عند أعتاب الكلية في السنة الأولى من تلك المرحلة الجامعية يدخل كل منا وفي مخيلته صورة المدرس الذي كان بمثابة الأب أو الأخ الأكبر، ناصحاً له في كل ما يتعلق بالدراسة وغير الدراسة، يلين له الكلام مشجعاً له بأن يتحلى بروح الإرادة والمنافسة، راسماً لنا الطريق الذي يجب أن نسيره، مرحباً بنا في أي وقت للسؤال، وعندما نذهب للامتحان نستشعر قلقه على مستقبل كل منا، يبدع في طرق توصيله لنا للمعلومة، بالرغم من أن ذلك المعلم كان يحمل ضغطاً كثيراً، سواء لتدريسه في المدرسة أو لتلك المجموعات الكثيرة التي لديه، و
لكنه كان يتحامل؛ لأنه كان يعلم جيداً أنه مسؤول عن كل منا، وعن مستواه الدراسي، وكنا نستشعر بمتعة الدراسة حينها، وإن صادفنا مدرساً لا نفهم منه، نختار غيره؛ لنستكمل معه.
أذكر أن معلماً لنا كان يردد دائماً مقولته الشهيرة: افهموا دلوقتي علشان مش هتفهموا بعد كده، علشان مش هتلاقوا حد يشرح لكم ولا يتعب معاكو زي كده".
وكنا نأخذ تلك الكلمات ولم نفكر فيها كثيراً، وظننا أن معلمنا يضخم الموضوع، ولكن صدقت يا معلمي، فلم نفهم، ولم نجد مَن يشرح مثلكم.
تركنا تلك الأيام وتركتنا ظناً أننا سنبدأ تلك المرحلة العلمية الجديدة، فالكل سيدخل بتلك الروح الشغوفة لما هو جديد، فالجميع حولي منتظر عندما دخلت كليتي العلوم، لم أكن بتلك الروح التي أجدها عند البعض حولي، فحكم القدر بأن أستمر أربع سنوات أدرس مجالاً لا أرغبه يوماً، ولذلك دخلت بروح عادية، ولكن ظننت كما ظننا جميعاً أننا سنجد دكاترة أفضل من مدرسينا شرحاً وأسلوباً، أيضا ظننا أن مصلحة الطالب أولاً، ظننا أنهم
سيعطوننا ما شربوه من هذه العلوم، وخاصة عندما تكون في كلية علمية تطبيقية "كيمياء، فيزياء، جيولوجيا، ميكرو، حيوان، نبات، بترول، رياضيات، حاسب" كل تلك العلوم تحتاج تلك الروح الشغوفة من الطالب، تحتاج إلى مَن يقف بجانبه، يرشده إلى أي طريق يجب أن يسير، لا يريد أن ينظر إلى هذا الوجه العبوس المستهزئ به دائماً، رافضاً كل ما يقوله، باخلاً عليه بما يحمله من علم، هذا أسلوب الدكتور الجامعي إذا كان يحمل علماً فهو سيبخل به على طلابه.
هناك نوع آخر، نوع فاقد لكل أنواع التواصل، غير قادر على إيصال أي معلومة لأي فرد، إذا أردت أن تسأله فسيكون جوابه (هو كده).
هذا النوع يريد أن يفهمنا وله جزيل الشكر، ولكنه لا يستطيع، فلمَ لا توجد هناك أكاديمية لتدريب الدكاترة على كيفية التواصل مع الطلبة؟!
وهناك نوع آخر ماشي على مبدأ "احفظ.. لا طريق آخر.. احفظ"، ونحن نسير معه نحفظ لكي نمر بسلام، ومن يتمرد على ذلك الواقع ويريد أن يفهم يحكم عليه بالبقاء مدة أطول في ذلك الجحيم الجامعي.
وهناك نوع آخر يسير على مبدأ (كلما زاد عدد الشيل كان تمكنك أقوى في المادة واشتهرت أكتر).
وهناك نوع آخر لا يحضر، ويكتفي ببعض الورقات مليئة بالمعادلات والرموز الكيميائية وتفاعلات لم يسبق علينا دراستها، نأخذ تلك الورقات على آخر التيرم، وهذه مادة وسط مجموعة من المواد الأعمق منها.
فلمَ لا نشتكي؟ لماذا سنظل بتلك السلبية؟ هذا مستقبلنا، بالفعل اشتكينا، وكان الرد: الشكوى لغير الله مذلة.
وعندما نسأل مَن هم أكبر منا لماذا سكتوا؟ فعلمنا أنه سيكون العقاب الرسوب في المادة، والدكتور سيتحامل عليك بعد ذلك، فأعلنا السكوت، ولن نشتكي، وسنظل هكذا لماذا؟ لأنه دكتور جامعي.. وسلام على عقول كانت تريد أن تتعلم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.