ذات يوم شتوي قبل ثمانية أشهر، وقف محمد وعائلته من محافظة حلب السورية، في حرج، أمام استوديو تصوير مؤقّت في الهواء الطلق، كان قد أُعِدّ بمخيّم للاجئين في سهل البقاع اللبناني.
حينها، وبحسب ما نقلت صحيفة الإندبندنت البريطانية، الثلاثاء 31 يوليو/تموز 2017، أمسكت زوجة محمّد بطفلهما الأصغر، ووقف الاثنان خلف أربعة كراسي، واحد لكل من ابنتيهما وابنيهما الأكبر. وظل أحد الكراسي شاغراً، ليُمثّل ريم، وهي ابنتهما الأكبر المفقودة، والبالغة من العمر 21 عاماً آنذاك.
انفصلت ريم عن عائلتها في ليلة زفافها عام 2013، عندما تعرّضت المنطقة للقصف من قِبل القوات الحكومية السورية، ولم تعرف عائلتها أبداً منذ ذلك الحين ماذا جرى لها، إلى أن عادت المؤسسة البريطانية التي التقطت صورة عائلة ريم إلى سهل البقاع، لتفاجأ بأن الأسرة قد عرفت أخيراً مصير ابنتها المفقودة.
وكانت سلسلة الصور الفوتوغرافية لعائلات اللاجئين، من إعداد الإيطالي داريو ميتيديري، جزءاً من حملة أعدّتها الجمعية الخيرية الدولية الكاثوليكية للتنمية ببريطانيا Cafod، والوكالة الإبداعية M&C Saatchi، اللذين جذبا اهتمام العالم إلى محنة اللاجئين السوريين في لبنان، والمُقدّر عددهم بنحو 1.5 مليون لاجئ.
وبتلك الصور، كانت العائلات تقف لالتقاط صورٍ بها مسافة أو مقاعد شاغرة ترمز إلى من قُتِلوا، أو فُقِدوا، أو أولئك الذين ما زالوا محاصرين في البلد الذي مزّقته الحرب.
ونال عمل ميتيديري العديد من الجوائز، بما في ذلك جائزة الصحافة العالمية لعام 2016.
هكذا وجدتهم ريم
عندما عادت مؤسسة Cafod إلى المنطقة، في يونيو/حزيران 2017، لمعرفة كيف تسير الأمور مع العائلات، وجدت الوكالة خبراً جيداً نادراً، وهو أن ريم تمكّنت من تتبع مسار عائلتها بالبحث في حسابات وسائل التواصل الاجتماعي.
لتكتشف أن عائلتها استقرت في سهل البقاع اللبناني، بينما تمكنت العروس الشابة من الانتقال هي وزوجها إلى تركيا.
محمد، والد ريم، يقول بينما يشير إلى صورٍ على هاتفه النقّال لريم وزوجها وطفليها الصغار في تركيا "أنا سعيد جداً، لقد مرت أربعة أعوام لم أعرف خلالها أي شيء عنها".
ويضيف: "عندما علمنا بشأنها وبمكانها، قضيّنا يومين نتحدّث في الهاتف".
وتحاول ريم في الوقت الراهن الحصول على جواز سفر تركي، من شأنه السماح لها بزيارة عائلتها التي تقطّعت بها السبل في لبنان بحالة فقر مألوفة للأسف، بالبلد الصغير البالغ عدد سكانه نحو 4 ملايين، ربعهم تقريباً من السوريين.
قصة حلوة مرة
وخوفاً من هاجس تكرار تجربة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الذين بقوا في سوريا ولبنان لأجيال منذ العام 1948، رفضت الحكومة اللبنانية بناء مخيّمات رسمية للاجئين، في محاولة لإثناء الناس عن البقاء.
ونتيجة لهذا يعيش معظم السوريين في مساكن مستأجرة، غالباً ما تكون دون المستوى أو مهجورة، في البلدات والمدن والمستوطنات العشوائية، في سهل البقاع الزراعي.
يقول محمد "نحن نشعر هنا بأننا لسنا مُستقرّين بعد الآن"، مُضيفاً "نحن دائماً خائفون من أننا قد نحتاج لإخلاء المكان الذي نعيش فيه.. الأمور تزداد سوءاً".
وبينما لم تعد نضالات اللاجئين السوريين تتصدّر عناوين الصحف، لا تزال احتياجاتهم كبيرة.
تقول لورا أوسلي، مسؤولة الأخبار العالمية في مؤسسة Cafod إن "الوضع في حالة ركود، أو أنه يزداد سوءاً".
وتابعت قائلة: "قصّة محمد هي إحدى القصص الحلوة المرّة، وينبغي أن تظل تذكيراً بأنه على الرغم من أن تلك المشكلات لا تظهر في الأخبار، فإنه لا يزال هؤلاء الأشخاص بحاجة إلى مساعدة دولية".