في 22 مارس/آذار 2016، غادرت الشابة المغربية لبنى الفقيري بيتها في حي مولنبيك بالعاصمة البلجيكية بروكسل، لتوصّل أطفالها الثلاثة إلى المدرسة، ثم استقلت المترو للذهاب إلى حي شاربيك، حيث كانت لبنى البالغة 34 عاماً تعمل مُعلِّمةً للتربية الرياضية.
وأخذ زوجها محمد، وهو سائق قطارات أنفاق، ذلك اليوم عُطلة وقضاه في البيت. وقد أيقظه صديقٌ في وقتٍ لاحق من هذا اليوم يسأله عمَّا إذا كان قد اطمأن على لبنى، وأوضح أنَّه قد وقعت حوادث إرهابية في المطار وقطار الأنفاق، وفق تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
دخل محمد إلى خدمة الرسائل الخاصة به، ورأى أنَّ لبنى لم تُسجِّل الدخول منذ الساعة 9:10 صباحاً. وكما يقول محمد، فقد عرف على الفور عند الساعة 9:11 أنَّ لبنى و15 راكباً آخر قد قُتِلوا عندما فجَّر الانتحاري خالد البكراوي عبوة ناسِفة حينما غادر القطار الذي يستقلّونه من محطة قطارات أنفاق مالبيك.
في حوار له مع إحدى القنوات ظهر محمد البشيري، زوج لبنى الفقيري، وهو يدعو للجهاد من أجل الحب.
حقَّق مقطع الفيديو الخاص بحوار البشيري نحو 10 ملايين مشاهدة على موقع يوتيوب سريعاً. وعُرض حديثه في جلسات مؤتمر "تيد" للتكنولوجيا والترفيه والتصميم، وبرزت تحركات وردود فعلٍ مشابهة تجاه حديثه – منها استخدام هاشتاغ "turntolove#"، ويعني "تحول نحو الحب" وهو مستوحى من كلمة البشيري الشهيرة "الجهاد من أجل الحب"، في أعقاب الهجمات الإرهابية التي وقعت في ويستمنستر وجسر لندن بريدج.
كان حديثه يتسم بالهدوء، والبلاغة، وإثارة المشاعر على نحوٍ غير عادي. بدأ البشيري بالحديث عن كيف أنَّ بعض الأشخاص يرونه كإرهابي محتمل، مستدلين على هذا بـ"اسمه الأول، ومعتقداته الدينية، والسمعة السيئة للمنطقة التي يعيش بها" رغم خسارته لزوجته، التي قال عنها إنَّها "حب حياتي، وصديقتي، وأم أطفالي. امرأة ذات جمالٍ لا يُضاهى وطيبةٍ لا نهاية لها". ثُمَّ شرع البشيري في الحديث عن رؤيته للإسلام، التي تمثَّل في أنَّه دينٌ منفتح على الآخر، ويقبل الاختلاف، ومُحب للسلام، ومتحضر.
وأصبح البشيري رمزاً مؤثراً؛ فهو رجلٌ تحطمت حياته بفعل هجومٍ همجي، لكنَّه اختار أن يحوّل ألمه – باستخدام المنصة التي وفرها له هذا الألم – إلى دعوةٍ للحب والوحدة. وبالنسبة لبروكسل، كان ذلك كالبلسم الذي تحتاجه المدينة بالفعل لتسكين آلامها، فقد كان بمثابة تأكيدٍ على أنَّ الانفتاح، والتسامح، والتفاهم كانت لا تزال مبادئ تتقاسمها وتُقدِّرها الغالبية العظمى من السكان.
الآن، تحوّلت كلمات البشيري إلى كتابٍ يحمل اسم "الجهاد من أجل الحب".
جزءٌ من ذلك الكتاب يتحدث عن لبنى، تلك المرأة الاستثنائية بكل المقاييس، الرقيقة، والمحبة للمرح، التي كرَّست وقت فراغها لتشجيع المسلمات المنعزلات وأطفالهن على الخروج للعالم عبر الرياضة.
بعض أجمل فقرات الكتاب وأكثرها حزناً تلك التي تصف أبناءه -أيمن (10 سنوات)، وكميل (8 سنوات)، وشاهين (3 سنوات)- وهو غاضبون، ويشعرون باليأس، وأحياناً يعانون لتقبُّل رسالة أبيهم عن الحب والصفح. "الحياة بالنسبة لهم سخيفة. أمٌ تودعهم وتقبلهم ثم تذهب للعمل، وبعدها تختفي. إنَّهم لا يفهمون الأمر".
حاول البشيري أن يكون صريحاً ومتماسكاً. "أُخبِرهم أنَّنا جميعاً أخوة في الإنسانية، فيقولون: وهل الإرهابيون أخوتنا في الإنسانية؟ نعم، لكنَّهم اختاروا طريقاً إجرامياً. بإمكاننا أن نفعل مثلهم وندعو للعنف، لكنَّنا بذلك ننحدر لمستواهم. الطريقة الأفضل ببساطة هي أن نتحدث من القلب، نتحدث بصدق، نتحدث بالحب".