شلل كتابة

تنتهي من عملها وتهرع إلى غرفتها الهادئة ومكتبها الصغير، توقظ قلمَها المفضل من سباته؛ لتبدأ بالتعبير عما يجول بخاطرها من أفكار، تسابق كل واحدة منها الأخرى؛ لتخرج قبلها إلى النور.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/05 الساعة 02:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/05 الساعة 02:20 بتوقيت غرينتش

تتناوش رأسها منذ الصباح عدة أفكار، ولديها رغبة جامحة في سكبها على الورق.

تنتهي من عملها وتهرع إلى غرفتها الهادئة ومكتبها الصغير، توقظ قلمَها المفضل من سباته؛ لتبدأ بالتعبير عما يجول بخاطرها من أفكار، تسابق كل واحدة منها الأخرى؛ لتخرج قبلها إلى النور.

تضع رأس القلم على بياض الصفحة، وتهم بالكتابة.. وفجأة..لا شيء! إنها لا تجد في رأسها شيئاً، هدير الأفكار المتلاطمة الذي كان قبل هنيهات اختفى، ولم تعد تشعر إلا بالسكون والفراغ والخرس.

لقد خرجت كل المواضيع من بالها، وعبثاً راحت تبحث عنها، حاولت مرات عديدة أن تستنطق القلم ولكن بدون فائدة.. وهذه ليست المرة الأولى!

تشعر بالتعب.. الأفكار عادت وهي الآن تقف في طابور ظناً منها أن عدم انتظامها السابق هو المشكلة، والقلم ينظر إليها بطرف عينه ويفكر متململاً.. إما أن تستعملني أو فلتعِدني إلى قيلولتي! والكلمات خبأت نفسها جيداً وأخذت تنظر إليها خلسة، وهي تضحك ضحكات خافتة بسبب الحيرة التي تغطي ملامحها.

الكلمات.. المشكلة في الكلمات.. فالأفكار تبقى موجودة، والمشاعر تبقى متقدة، ولكنها الكلمات التي تبتعد وتراوغ وكثيراً ما تخون!

هل جرب أحدكم هذا الشعور؟ أن يكون بداخله محيط من أفكار وبراكين من أحاسيس وعندما يهم بالكتابة عنها يصاب بالبكم..تختفي الألفاظ وتهرب المفردات وتتركه وحيداً يصارع الحيرة والشعور بالعجز.. هل تعرفون ما هو شلل الكتابة؟!

متأكدة أنه يحصل للكثير منكم أن يمر على نص أو اقتباس أو مقال فيحدث نفسه قائلاً: هذه نفس فكرتي أو هذا ما كنت أريد أن أقوله أو يرسل للكاتب قائلاً: "أنت تكتبني"، أو "أنت تعبر تحديداً عما أشعر به".. إلخ، ثم ينظر الواحد إلى ذات الجملة التي أمامه، والتي تبدو بسيطة وسهلة وبديهية ويفكر.. لماذا لم أكتبها أنا؟ لماذا لم أستطِع أن أعبر عن فكرتي هكذا؟ ثم يبدأ بمحاولة نسج جملة أخرى قد تكون قريبة من الأولى، ولكنه يبوء بالفشل!

بعض الناس ببساطة يملكون القدرة على التعبير، يملكون القدرة على امتلاك الكلمات ولجمها فلا تستطيع منهم فكاكاً، ويعرفون كيف يصنفونها وكيف ينتقون منها ويتخيرون ما يشاءون متى يشاءون.

هؤلاء ليسوا بالضرورة أغزر فكراً أو أعمق إحساساً أو أكثر انتماءً، ولكنهم يستطيعون إخراج ما يعتمل في صدورهم وإن قلّ، بينما يصارع غيرهم شعوره بالقهر والغصة والعجز وهو يرى تموجات فكره وشعوره ترتد إليه فتبقى حبيسة بداخله تفور وتثور وتخنق.

لكن السؤال يبقى: هل القدرة على الكتابة مَلَكة عند المرء أم أنها قد تأتي بالمراس والدربة؟!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد