رغم تقدُّم عبد الباسط لقُرعات الحج التي تنظمها وزارات السياحة والداخلية والتضامن المصرية، لم يحالفه الحظ في أي مرة. مرور 4 سنوات على نية الرجل الأربعيني الذي يعمل فني مصاعد للحج، كانت كفيلة بتغيير ضخم في أسعار رحلات الحج؛ فالمبلغ الذي ورثه عن والدته صار لا يكفي، واستوجب توفيرُ ثمن الرحلة الدخولَ في "جمعية" مع معارفه لتوفير الباقي.
فبعد تعويم الجنيه المصري في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وارتفاع الدولار من نحو 9 جنيهات إلى 18 جنيهاً في الوقت الحالي (2 أغسطس/آب 2017)- تضاعفت تكلفة الحج على المصريين.
ورغم هذه الزيادة الهائلة، كانت السيدة الستينية أم أشرف تعاني أشواقها للكعبة؛ ما خلق دافعاً كافياً لبيع نصيبها في ميراث زوجها لأحد أبنائها؛ حتى تتمكن من أداء الفريضة.
لحسن حظها، حظيت بحج القرعة في سنتها الأولى عبر إحدى شركات السياحة، وتقول لـ"عربي بوست"، بينما يعلو وجها ابتسامة هادئة: "الحمد لله ربنا العالم بِنا، ده أنا قعدت أدعي كل يوم في رمضان إنه يكتبها لي السنة دي، ما حدش ضامن إيه اللي هيحصل، فقدمت في شركة ماسكها صاحب ابني؛ عشان يبقي معانا ويسهل علينا، خصوصاً إني لا أقرأ ولا أكتب. ما قدمتش في القرعة بتاع الداخلية، القرعة السنة دي أغلى حتى من السياحي!".
يبيعون الأراضي والمواشي لأداء الفريضة!
في شركة السياحة المطلة على ميدان التحرير، جلس محمود وزميلتاه على مكاتبهم، يتبادلون جميعاً الحديث، في ظل عدم وجود أي عميل بالشركة. "الحج هذه السنة يبدأ من حدود 60 ألف جنيه"، هكذا قال الشاب محمود لـ"عربي بوست".
وائل مكاوي صاحب شركة سياحة تبعد عن ميدان عابدين وسط القاهرة بخطوات قليلة، قال لـ"عربي بوست": "بعض الذين ورد اسمهم في حج القرعة ألغوا الحجز"، مشيراً إلى أن حج القرعة الذي تنظمه وزارة الداخلية أصبح أغلى من الحج السياحي!".
بصعوبة، دفع الحجاج المسافرون بصحبة وائل مكاوي قيمة الرحلات التي حجزوها، حيث إن "معظمهم من الصعيد، ويبيعون الأراضي والمواشي التي يملكونها لأداء الفريضة"، حسبما قال مكاوي لـ"عربي بوست".
وأعلنت وزارة الداخلية المصرية، في مارس/آذار 2017، فتح باب القرعة لرحلة الحج، على أن يتم تسديد القيمة على دفعتين؛ الأولى تساوي 30 ألف جنيه، وتم تحديد الثانية بـ24 ألفا و659 جنيهاً، في حين سعَّرت شركة مصر للطيران سعر تذكرة رحلة طيران حج القرعة بـ10 آلاف و350 جنيهاً، ليبلغ الإجمالي نحو 65 ألف جنيه. في حين كان سعر الرحلة نفسها 29 ألفاً و400 جنيه في 2015، شاملة تذكرة الطيران، وبلغ 34 ألفاً و120 جنيهاً في 2016.
أنواع الحج الاقتصادي في مصر
وتبدأ أسعار حج الجمعيات هذا العام من 59 ألفاً حتى 87 ألف جنيه، بينما كانت تتراوح بين 30 و41 ألف جنيه في 2015، وبين 30 و48 ألف جنيه عام 2016.
وحددت وزارة السياحة أسعار الحج عبر شركات السياحة للمستوى الاقتصادي بالطيران، بين 40 و49 ألف جنيه من دون تذكرة الطيران. في حين تتراوح أسعار الحج الـ4 والـ5 نجوم بين 67 و100 ألف جنيه من دون تذكرة الطيران.
أسعار الحج الاقتصادي كانت نحو 35 ألف جنيه من دون تذاكر الطيران العام الماضي، حسب وائل مكاوي الذي قال لـ"عربي بوست": "الريال هو العملة الأساسية التي ندفع على أساسها التكاليف في السعودية، ونحجز بها الفنادق والانتقالات وباقي المصاريف، ما ندفع تكلفته بالمصري هو تذاكر الطيران وحتى هذه يتحدد أسعارها على أساس سعر الدولار".
أما علاء الغمري العضو السابق بغرفة شركات السياحة، فيقول: "التكلفة الوحيدة التي تُدفع بالعملة المصرية، ولا تتحدد بناء على سعر الدولار، هي رسوم الغرفة وهي 500 جنيه فقط. ارتفاع أسعار الحج للضعف، هو ترجمة لارتفاع أسعار العملة المصرية للضعف أيضاً".
ويفسر علاء الغمري، في اتصال هاتفي مع "عربي بوست"، سبب ارتفاع سعر رحلات وزارة الداخلية عن رحلات الشركات السياحية بأن وزارة السياحة ضغطت على الشركات حتى تقلل الأسعار؛ ومن ثم قللت بعض الشركات نفقاتها أو مكاسبها، والبعض الآخر يلجأ إلى حجز سكن أقل من حيث الجودة.
من جانبه، يشرح وائل مكاوي بعض الأساليب التي تتبعها الشركات لتخفيض التكاليف قائلاً: "كل 3 شركات يؤسسون ما يشبه التحالف مع بعضهم، ويشتركون مع بعض في أتوبيسات كبيرة مثلاً؛ كي تكون تكلفتها أقل وتتوزع على عدد أكبر من الحجاج، وباقي الرحلة تسير الأمور بالطريقة نفسها".
هل يستغلنا هذا المسؤول؟
طلب مدير شركة السياحة من "أم أشرف" 15 ألفاً هي قيمة تذكرة الطيران، بعد أن دفعت له في وقت سابق 49 ألفاً تكاليف باقي الرحلة.
ظنت السيدة وابنها أن المدير يستغلهما ويطلب سعراً أكبر من الحقيقي، وهدداه بأنهما قد يسحبان ما دُفع ويُلغيان الرحلة، التهديد ردَّ عليه الرجل بأن هناك ألف مَن يتمنى يطلع مكانها.
اطمأنت أم أشرف قليلاً عندما شاهدت على التلفزيون مسؤولاً في شركة مصر للطيران يؤكد أن أسعار التذاكر تبدأ هذا العام من نحو 11 ألفاً.
كان موقع مصرواي قد نقل عن صفوت مسلم، رئيس الشركة القابضة لمصر للطيران، قوله: "هذا العام، تم عرض سعر التذكرة 10 آلاف و600 جنيه، أي ما يعادل 590 دولاراً أميركياً، في حين أن التذكرة بالسعر ذاته 14 ألفاً و100 جنيه، أي ما يعادل 780 دولاراً، كانت تباع العام الماضي 2016 بـ7100، أي ما يعادل 810 دولارات بسعر العملة الأميركية العام الماضي".
لغير المحظوظين بالقرعة.. هناك فرصة بتكلفة أكبر
هناك 3 أنواع من قرعات الحج؛ الأولى هي قرعة وزارة الداخلية التي يتم التقديم لها عبر مراكز الشرطة، ويشترط ألا يقل سن المتقدم فيها عن 25 عاماً. وتكون رحلة الحج عبر هذه القرعة ذات برنامج إقامة واحد.
أما وزارة التضامن، فتقيم قرعة أخرى ذات 4 مستويات مختلفة من حيث أماكن الفنادق وعدد نجومها، وتتم كلها عبر الطيران. وتشرف المؤسسة القومية لتيسير الحج والعمرة التابعة للوزارة على هذه الرحلات، التي يكون حجاجها من أعضاء الجمعيات الأهلية. وتُعرف بأنها "قرعة الجمعيات".
باختيارات أكبر، تنظم وزارة السياحة قرعة لتحديد الحجاج عبر شركات السياحة، وهي عبارة عن 4 برامج أساسية: الحج البري، والحج عبر الطيران في برنامج اقتصادي، ومستويات الـ4 نجوم، والـ5 نجوم. حسب ضوابط وزارة السياحة، فإن كل شركة تقوم بتسجيل بيانات المتقدمين للحج من خلالها على موقع منظومة الحج الموحد؛ تمهيداً لـ"قرعة السياحة".
منذ عام 2016، قررت وزارة الداخلية تطبيق منظومة الحج الموحد، وبناء على القرار يتم تسجيل بيانات المتقدمين للحج على بوابة الحج المصرية، في أي من القرعات الثلاث السابقة.
كانت حكومة شريف إسماعيل قد أعلنت في مارس الماضي قبول 22 ألف فرصة حج عبر وزارة الداخلية، و36 ألف فرصة عبر شركات السياحة، في حين تخصص 12 ألف فرصة للسفر عبر وزارة التضامن.
حسب وائل مكاوي مدير شركة السياحة الواقعة قرب ميدان عابدين، فالقرعة التي تجريها وزارة السياحة تختار 17 حاجاً من كل شركة سياحة، وهذا العدد قليل بالنسبة للمتقدمين بالفعل، فقد تلقي مكاوي 130 جوازاً هذا العام لإدراج بياناتهم في القرعة، لكن بعض الحيل يلجأ إليها الرجل وعملاؤه للحصول على مزيد من الرحلات.
يزعم وائل أن كل أمير سعودي يكون له 5 تأشيرات حج يعطيها لمن يريد، "ونحن نشتري هذه التأشيرات، وفي هذه الحالة تصل تكلفة الرحلة إلى 90 ألف جنيه، لكن لا أحد يشتريها غير المشتاق للحج بشدة. أيضاً نستخرج تأشيرات زيارة تجارية لمدة 3 أشهر بقيمة 2000 ريال، بالإضافة إلى باقي التكاليف، ولكن لا يستخدم مطار جدة او المدينة، وإنما نحن ندخلهم للحج تهريباً".
الريال بخمسة
تتغير ملامح أم أشرف، وتنظر في حيرة لمحرر "عربي بوست" وهي تقول: "الريال بخمسة جنيه! أشرف راح يجيب لي ريالات، الـ5 آلاف جنيه بـ1000 ريال بس! وهي دي الفلوس اللي هاخدها بس، ومعايا 2000 جنيه احتياطي، لو اضطريت أبدلهم هناك".
حسب الدكتور عبد التواب عثمان، عضو هيئة التدريس بكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، فإن الحج لا يُفرض إلا على من توافر معه المال وزاد عن حاجته ما يكفي "الزاد والراحلة"، التي يفسرها بأنها المصاريف التي عليه دفعها كرسوم التأشيرة والطيران والإقامة طوال فترة الحج.
تختم أم أشرف كلامها بنبرة الحيرة نفسها: "مش معايا فلوس تكفى الضحية، وسألت الشيخ ابن أختي قال لى تصومي 3 أيام هناك و7 أيام لما ترجعي، كفارة يعني، بس مش هجيب هدايا ولا حاجة، هو اللي هاخده مصاريفي وأكلي وشربي وخلاص".