لم أتوقّع يوماً أن نهايتي ستكون هكذا.. أنَّ سنوات دراستي وبحوثي ستنتهي بي في هذا المكان، كنت كلما صفّق لي الطلبة على نتائجي الإيجابية إلا واستبشرتُ خيراً أن مستقبلي سيكون مكتباً أنيقاً وسيارة وردية اللون وشقة في الطابق الثاني بشرفة تطلُّ على حديقة جميلة.
كنت أرى في أعين الناس احتراماً زائداً لوالدتي، وبحجابها زاد احترامهم لها فارتديته، ارتديته ولم أتوقع أنه سيُدَنّس بهذا الشكل.
لم أتوقع أن يكونَ مصيري هنا، في هذه الحافلة بين مُتحرِّشٍ ولِص!
يعتريني شعور غريب هنا ورجلٌ خلفي يحتضنني بوحشية خَفية، أنفاسه تخترق أذني.. يصرخ بنشوة في صمت وهو يتحسس أطرافي وكأنه يَقيسُ نبضي من هناك!
تذكرتُ يوم أن صَرَخت فتاة في وجه (ذَكَر) كان يقيس نبضها كيف تعامل معها الراكبون، كيف أنهم طلبوا منها إن هي تضرّرَت من التصاق جسدها بـ(متحرش) أن تستقل سيارة أجرة، كيف تخلّى عنها الرجال في تلك الحافلة، وكأنهم متحرشون فاتتهم جلسة جس النبض.
لم تسعفني تحركاتي يُمنة ويساراً أن يتزحزح ذلك الشيء من خلفي، كلما كسبتُ سنتيمتراً في هذا الزحام إلا وازداد التصاقاً بي أعمق وأعمق.. فصرتُ ألعن ساعات العمل وأيام الدراسة ودروس الدعم والتقوية.. ولعنت حتى هذا الحجاب الذي كان حاجزاً بيني وبين أن ينهض لي راكب من مقعده تقديراً واحتراماً لأحمر الشفاه وتسريحة الشعر ورائحة العطر.. فكل الجالسات كذلك، وأنا وهذه المرأة العجوز عرضةً لمتحرشٍ ولص!
من هنا تُقاس شهامة الأمة ورجولة المسلم، من هذا الموقف الذي أشعرني وكأني آلة تفريغ شهوات هذه المخلوقات.. لقد أحسست ذلك بعد أن ترك خلفي فراغاً، بعد أن استنشقت الهواء من مكانه الذي تركه، بعد أن قضى وطره وذهب.. ذهبَ وأنا أتحسسُ خلفي بيدي.. ما ذنب سترتي؟ ما ذنب أخلاقي وتربيتي؟ ما ذنب جسدي أن يتلوث وأنا لست ببائعة هوى ولا بمومس؟!
لم يذكروا لي في مقرراتي الدراسية أن هناك حيوانات تصول وتجول في الحافلات، لم يذكر في حصص الاجتماعيات أن في كل مائة نسمة قد تجد شخصاً يرى في التسعة والتسعين الباقية ماكينات تفريغ..
أول سؤال تلقيته عندما وصلت مقر عملي هو: كيف كانت بداية يومك؟ فطلبتُ وقتاً مستقطعاً لأكتب مقالي هذا مرفوقاً بطلب استقالة.
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.