تقول الشرطة السويسرية إنَّ مئاتٍ من جثث المُتسلِّقين الذين فُقِدوا فى جبال الألب فى القرن الماضي قد تظهر فى السنوات المقبلة؛ لأن الاحتباس الحراري يُجبِر الأنهار الجليدية في البلاد على التراجع.
وسجَّلت سلطات جبال الألب زيادةً كبيرةً في عدد الرفات البشرية المُكتَشَفة الشهر الماضي، يوليو/تموز، وفي أحدث حالةٍ من حالات اكتشاف الجثث، عُثر على جثة رجل فُقِد منذ 30 عاماً، وفق تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
واستُدعيت فرق الإنقاذ فى "وادي ساس" بمقاطعة "فاليه" السويسرية، يوم الثلاثاء الماضي الأول من أغسطس/آب، بعد أن وجد مُتسلقان، أثناء رحلتهما التي لم تكتمل، يداً وحذاءين ناتئين من نهر "هوهلاوب" الجليدي.
وقضى رجال الإنقاذ ساعتين في تحرير الجثة المُحنَّطة بأدوات تكسير الثلج وأيديهم المُجرَّدة، وتمكَّنوا أيضاً من استرداد ساعة يد فضية وخاتم. ونقلت طائرة مروحية الرفات إلى "برن"، حيث طابق خبراء الطب الشرعي الحمض النووي بمواطن ألماني، وُلِد عام 1943، كان قد فُقِد خلال رحلة تسلُّق في 11 آب/أغسطس 1987.
وقال أحد عمال الإنقاذ إنَّ الرجل كان يرتدي حذاءً "غير مناسب" للمشي على الجليد، ما يفيد بأنَّه ربما يكون قد انزلق بعد المشي على بعد أمتارٍ قليلة على النهر الجليدي وسقط في شقٍّ من شقوقه. فُصِلت القدمان عن الجسد على إثر السقوط، ما يدل على قوة السقطة.
ويأتي هذا الاكتشاف بعد أقل من أسبوع من العثور على جثتين لزوجين سويسريين فُقِدا منذ 75 عاماً في نهر "تسانفلورون" الجليدي في المقاطعة نفسها. وقد اختفى مارسيلين وفرانسين دومولين بعد الخروج لحلب أبقارهما في مرجٍ فوق قرية "تشاندولين" السويسرية في 15 أغسطس 1942.
وفي الخميس الماضي 3 أغسطس/آب، عُثِر على جثةِ شخصٍ يُعتَقَد بأنه قُتِل في تحطُّم طائرةٍ تابعةٍ لشركة طيران الهند قبل أكثر من 50 عاماً في جبال الألب الفرنسية على جبل "مون بلون".
وتذوب الأنهار الجليدية في سويسرا بمعدلٍ لم يسبق له مثيل، إذ فقد ما يقرب من كيلومتر مكعب بحجم الجليد أو 900 مليار لتر تقريباً من المياه في العام الماضي. ووفقاً للتحقيق الذي أجرته صحيفة "تاجيسانزيجر"، فإنَّ 8 من 10 أشهر فقدت فيها الأنهار الجليدية أكبر حجم لها في القرن الماضي سُجِّلت منذ 2008.
ما الذي يحدث لأكبر الأنهار الجليدية في أوروبا؟
وقد أصبحت الوتيرة المُتسارعة لذوبان نهر أليتش، الملقب بملك جبال الجليد في سويسرا حقيقة تتجلى بكل وضوح. ومن المُحتمل أن تختفي هذه الظاهرة الطبيعية الفريدة في جبال الألب تماماً بحلول نهاية القرن الحالي، وفق ما ذكر موقع swissinfo.
ومنذ عام 1850، حين كانت الأنهار الجليدية تُغطي 1735 كيلومتراً مربعاً من الأراضي السويسرية، تقلَّصت المساحة الإجمالية بمقدار النصف؛ فبلغت 890 كيلومتراً مربعاً.
وتتوقَّع الشرطة في مقاطعة "فاليه" ظهور جثث العديد من الأشخاص المفقودين بسبب الاحتباس الحراري. وقال كريستيان زوبر، وهو متحدثٌ باسم الشرطة، لصحيفة الغارديان البريطانية: "إنَّه أمرٌ واضحٌ تماماً".
وأضاف: "الأنهار الجليدية تتراجع، لذلك فمن المنطقي أنَّنا نجد المزيد والمزيد من الجثث وأجزاء الجسم. وفي الأعوام المُقبلة، نتوقَّع أن تُحَل العديد من حالات المفقودين".
وقال إنَّ خريطةً تضم أسماء المفقودين منذ عام 1925 حتى يومنا هذا تحتوي على 306 أسماء ومواقع، وقد نقص هذا العدد واحداً بعد اكتشاف جثة متسلق الجبال الألماني.
ولا يزال 160 شخصاً على الأقل مفقودين في جبل "مون بلون" الفرنسي، ويُعتقد بأن نهر "مورتيراتش" الجليدي في "غراوبوندن" يحتوي على جثث 40 متسلّقاً.
ويصف زوبر "الراحة الكبرى" التي يبعث عليها نقل المعلومات إلى الأسر "التي لم تكن لتعرف يقيناً ما إذا كان أحباؤهم قد لقوا حتفهم على الجبل. وحين تُكتَشَف جثة أحدٍ ما بعد طول فقد، يكون لدى أسرته تأكيدٌ نهائي".
وقال زوبر إنَّ الشعور كان جلياً أيضاً في وقتٍ سابقٍ من العام الجاري، عندما تمكَّنت امرأةٌ من سكان المنطقة من استرداد جثث والديها القتيلين، الزوجين دومولينز، اللذين اختفيا عندما كانت في الرابعة من عمرها. وأضاف: "نحن السكان المحليون معتادون على الجبال، لكن هذه الاكتشافات تثير مشاعرنا نحن أيضاً".
وأوضح رولف تراشيل، رئيس الإنقاذ الجبلي في وادي "ساس"، الذي قاد العملية لاستعادة جثة الرجل الألماني، أنَّه اكتُشِف في منطقة مشهورة بين المُتنزِّهين. وأضاف: "كانت ثمة ثلوج قليلة جداً، ولم يُكن (النهر الجليدي) شديد الانحدار. كان ذلك على بعد حوالي نصف ساعة من محطة التلفريك الجبلية المقبلة".
وقد نقلت مروحيةٌ الجثة إلى معهد الطب الشرعي بجامعة "برن" للفحص والتعرف على هويتها رسمياً، وهي باقيةٌ هناك إلى الآن. وقال كريستيان جاكوفسكي، العالم بالمعهد، إنَّ اكتشاف رفات بشرية أصبح الآن سِمةً مُميزةً لموسم العطلات الصيفية، بينما يتدفَّق المتسلقون على منطقة "فاليه" بجبالها المُغطاة بالثلج.
وقال جاكوفسكي إنَّ الجثث تظهر عادةً من الجليد الموجود في الجزء العلوي من النهر الجليدي، لا "اللسان" في الجزء السفلي من الوادي. ويعتمد مدى احتفاظ الجليد بالجثث على ظروف وفاة الشخص، إذ إنَّ بعض الرفات البشرية قد تسبَّبت أشعة الشمس والرياح الجافة في تحنيطها قبل أن تغرق في الجليد، في حين تحوَّل بعضها الآخر إلى هياكل عظمية.
وتعلق غالبية الجثث في الجليد أو الشقوق أو المجاري المائية بعد وقوع حادث أو انتحار، ومع ذلك، تُعامَل بعض الحالات باعتبارها جزءاً من قضايا جنائية.
وفي معظم الحالات، يخوض خبراء الطب الشرعي سباقاً مع الزمن بعد إزالة الجثث من الجليد وبدئها في الذوبان. تُفحص سجلات الأسنان وعينات الحمض النووي لتُطابَق مع قاعدة بيانات للمفقودين لتحديد هوية الجثة.
ومنذ عام 2000، أخذت السلطات السويسرية عينات حمض نووي لأهالي المفقودين بعد اختفائهم فوراً لتيسير عملية التعرف على هوية الجثث.