واحدة من كبرى اتفاقيات الإخلاء خلال الحرب السورية.. الأسد يقترب من السيطرة على “سوريا المفيدة”

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/04 الساعة 08:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/04 الساعة 08:12 بتوقيت غرينتش

على طريقة "التسويات" التي شهدتها الأطراف المتصارعة بسوريا في السنتين الأخيرتين، انتهت أيضاً بتسويةٍ، المعركة التي نشبت قبل أيامٍ في منطقة جرود عرسال، الواقعة شرق لبنان، بمحاذاة الحدود اللبنانية-السورية.

فقد خرج مسلحو "جبهة النصرة"، ومعهم عائلاتهم وعددٌ كبيرٌ من اللاجئين، من المناطق التي استولت عليها الجبهة في الجرود، إلى مناطق سيطرتها بسوريا، ولا سيما في إدلب، وجرى تبادل موقوفين وأسرى وجثامين بين "حزب الله" والدولة اللبنانية من جهة، و"النصرة" من جهةٍ ثانية، وقد اعتُبِرت "إنجازاً" بالحد الأدنى داخل لبنان، وذهب البعض لحد وصفها بأنها شكلت "تحريراً آخر" للوطن.

تفاصيل التسوية


في تفاصيل التسوية التي انتهت إليها المعركة، والتي وصفتها صحيفة التايمز البريطانية بأنها واحدةٍ من كبرى اتفاقيات الإخلاء خلال الحرب السورية، يجري نقل 8 آلاف شخص من قوات "جبهة النصرة" مع عائلاتهم من لبنان إلى شمال سوريا، وذلك بعد استسلامهم الأسبوع الماضي عقب معركةٍ استمرت 6 أيام مع "حزب الله" في آخر معاقلهم على الحدود.

ووفق الاتفاق الذي تم بوساطة الحكومة اللبنانية، سيتم ترحيل أفراد المعارضة إلى محافظة إدلب شمال سوريا بجوار الحدود التركية، والتي تقع تحت سيطرة العديد من فصائل المعارضة.

وبحسب التايمز، فقد أطلقت "النصرة"، التزاماً بالاتفاقية، سراح 3 عناصر ينتمون إلى حزب الله مقابل إطلاق الحكومة اللبنانية سراح 3 سوريين.

وتم تبادل الجثث بين الطرفين بالفعل. وأُطلق سراح 3 عناصر من حزب الله، هم: محمود حرب، وحسام فقيه، وحافظ زخيم، بالتبادل مع سجينين بسجن رومية [اللبناني] وثالث كان محتجزاً لدى الأمن العام اللبناني وأنهى فترة عقوبته. بعدها بساعات، حملت أول قافلة من الحافلات الجنود وعائلاتهم إلى إدلب. وقد وافقت المعارضة على إطلاق سراح 5 سجناء آخرين ينتمون إلى حزب الله بمجرد وصول القافلة الأولى لوجهتها.

تهجيرٌ قسري؟


عموماً، فقد مَكَن الانتصارُ "حزب الله" من تصفية قوات المعارضة السورية من كل المناطق عدا اثنتين على الحدود اللبنانية، لكنَ المحللين يتساءلون عن السبب الذي جعل حزب الله يقوم بتنفيذ العملية بدلاً من الجيش اللبناني، بحسب "التايمز"، التي لفتت في هذا السياق إلى كلام سعد الحريري، رئيس الوزراء اللبناني والخصم الصريح لرئيس النظام السوري بشار الأسد، يقول فيه: "أنا لا أتفق مع أنشطة (حزب الله)، وكنتُ أفضل رؤية الجيش اللبناني ينفذ العملية في موقعها بجرود عرسال. لا نحب أن نراهم في سوريا".

أكثر من ذلك، لفتت "التايمز" إلى أن انتصار "حزب الله" وعملية الإخلاء يقربان الأسد من استعادة السيطرة على ما يدعوه حلفاؤه بـ"سوريا المفيدة"، وهي حزام المناطق المدنية بدايةً من العاصمة دمشق مروراً بمدن الساحل حتى مدينة حلب في الشمال.

ويذكر أنَ تلك الإخلاءات قد ساعدت الأسد في استعادة العديد من مناطق المعارضة خلال العام الماضي، علماً أن هذه الإخلاءات، التي يصر المعارضون على أنَها تهجيرٌ قسري، تنقل المقاتلين المستسلمين إلى آخر رقعةٍ كبيرة تسيطر عليها المعارضة في شمال غربي سوريا. ويرى المعارضون كذلك أنَ الأسد على استعداد للتنازل عن بعض المناطق؛ كي يستعيد السيطرة على بقيتها.

هنا البداية..


لكن، وأبعد من النتائج التي تحققت والتداعيات المتوقعة لها، ما قصة معركة عرسال، من حيث التوقيت والأهداف والمجريات؟ كيف بدأت وكيف انتهت؟

عملياً، بدأت معركة جرود عرسال على الحدود اللبنانية-السورية قبل أقل من أسبوعين، وتحديداً في 21 يوليو/تموز 2017؛ وذلك لتحرير هذه المنطقة الحدودية الجردية بين لبنان وسوريا من المسلحين الذين يسيطرون عليها، وعلى رأسهم "النصرة"، إضافة إلى "سرايا أهل الشام" التي ما لبثت أن انسحبت، وتنظيم داعش الذي تتوزع سيطرته بشكلٍ خاص في منطقة جرود القاع ورأس بعلبك (شرق لبنان).

وإذا كان "حزب الله"، بمؤازرة جيش النظام السوري، وبالتنسيق مع الجيش اللبناني، هو من اتخذ قرار المعركة في هذا التوقيت- فإن "جذورها" تعود سنواتٍ عديدة إلى الوراء، حيث يعيدها البعض إلى بدايات الأحداث السورية في عام 2011، يوم بدأت هذه المنطقة تخرج عن السيطرة اللبنانية؛ إذ تحصن فيها مسلحو المعارضة، وتحولت لملاذٍ آمنٍ بالنسبة لهم، مستفيدين من سياسة النأي بالنفس التي اتخذتها الحكومة اللبنانية، والفلتان الذي شهدته الحدود على أكثر من صعيد.

أما التحول الجوهري الذي شكل "جرحاً نازفاً" بالنسبة للكثير من اللبنانيين، فيعود إلى عام 2014، وتحديداً إلى يوم الثاني من أغسطس/آب 2014، وهو اليوم الذي شهد ما اصطلح على تسميته "غزوة عرسال"، حين هاجمت "جبهة النصرة" وفصائل أخرى عسكريي الجيش اللبناني وقوى الأمن في المراكز المنتشرة حول عرسال، وذلك على أثر توقيف الجيش اللبناني قائد "لواء فجر الإسلام"، السوري المدعو عماد أحمد جمعة، في جرود عرسال.

بعد الهجوم، قام مسلحو "النصرة" و"داعش" بالانسحاب من بلدة لاحقاً إلى الجرود، بعدما قتلوا عدداً من العسكريين وخطفوا آخرين من الجيش وقوى الأمن، أعدموا بعضهم، قبل أن تطلق "النصرة" ما تبقى لديها من عسكريين بموجب صفقة أبرمتها مع الدولة اللبنانية، ليبقى مصير العسكريين المختطفين لدى "داعش" غامضاً حتى الساعة، من دون أي معلومةٍ عنهم.

ما قبل المعركة..


هكذا، شكلت "غزوة عرسال" السبب المباشر لمعركةٍ يقول المعنيون إن أوانها قد تأخر كثيراً، علماً أن القرار بشأنها متخذ منذ فترةٍ طويلةٍ، وتحديداً منذ عام 2015، كما تؤكد قيادة "حزب الله"، إلا أنه، في كل مرة، كان يتم إرجاء الهجوم لأسباب مُختلفة، ولعل الظروف السياسية التي كان يعيشها لبنان، في ظل الفراغ الرئاسي الذي شهده بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان وقبل انتخاب الرئيس ميشال عون، ساهمت في تأخير هذه المعركة، من دون أن ننسى "حساسية" منطقة عرسال، ذات الأغلبية السُنية، التي لم تكن لتتقبل هجوماً يقوده "حزب الله" في ظل الأوضاع السابقة.

ومع بدء قرع "طبول المعركة" في جرود عرسال، كانت سلسلة من الأحداث والتطورات التي مهدت للمعركة من الناحية العملية واللوجيستية، حيث نفذ الجيش اللبناني أكثر من عملية أمنية قتلَ وأوقف فيها مطلوبين، وقد دلت هذه العمليات على أن الخطر الذي يجسده مسلحو "النصرة" المنتشرون عند الحدود لم يعد من الممكن تجاهله، خصوصاً بعد ورود معلوماتٍ استخباراتية تشير إلى أن "الجبهة" حولت هذه المنطقة لقاعدةٍ لتنفيذ عملياتٍ تستهدف الداخل اللبناني، الذي شهد على مر السنوات الماضية العديد من العمليات التي استهدفت قواه العسكرية والمدنية على حد سواء، من عرسال والقاع إلى الضاحية والجنوب مروراً بطرابلس.

وفي هذا السياق، قبض الجيش اللبناني في شهر أبريل/نيسان على 10 مسلحين في عملية دهم ببلدة عرسال، أسفرت عن مقتل ما يسمى "الأمير الشرعي" لتنظيم داعش، السوري علاء الحلبي الملقب بـ"المليص". وفي مايو/أيار، تمكنت وحدة من الجيش من قتل أحد أخطر المطلوبين وهو مسؤول "داعش"، سامح البريدي المعروف بـ"سامح السلطان"، فضلاً عن توقيف المطلوب طارق محمد الفليطي وعدد من المطلوبين السوريين.

إلا أن العملية التي جرت فجر 30 يونيو/حزيران الماضي تكاد تكون النقطة المفصلية على هذا الصعيد، نجحت في اعتقال عشرات الإرهابيين، بينهم السوري أحمد خالد دياب قاتل المقدم نور الدين الجمل الذي استُشهد في معارك عرسال الشهيرة في أغسطس/آب 2014، إضافة إلى آخرين. وخلال هذه العملية، فجر 5 انتحاريين أنفسهم داخل المخيمات، إضافة إلى تفجير قنابل وعبوات ناسفة بوجه الجيش.

وكانت هذه العملية، رغم بعض التحفظات التي أحاطت بها لجهة طريقة تعامل الجيش مع النازحين أو تعميم صفة الإرهاب عليهم، كافية لدق ناقوس الخطر والإسراع في إطلاق المعركة، خصوصاً أنها كشفت المستور مما كان يخطط له المسلحون المتوارون في الجرود، لينطلق معها العد العكسي للمعركة، التي شاركت وحدات النظام السوري في التمهيد لها من خلال الغارات السورية التي بقيت تدك مواقع المسلحين من المقلب السوري من الحدود بوتيرة ثابتة.

معركة خاطفة


بعكس ما كان متوقعاً، لم تستغرق معركة جرود عرسال وقتاً طويلاً؛ بل كانت الساعات الـ48 الأولى منها حاسمة ومفصلية لجهة تحديد مسارها، رغم أن عامل المفاجأة كان غائباً عنها، بفعل "البروباغندا الإعلامية" التي سبقتها، سواء من الجهات الرسمية اللبنانية، أو من "حزب الله" نفسه، الذي خرج أمينه العام السيد حسن نصرالله بخطابٍ اعتُبر بمثابة إعلان حرب، الأمر الذي ربطه البعض بالحسابات الداخلية اللبنانية، ولمنع حصول أي ردود فعلٍ شعبية غير محسوبة، من شأنها أن تشوش على المعركة، بالنظر إلى الانقسام الطائفي والمذهبي.

ولعل "حزب الله"، مدعوماً من الجيش اللبناني وقوات النظام السوري كذلك الأمر، استفاد من انعدام توازن القوى بينه من جهة، والفصائل المسلحة المتوارية خلف الجرود من جهة ثانية، ليفرض إيقاعه على المعركة، خصوصاً مع استفادته من غطاء جوي كامل، ومن غطاء مدفعي وصاروخي أيضاً، ومن دعم لوجيستي مفتوح بالعديد والعتاد والذخائر، فضلاً عن كون التحضير للعملية استغرق أشهراً في الاستطلاع والإعداد القتالي والمعلوماتي والتسليحي، ما ساعده على حسم المعركة، خصوصاً أن القوى التي كان يهاجمها لم تكن تعاني فقط نقصاً في العديد والعتاد بفعل الحصار الذي فُرِض عليها فحسب؛ بل إنها تعاني أيضاً الخلافات بين فصائلها، وعدم الاتفاق على خطة مواجهة موحدة.

ويشير الخبراء الأمنيون في هذا المجال إلى أن السيطرة على قمة ضهر الهوة القريبة من جرود فليطة فتحت الفصل الأخير لإسقاط جرود عرسال، خصوصاً أنها ساعدت "حزب الله" على أن يقطع بالنار كل المعابر باتجاه عرسال، وذلك من خلال الهجوم الذي شنه انطلاقاً من جرود السلسلة الشرقية وتحديداً في المنطقة الواقعة إلى جنوب غربي عرسال نحو مواقع "جبهة النصرة" أيضاً إلى شمال وشرق جرود عرسال، توازياً مع الهجوم الذي انطلق من العمق السوري باتجاه مواقع "جبهة النصرة" في جرود بلدة فليطا بالقلمون الغربي، من دون أن ننسى الدور الذي لعبه الجيش اللبناني بدوره لجهة منع تسلل أي مسلحين سوريين إلى الداخل اللبناني، فضلاً عن حمايته للمخيمات وضبط الوضع في محيطها.

مفاوضاتٌ مثمرة


كل ذلك سرع من العملية، التي لم تستغرق وقتاً طويلاً قبل أن تفرض هدنة شملت وقف إطلاق نار، سمح بإطلاق عجلة المفاوضات على وقع الإنجازات التي تحققت على الأرض، وهي مفاوضات رعاها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم كممثل للدولة اللبنانية، وهو الذي له باعٌ طويلٌ في المفاوضات مع الجماعات المسلحة، وقد سبق له أن أبرم اتفاقاتٍ مماثلة، سواء لإطلاق العسكريين الذين كانوا مختطفين لدى "النصرة"، أو قبلها راهبات معلولا في سوريا، وكذلك الحجاج اللبنانيين الذين اختطفوا في أعزاز السورية لدى عودتهم من زيارة الأماكن المقدسة.

خلال المفاوضات، حاول كل فريقٍ استخدام كل الأوراق التي بين يديه لزيادة المكاسب التي يمكن أن يحصل عليها، وتشير المعطيات الحسية عن المعركة إلى أن "النصرة" حاولت الاستفادة من الصفقة لإطلاق بعض المطلوبين الخطيرين ممن قتلوا عسكريين من الجيش اللبناني، وقد نُشرت بعض أسماء هؤلاء عبر الإعلام، الأمر الذي رفضه بالمُطلَق اللواء إبراهيم، ومن خلفه "حزب الله"، الذي تقول المعلومات إنه لوح بالعودة إلى التصعيد العسكري، وأعطى مهلة لـ"النصرة" للإذعان والاستسلام، وإلا فالحسم العسكري سيكون سيد الموقف.

وفي اللحظات الأخيرة من المهلة، أصبح الاتفاق حيز التنفيذ. عاد أسرى "حزب الله" إليه، وانسحب مسلحو "النصرة" من عشرات الكيلومترات التي كانت قد سيطرت عليها ضمن الأراضي اللبنانية، حيث اتجهت بهم عشرات الحافلات نحو إدلب في الشمال السوري، علماً أن مجموع أعداد الذين تقلهم الحافلات من عرسال إلى إدلب بلغ 7 آلاف و777 بين مسلح ومدني، لتتجه الأنظار إلى جرود القاع ورأس بعلبك، التي يُتوقع أن تبدأ المعركة فيها في غضون أيام، على أن يكون الجيش اللبناني هو في الواجهة هذه المرة.

إشكاليات ولكن..


قد تُثار الكثير من الإشكاليات حول مجريات معركة جرود عرسال في الداخل اللبناني، سواء لجهة موقف الحكومة الملتبس والمرتبك تجاهها، أو لجهة الأهداف الحقيقية لـ"حزب الله" منها، التي قد يرى البعض أنها ليست مرتبطة بالمصالح اللبنانية بقدر ما هي مرتبطة بأجندته الإقليمية، كما قد يربطها البعض بوجود أسرى وجثامين له من الحرب السورية بيد "جبهة النصرة"، ما يبرر حصر معركته مع "الجبهة" دون غيرها من الفصائل، أو لجهة مصادرة حزبٍ لقرار الحرب والسلم، كما يقول مناهضو "حزب الله"، أو لجهة رعاية "الدولة" لـ"صفقة" بين حزبٍ لبناني ومجموعات مسلحة.

ولكن ذلك لا يقلل من شأن "إنجازٍ" تحقق هو في صالح جميع اللبنانيين، على طريقة "تقاطع المصالح"، ففي الثاني من أغسطس/آب 2014، سيطر مسلحو "النصرة" وأخواتها على جرود عرسال، وحولوها إلى قاعدةٍ عسكرية ينطلقون منها لتنفيذ علمياتهم. وبعد 3 سنوات بالتمام والكمال، وتحديداً في الثاني من أغسطس/آب 2017، تحررت هذه الجرود، لتعود لأهلها، الذين افتقد الكثير منهم موارد رزقهم.

ولكن، إزاء ذلك، يبقى السؤال: هل يمكن صرف ما حصل في السياسة ببلدٍ كلبنان، معروفٍ بالانقسام العمودي بين مختلف مكوناته على كل المستويات، خصوصاً في ضوء ما حُكي عن التفافٍ شعبي كرسته هذه المعركة، هو الأول من نوعه منذ أكثر من 10 سنوات، وتحديداً منذ حرب يوليو/تموز 2006؟

تحميل المزيد