يبدأ الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي حصل على تصديق المرشد الأعلى علي خامنئي الخميس 3 أغسطس/آب 2017، ولايته الثانية تحت ضغطٍ شديدٍ جديد من جانب كلٍ من المُتشدِّدين المعارضين والكثير من داعميه الإصلاحيين، وفق ما ذكر تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
وتحيط المشكلات بالرئيس الروحاني، فقد اضطر شقيقه إلى دفع كفالة للخروج من السجن بعد إلقاء القبض عليه في يوليو/تموز الماضي على خلفية اتهاماتٍ بالفساد يرى بعض الخبراء أنَّها ضريبة سياسية لإعادة انتخاب الرئيس.
وقادت صفقة نفط رئيسية تفاوض حولها الرئيس روحاني مع شركةٍ فرنسية إلى اتهاماتٍ له بأنَّه يبيع البلاد بثمنٍ بخس للمصالح الأجنبية. لا سيما وأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقَّع مؤخراً قانون عقوباتٍ جديد يُقوِّض إنجاز الولاية الأولى لروحاني، المُتمثِّل في الاتفاق النووي.
وضع حرج
وفي ظل رئاسة روحاني خرجت إيران من عزلة دولية في 2015 عندما أبرمت اتفاقاً مع ست قوى كبرى للحد من برنامجها النووي الذي كان محل نزاع، مقابل رفع عقوبات مالية واقتصادية مفروضة عليها منذ عشر سنوات، بحسب وكالة رويترز.
وأضافت الوكالة أن تخوف المستثمرين من عقوبات أميركية موجودة من قبل وشكوكاً بين مساعدين محافظين لخامنئي من أي زيادة في النفوذ الغربي، عرقل سعيه لتحويل الاتفاق الهش مع الغرب إلى أموال يتم ضخها لإعادة بناء الاقتصاد الإيراني المعتمد على النفط.
وينعكس الوضع الحرج لروحاني على قاعدته الشعبية وحلفائه، فبعض القوى التي ساعدت على منح روحاني تفويضاً بـ24 مليون صوت في الانتخابات، التي جرت في مايو/أيار الماضي، أصبحت تشعر بالقلق من أنَّه لن يفي بتعهُّده بتعيين سيدات وسياسيين شباب في حكومته المكوَّنة من 18 عضواً، وبدلاً من ذلك تعيين أشخاص رشَّحهم المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي.
وقالت زيلا بني يعقوب -بحسب نيويورك تايمز– ، وهي مدافعة عن حقوق المرأة، إنَّها أُبلِغَت قبل 10 أيام بأنَّه لن تكون هناك أي وزيرة في الحكومة، مضيفة: "لقد دعمناه في أثناء الحملة الانتخابية، لكن الآن لا يوجد مكانٌ لنا. من الواضح أنَّ روحاني لا يؤمن بقدرات النساء. هذا مُحبِطٌ للغاية".
وقال محمود صديقي، عضو مجلس الشورى الإيراني، لصحيفة اعتماد الإصلاحية، إنَّ الرئيس أشار إلى "قيود"، وقال إنَّه غير قادر على تعيين نساء.
وأضاف صديقي: "لكنَّه أشار إلى أنَّ مُرشَّحاتٍ من النساء سيُعيَّنون كمديرات ونائبات للرئيس. وذكر أيضاً أنَّ الحكومة قد تتغيَّر في منتصف الطريق، وفي تلك المرحلة، قد يجري تعيين نساء".
وشغل روحاني دوماً منصباً محفوفاً بالمخاطر، يقود فيه بلداً يحكمها كلٌ من حاكمٍ ديني، ورئيسٍ منتخبٍ ديمقراطياً، وبرلمان. لكنَّ الخبراء يقولون إنَّ هذه لحظةٌ صعبة للغاية.
وتحوَّل الضغط العام على روحاني إلى ضغطٍ شخصي قبل 3 أسابيع، حينما اعتُقِل شقيقه، حسين فريدون، من جانب السلطة القضائية المُتشدِّدة على خلفية اتهامات بالفساد. وبعد ظهورٍ وجيز في المحكمة، نُقِل فريدون إلى المستشفى بسبب ما تباين توصيفه بين كونه ارتفاعاً حاداً في ضغط الدم أو انهياراً عصبياً (غيَّر الرئيس لقبه إلى روحاني، الذي يعني رجل الدين، حينما أصبح رجل دين).
وعندما دفع فريدون، السفير السابق لدى الأمم المتحدة، مبلغ الكفالة القياسي الذي بلغ 13 مليون دولار، قال بعض المراقبين إنَّ ذلك لم يؤدِ لإثبات الاتهامات لأنَّهم لا يمكنهم تفسير مثل تلك الثروة بالنظر إلى مسيرته المهنية كدبلوماسي ومدير مركز بحثي.
وقال فاضل ميبدي، وهو رجل دين شيعي من مدينة قم يدعم التغيير في إيران: "يواجه روحاني ضغوطاً خطيرة. ربما الكثير جداً منها. ودعونا نواجه الأمر، إنَّه لا يمتلك القول الفصل في الكثير من القضايا".
تدخُل خامنئي
ومن بين الأمور التي تندرج ضمن نطاق سلطة روحاني كرئيس هي تشكيل حكومته، التي من المُقرَّر أن تُقدَّم بعد تنصيبه اليوم السبت.
وبحسب "نيويورك تايمز" فإن العديد من الإصلاحيين قالوا إنَّ الرئيس، وبدلاً من اختيار الوزراء شخصياً على مدار الشهرين الماضيين، تشاور مع خامنئي أكثر مما هو معتاد. وينص العرف أنَّ المرشد الأعلى قد يُدلي برأيه في تعيين الوزراء في بعض المواقع الحساسة، مثل وزير الخارجية، وأولئك الذين يشرفون على الاستخبارات، والنفط.
ويقول الخبراء إنَّ روحاني قرَّر إشراك خامنئي بصورةٍ أعمق كضمانة ضد الهجمات المحتملة للمتشدِّدين على الحكومة.
وتأتي المشاركة الأكبر لخامنئي في اختيارات الحكومة وسط مقاومة من المُتشدِّدين لكل خطوة تقريباً قام بها الرئيس الإيراني منذ إعادة انتخابه في مايو/أيار.
وانتقد المرشد الأعلى نفسه الرئيس بشأن سياساته الثقافية، قائلاً إنَّ هذه الحكومة تميل أكثر من اللازم إلى ما يصفه خامنئي بـ"التغريب" (أي التوجه نحو الغرب ونقل العادات والتقاليد الغربية إلى المجتمعات الأخرى).
كما خاض روحاني معارك علنية مع الحرس الثوري الإيراني، الذين وصفهم بأنَّهم "حكومة بديلة تحمل السلاح".
وقال مئير جاودانفر وهو خبير في شؤون إيران في مركز هرتزليا المتعدد التخصصات في إسرائيل، إن "المتشددين سيحاولون بشكل حتى أقوى من الفترة الأولى لروحاني لجعله يبدو رئيساً بلا صلاحيات (…) سيكون من الصعب جداً بالنسبة لروحاني تحقيق ما وعد به بشأن الاقتصاد"، بحسب وكالة رويترز.
استياء وقلق
ويشعر الكثيرون من أنصار الرئيس بالقلق من أنه سيختار البراغماتية على حساب تعهُّداته الانتخابية، ومن بين هؤلاء المؤيدين ليلي رشيدي وهي ممثلةٌ مشهورةٌ ساعدت في حشد الدعم والتأييد لروحاني، وذكرت في مقابلةٍ هذا الأسبوع هذا، قائلةً: "لقد كانوا أناساً كثيرين، مفعمين بالطاقة، شعرنا أنَّنا قادرون على تحقيق التغيير. أشعر بالقلق من أنَّه قد يكون هناك رد فعل عنيف إذا شعر الناس بالإحباط".
ونقلت وكالة رويترز أول أمس الخميس، 3 أغسطس/آب 2017، عن شخص مطلع تولى مناصب سياسية وعسكرية رفيعة منذ الثورة الإيرانية عام 1979، إن "لروحاني توجهات براغماتية على عكس خامنئي وحلفائه".
وشكك محللون في قدرته على تحقيق توازن بين مطالبه وتوقعات أنصاره وأغلبهم من الشبان الأكثر ليبرالية.
وقال ميبدي، رجل الدين الإصلاحي، إنَّ روحاني شأنه شأن رجال السياسة في كل مكانٍ، الذين يتعهَّدون بالتغيير في أثناء الانتخابات.
وأضاف: "هناك نقطة واحدة إيجابية؛ فعلى الأقل لم يفز المُتشدِّدون بالانتخابات. في تلك الحالة، كان الأمر سيصبح أسوأ بكثير".