قالت الكنيسة المصرية الأرثوذكسية، إنها أنهت أزمة ما يعرف بـ"دير الأنبا مكاريوس" في وادي الريان بمحافظة الفيوم، مقابل سداد مبلغ مالي (لم تحدده) للحكومة.
وقال المتحدث باسم الكنيسة المصرية، بولس حليم، إنه "تم توقيع اتفاق بين الكنيسة ووزارة البيئة، لتقنين ممارسة الأنشطة الكنسية والأنشطة الخاصة بدير القديس مكاريوس بوادي الريان، وذلك داخل المساحة التي يعيشون فيها الآن (محل الأزمة)، والمحاطة بالأسوار، والواقعة شمال طريق وادي الريان (وسط البلاد)"، بحسب بيان صدر الأربعاء، 2 أغسطس/آب 2017.
ويأتي هذا البيان على النقيض من موقف الكنيسة قبل نحو عامين، التي رفضت اعتبار المكان الأثري الذي استولى عليه عدد من الرهبان بوضع اليد، ديراً.
حيث تبرأت من 6 من هؤلاء الرهبان، في قرار هو الأول من نوعه للكنيسة المصرية تجاه أزمة مع الحكومة، منذ تولي البابا تواضروس الثاني رئاسة الكنيسة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، خلفاً للبابا الراحل شنودة الثالث.
وفي مارس/آذار 2015، قالت الكنيسة المصرية في بيان آنذاك "وادي الريان (بمحافظة الفيوم) منطقة محمية طبيعية، سكنها قديماً عدد من النساك والمتوحدين (رهبان)، وحديثاً حاول البعض إحياء الحياة الرهبانية فيها على أرض لم يتملكوها قانونياً، ولم يصدر بها اعتراف كنسي حتى الآن".
وأضافت الكنيسة "عندما قررت الدولة إنشاء طريق ضمن خطة مشروعات التنمية القومية في مصر، اعترض بعض الساكنين هناك وبصورة غير لائقة".
وأكدت عدم اعترافها بالدير وبـ6 رهبان، وبالسماح للدولة بالتصرف في الأمر، مع مراعاة الحفاظ على الطبيعة الأثرية والمقدسات والمغائر والحياة البرية في هذه المنطقة، ما أثار غضب ائتلافات شبابية قبطية ضد رأس الكنيسة المصرية.
هكذا "سرقوه"
يحوي وادي الريان عدداً من المغارات المحفورة، وكنيسة أثرية، ومعبداً فرعونياً قديماً، وعدداً من عيون المياه، ومقتنيات أثرية يرجع أقدمها إلى القرن الرابع، كما يتميز المكان بطبيعة خاصة، لكونه محمية طبيعية تحوي نباتات وحيوانات نادرة مهددة بالانقراض، وهو ما جعل اليونسكو تضمه لقائمة التراث الطبيعي.
وفي عام 1996 انتقل الراهب إليشع المقاري، إلى المنطقة التي قطن جزءاً منها عددٌ من الرهبان في القرن الرابع الميلادي، محاولاً إحياء الحياة الرهبانية فيها، فقام برسامة عدد من الرهبان منفرداً.
ورغم أن الراهب إليشع يقول إن الأنبا ميخائيل، مطران أسيوط الراحل، والبالغ من العمر وقتها 90 عاماً، كان يعلم ويرأس هذا الدير، إلا أن كل ذلك تم دون الرجوع للمجمع المقدس المختص بالاعتراف بالأديرة.
ولم يكتف الرهبان بممارسة حياة الرهبنة والتقشف فيما هو قائم بالفعل من أماكن مخصصة لذلك، وإنما بدأوا في السعي لإنشاء غرف تعبد جديدة "قلايات"، عام 2010، وهو الأمر المحظور قانوناً بحكم أن المنطقة محمية طبيعية يمنع فيها البناء.
وعقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011، قام الرهبان ببناء سور يبلغ طوله حوالي 10 كيلومترات، بزعم التخوف من حدوث اعتداءات، فاحتجز السور بداخله مساحة واسعة من أرض المحمية، بما فيها من عيون طبيعية، والتي تتغذى عليها الحيوانات البرية المعرضة للانقراض.
فحدث نزاع بين الدير ووزارة البيئة وبعض السكان، الذين اشتكوا توقف النشاط السياحي، الذي اعتمد على تلك المحمية، إضافة لعدد من منظمات المجتمع المدني المعنية بالبيئة، واتهموا الرهبان بـ"سرقة" أراضي الدولة، والاستيلاء على ما لا يحق لهم.
تعديات واسعة
ولإقامة السور ومنشآت جديدة على الأراضي التي استولوا عليها، قام الرهبان بجلب كميات كبيرة من البلوك الأبيض من محافظتي المنيا وسوهاج عن طريق سيارات نقل كبيرة، اجتازت الدروب الصحراوية بالمخالفة لقراري محافظ الفيوم رقمي 664/ 1962 لسنة 2009، والخاصين بحظر نقل البلوك الأبيض واستخدامه في البناء بدون ترخيص.
كما كشف مسؤولون بالمحميات الطبيعية، أن الرهبان كان مخصصاً لهم 18 قيراطاً بالقرب من الكنيسة القديمة، وأنهم قاموا بزراعة 105 أفدنة بالقمح والذرة وغيرها من المحاصيل، على مياه العيون الكبريتية، التي يقال إنها تشفي من أكثر من 40 مرضاً جلدياً، إضافة إلى إقامة مزارع سمكية وحيوانية بالمخالفة لقانون المحميات الطبيعية.
في مواجهة الدولة
حتى أكتوبر/تشرين الأول 2014، بقي الرهبان بشكل رئيسي يواجهون احتجاجات وزارة البيئة والسكان وغيرهم، لكن الأزمة تصاعدت وصاروا في مواجهة الدولة، عندما بدأت الحكومة مشروع إنشاء طريق جديد بصحراء الفيوم، والذي يربط الفيوم بمحافظات مصر عبر الواحات والإسكندرية (شمالاً).
فوفق التصميمات الهندسية، يفترض أن يمر هذا الطريق بجزء من السور الذي بناه الرهبان بطريقة غير شرعية، وهو ما رفضه الرهبان تماماً، وادعوا أنه تهديد لآثار مسيحية، وألقوا بأجسادهم أمام آلات البناء التي كانت تعمل على إنشاء الطريق.