالتجار ليمد شبكة علاقات قائمة على الحاجة وسدّها بالخدمة الوقتية التي لا تؤثر إلا سلبياً على المجتمع ككل.
ولا يمكن أن نجد مناظرة بين جمعيتين تعملان على نفس القضية علماً أنهما في الأروقة لا يتركان تفنيداً إلا ويفعلان فقط للاستقطاب كأن: هذه الجمعية أفضل انضم!
الهدف من المناظرة هو الشعب، للمناظرة توقيت محدد ومتحدثون مع تغير القضايا، لا تستمر قضية واحدة 5 سنوات في المناظرة فالمناظرة عبارة عن بضع دقائق كما يحدث في العالم العربي.
هنا رابح وخاسر، وقضاة مع أخلاقيات فلا يمس بشخصه، المس بالشخص هو عنف لا عنف في هذا الإطار، البعض يستعمل العنف ليعبر عن نفسه؛ لأنه لا يقوى على الكلام. أما المناظرة قائمة على فكرة إثبات أن الطرف الآخر ضعيف لربح في معايير التحكيم قائمة على الأمثال البناءة، القدرة على الكلام، هناك استراتيجية للمناظرة، والفريق المعتمد يحضر الملفات لطرحها، المشاهد لا يعرفهم كلهم، هم يعرفون بعضهم.
ماذا عن الأشخاص الذين يستعملون خلفية الآخرين بالمناظرة؟ قد لا يكون هناك خلفية، وقد يكون هناك خلفية، وقد يتم استخدام أمثلة، استعملها الطرف الآخر لدحضها، كأن تذكر اسم شركة كنموذج جيد، فيستعمل هذه الشركة واسمها لتحقيرك!
المناظرة باتجاه واحد: هي "حكي شوارعي"، لا احترام، والمناظرة قائمة على الاحترام، علماً أن المبدأ كله قائم على الليونة، والتدرب على المسامحة، لا نقرأ أفكار بعضنا، ولكن نتعلم عن أفكارنا في تطوير الحوار، الضرب جانباً! وهنا أهمية خلق ثقافة المناظرة في ظل الحروب، وأهم هدف الدمج بعد غسل الدماغ؛ إذ إن البعض لا يعرفون أنهم فريسة سهلة للإرهاب وعبر التدرب يكتشفون.
عناصر المناظرة الأطراف التي تعرض المشكلة (القضية) ووجهات النظر، هناك طرفان للمناظرة؛ طرف يؤيد الموضوع، والآخر يعارضه، المنافسة ليست المشكلة، فالمشكلة أي الإشكالية التي تقوم عليها المناظرة، هي تسمى كذلك الأمر القضية، أي الموضوع، وتجعل الحوار ذا مبنى، ومباشراً ومثيراً للاهتمام، يسير وفق هيكل معين، له بداية ونهاية، فيتم اعتماد الحجج، أي المحاور المتغيرة والمتبدلة مع الوقت في النقاش، مع دخول معلومات جديدة من الطرفين.
قد يكون هناك محور قانوني، محور إنساني مواجه بمثيله، فيتم إدخال معلومة جديدة من الطرفين؛ أحدهما يقدم أمثلة، يوجهه بحجة، فيأتي المحاور الثاني ويقوم بالمثل، الهدف هنا إثبات الذات.
لا دور للعواطف، هي تحجّم، منها الاستفزاز، المناظرة قائمة على العقل والمنطق، تصغير الناس يكون بالتسهيم على الشكل، كناصح ضعيف، في هذه الحالة القاضي يتدخل؛ إذ المناظرة تدريب على منهجية التفكير، وليس ضرباً بل بناء جيل واعٍ فعال نشط.
تدور المناظرة أمام جمهور بهدف إقناعه، فيقوم الفريق المؤيد، الذي قد يتكون من شخصين أو أكثر حسب صيغة المناظرة، بعرض الخطاب البنائي الأول لبناء موقفه من القضية المطروحة، وفي نفس الوقت يقوم بتوضيح أي غموض بشأن معنى وأبعاد المقولة.
يتعين عليه حشد ما يكفي من الأدلة والبراهين للدفاع عن موقفه المؤيد للقضية، وفي الوقت نفسه يجب عليه توقع حجج الفريق المعارض والإعداد للرد عليها بشكل منهجي خلال تطور مجريات المناظرة.
أما فريق المعارضة تعتبر المهمة الملقاة على عاتقه مهمة أكثر تعقيداً من المهمة التي يختص بها الفريق المؤيد.
استراتيجية الفريق المعارض يجب أن ترتكز بشكل أساسي على عملية التفنيد، ثم إعادة البناء؛ نظراً لأن الفريق المؤيد يحاول بناء حججه للدفاع عن موقفه، فالمطلوب من الفريق المعارض القيام بالعكس، بمعنى يجب عليه تفكيك حجج الفريق المؤيد، والرد عليها، وبناء موقف قوي معارض للمقولة.
تتطلب مهمة الفريق المعارض أيضاً الرد على تفسير الفريق المؤيد للمقولة، وهي مسألة مهمة؛ لأن الفريق الذي ينجح في تحديد معنى المقولة بشكل يتماشى مع استراتيجيته في بناء موقفه، والدفاع عنه هو الفريق الأقرب للفوز بالمناظرة.
تتمثل القضية في موضوع المناظرة الذي يصاغ على شكل قضية أو مقولة جدلية محددة تتعلق بقطاع محدد اقتصادي، اجتماعي، سياسي، ثقافي، نفسي، أو مجتمعي.. يهم معيش المواطنين اليومي أو قضية في العالم العربي، وتجعل الحوار مباشراً ومثيراً للاهتمام. يجب التأكيد على أن القضية من المستحسن أن تكون ذات فائدة ومثيرة للجدل حتى لا تفقد المناظرة معناها.
انتبه يا عزيزي الناشط، من حملك على الخروج رويداً رويداً من أي سياق، عبر استراتيجية تهدف إلى حملك التخلي عن كل قضاياك، تلك التي تبنيتها ولم تتبنّها بعد، لكثافة إدخالك أو دخولك في صراعات المواقف.. فتخرج جانباً إلى الطرف المحايد.. وحتى في الحياد تحارب!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.