هل أمي خائنة كما يقول أبي؟

وفي صباح اليوم التالي، تسلمت أمي ورقة الطلاق، وبقيت في عزلتها، والتزامها للصمت، وتركتني أغرق في حيرتي.. أما جدي وجدتي، فقد جلسا طوال الوقت حزينين، لا يُسمع لهما صوت.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/28 الساعة 04:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/28 الساعة 04:45 بتوقيت غرينتش

محتارة كيف أبدأ برواية حكايتها، أأتركها تروي قصتها بنفسها عساها تقنعكم بمبرراتها التي تكمن وراء ارتكابها للخطأ الذي عصف ببيتها وأسرتها فتركهما أثراً بعد عين؟ أم أترك زوجها يروي حكاية ضبطه لها بالجرم المشهود؟ أم أدع المجتمع يحكي سارداً حكاياته الكثيرة والمسلية عنها؟ لا أدري حتى الآن.. ولكن يجب أن لا يغيب عن خاطركم وخاطري أن القصة ستختلف باختلاف الراوي، الذي سيحكي من وجهة نظره هو، ولن يروي التفاصيل بحيادية كما نريد نحن.

حسناً، لن أترك فرصة الكلام لأي من هؤلاء؛ لهذا انتقلوا إلى الفقرة التالية وتابعوا التفاصيل على لسان المتضرر الأكبر "يامن".

"كنت في العاشرة من عمري عندما بدأت ألاحظ أن أمي تعتكف في غرفتها، تجهد نفسها في إخفاء آثار سيل من البكاء ترك آثاره على معالم وجهها وعينيها.. أسألها عن السبب، فتنكر وجود ما يزعجها. والدي يغيب في عمله لساعات طويلة، وعندما يعود يغير ملابسه، ويتناول طعامه، ويرتاح قليلاً ويخرج إلى أصدقائه واجتماعياته.. لا يتقبل أي تقصير من أمي في طلباته واحتياجاته، أما اللطف والحنان في معاملته لها، فلا وجود لهما في قاموسه، تمضي أمي أوقاتها ما بين أعمال المنزل، والمسلسلات التي تبثها القنوات الفضائية، والأحاديث الهاتفية مع القريبات والصديقات، وبعض الزيارات الاجتماعية التي يمقتها والدي.

طرأ على حياتنا شيء أعاد البسمة لوجه والدتي، وأشعرني بسعادة لم أجد لها طعماً منذ وقت طويل، ولكن الغريب في الأمر أن والدي قابله بنفور لم أجد له تفسيراً.. فبعد أشهر عدة، سيصبح لدينا طفل صغير، آه ما أروع أن يكون لي أخ أو أخت..

تقدمت أمي في الحمل، وكان والدي يتجاهل متاعبها، بل يلومها إن اشتكت، وتغيرت أمي بشكل كبير، فقد غدت هزيلة نحيلة الجسد، رغم بطنها الذي أخذ يتكور ويبرز من ملابسها، وأخذت تمضي وقتاً طويلاً تركز نظرها وانتباهها في الهاتف الذكي، أتحدث إليها وأوجه لها الأسئلة، فتبدو وكأنها لا تسمعني، أو أنها تركز في شيء آخر يحوز على اهتمامها أكثر منّي.. وعندما أُلح عليها، تضمني وتقبلني.. وتطلب مني أن أذهب لمراجعة دروسي أو اللعب بألعابي.

في ذات يوم عج بالفرح، أخبرتني أمي بأننا سنذهب إلى الحديقة العامة لنرفه عن أنفسنا.. سُررت جداً، ولم يدر في خلدي بأن تلك النزهة ستقلب حياتنا رأساً على عقب.. في الحديقة العامة، اشترت لي أمي تذاكر لعدة ألعاب وتركتني ألعب، وذهبت هي لترتاح في المكان المخصص لجلوس العائلات.

لهوت كثيراً، ولعبت مع بعض الصبية.. وعندما شعرت بالتعب.. ذهبت أبحث عن أمي.
صدمني ما رأيت، فقد وجدتها تبكي بحدة، ووالدي يقف قبالتها يصرخ بصوت مرتفع ويتهمها بالخيانة، بينما عج المكان بغرباء وقفوا متفرجين..
– بالله عليكم، ماذا يجري؟ ماذا هناك يا أمي؟ ماذا حدث يا أبي؟
لم يجبني أحد.. أخذت أبكي ققائلاً:
أرجوك يا أبي أعدنا إلى البيت وهناك ستُحل جميع المشاكل، بدلاً من حلها على مرأى ومسمع من فضول المتطفلين..
إلا أن أبي أجابني:
– هي اختارت الفضيحة، فكيف لي أن أستر عليها؟
طبعاً لم أفهم ما يقصد.. أمسكت بيد أمي لأساعدها للذهاب للبيت، ولكن أبي عاد يرغي ويزبد ويتوعد ويقول لي:
– خذها إلى بيت أهلها، هم أحمل بها وبفضائحها..
رجوت أبي أن يكف عن كلامه القاسي، إلا أنه بقي مصراً على موقفه..
فما كان من أمي إلا أن غادرت المكان إلى بيت أهلها.. أردت العودة مع أبي إلى البيت، إلا أنه رفض ذلك قائلاً: لا مكان لك عندي، أنت ابنها هي وليس ابني أنا.. أنا لا أعرفك، اسألها ابن منْ أنت؟
عصفت كلماته بكياني وعقلي: ماذا جرى يا أبي؟ ألست ابنك؟ كيف تقول بأنك لا تعرفني؟ كيف لا يكون لي مكان في بيتك؟ أين سيكون لي مكان إذن؟ ماذا يحدث بحق الإله؟ هل أصبت وأمي بالجنون؟

ولكني وجدت نفسي كمن ينفخ في الرماد.. فتركت أبي وتبعت أمي إلى بيت جدي، فوجدتها تغلق باب غرفة على نفسها، يُسمع صوت بكائها من الخارج. بينما جلس جدي وجدتي في شرفة البيت وكأن على رؤوسهما الطير.. انضممت إليهما، وجلست واجماً لا أفهم شيئاً مما يجري.

وفي صباح اليوم التالي، تسلمت أمي ورقة الطلاق، وبقيت في عزلتها، والتزامها للصمت، وتركتني أغرق في حيرتي.. أما جدي وجدتي، فقد جلسا طوال الوقت حزينين، لا يُسمع لهما صوت.

ذهبت إلى مدرستي، فحاصرني المعلمون والطلبة بأسئلة كثيرة حول حكاية أمي مع حبيبها، وحول طلاقها.. صرخت بهم، إلا أنهم لم يتوقفوا عن إيذائي بكلامهم.. فحملت حقيبتي ووليت هارباً من مدرستي.. همت على وجهي لساعات عدة، وقررت الذهاب لأبي.. يجب أن أعرف منه الحقيقة.
– أرجوك يا أبي أخبرني ماذا يجرى؟
* أولاً أنا لست متأكداً من أنك ابني.
– كيف لا أكون ابنك؟
* اسأل الخائنة أمك.
– أمي ليست خائنة.
* لا تدافع عنها، بل اسألها كيف لها أن تحب رجلاً آخر وتلتقي به وهي لا تزال على ذمتي.. فماذا يضمن لي بأنها لم تلتقِه سابقاً وفي أماكن أخرى؟
– أمي رقيقة المشاعر، وأنت تهملها، وهي تتعطش لمن يهتم بها، ربما يكون هذا هو السبب.
* لا تبحث عن مبررات لخيانتها، لو كنت مكان إخوتها لقتلتها.
– وماذا عني وعن الطفل داخل أحشائها؟
* اسألها، أبناء مَن أنتم؟!
أرجوك، لا تقسُ علينا.
* هي تتحمل المسؤولية الكاملة عن كل ما يحدث.. فهي لم تحفظ البيت والزوج الذي ستر عليها.

عدت إلى بيت جدي، فإذا بضجيج مرتفع يصدر منه، لم أجد أمي.. سألت جدتي، فقالت باكية: رحم الله أمك وغفر لها..
– ماذا تقصدين؟
أجابني صمتها دون أن تنبس ببنت شفة.. وأدركت الحكاية بعد حين.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد