هو ذاك الشَّرَك الذي نصبه الشيطان لأول الخلق مع شجرة لم يُذكر لها أثر، ولم يعرف إذا كانت إحدى شجرات الجنة العادية أم شجرة مختلفة مميزة!
تركت التفسيرات مفتوحة كعادة القرآن في تناول بعض الأمور بالسكوت عنها.
تأملت وأتأمل الموقف كثيراً.. لا أنفك أفكر فيه، لمَ شجرة الخلد؟ وما هي؟
سأبدأ شطر السؤال الثاني: ما هي؟ ولِمَ لَم تُذكر تفاصيلها حتى لم يذكر هل كانت مختلفة أم لا؟
الإجابة من وجهة خواطري أنه كان مقصوداً أن يسكت عنها، فاشتهاء الممنوع لا يكون دوماً في شكل مفزع، فلا ينحصر في القتل والسرقة.. ولكنه قد يمتد إلى أشهى الأشكال وأكثرها نعومة ودفئاً أو قد يلبس صورة أرقى.
فقد تصبح السرقة والرشوة بموافقة الطرفين "شاي وقهوة واسترزاق".
وقد يصبح الزنا صحوبية وحرية وتفرد.
وقد تصبح الأكاذيب مجاملات شهية.
وقد ينافق المرء بأريحية عشان يعيش.
وقد يظلم المرء كما ظلم بنفس راضية.
وقد يسيء الإنسان استخدام ممتلكاته ناسياً أنها نعم الله.
وقد.. وقد.. وقد تؤثرون الحياة الدنيا.
وقد يلهينا التكاثر حتى نزور المقابر.
وقد نتزين بالمال والْبَنُون والباقيات الصالحات خير وأبقى.
وأخرى من مظاهر الوقوع في الآثام بنوايا لا يظهر عليها سوء حتى لو لم تعد طيبة كفاية!
أما شق السؤال الأول: لمَ حدث ذلك؟ أَمَا كان الله قادراً على أن ينزل آدم الأرض، كما قرر له دون درس قاسٍ كهذا؟
عندما خلق الله بني آدم أشهدهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، وقد فسرت هذه على وجود بوصلة داخلة توجهنا دوماً لخالقنا، إن بحثنا عنها، وأنصتنا لصوتها.. ولكنها اختفت وسط ممتلكات نفسية كثيرة ألحقناها ببيتنا الصدري، فأصبحت مع الوقت أحد مقتنياتها وحسب.. وصرنا نتعامل معها كما يتعامل البعض مع الحجر الأسود على أنه حجر، نُنَفِّذ معه أحد أركان الحج والعمرة، لاكتمال الأمر وحسب، وليست هذه الفطرة بمجرد بوصلة أنتيك، وليست الحجر بمجرد حجر.
كما أن تشويه الفطرة يكون بـ(الإضافة) إليها، فإنه أيضاً يكون بـ(الانتقاص) منها، فإضافة الملوثات إليها مع النحت من صلبها يخرجان لنا كائناً مشوهاً مضطرباً.
حسناً لم يكن اشتهاء الممنوع وفق ولا ضمن ما وضع فينا من شهوة، ولكن أراد الرحمن أن يشير له عبر قصة سهلة الإيصال إلى عقول الجميع.
لمَ هذا تحديداً؟
علم الله أننا لن نتسلح بفطرتها التي كانت لتقينا وتحمينا من الكثير، وعلم الله أن اشتهاء الممنوع سيصير مع تلبيس إبليس لنا وكأنه جزء من فطرتنا.. سيصير فطرياً حتى أكثر من الفطرة نفسها.. وكيف لا فهو مفتاح لكل شر!
أن تُدْعى إلى ما في يدك وتفتن به ليس بشيء.. هو ملكي يا فتى.. حسناً فكيف أغويك بحق السماء؟
حسنا ادعني لأي شيء ليس معي.. وحده تستطيع أن تضيف عليه من الرتوش ما تشاء حتى يجاري في بهائه كنوز كسرى وفارس، ولكن ماذا لو كنت تخدعني ولَم يكن بذاك البهاء؟ لن تعرف ما لم تذُق.. ذُق واحكم.. فقط ذق، ذُق هيّا ذق، وهنا المكيدة.. تلبيس أي رداء بهيٍّ مزدان لما ليس في يدك؛ ليستحيل عليك التحقق إلا بكشف المستور.. وما أن تفعل يكشف عنك مستورك.. وتطفق تخصف عليك من ورق الطهر والنقاء.
نعم عملية متقنة جداً.. حقيقة تبدو منطقية كثيراً، فقد اعتدنا أن نضع أنفسنا مكان آدم حتى نفهم ما يجري ونشعر بمضاضة الأمر وصعوبة الوقوف أمامه.. ولم نضع أنفسنا مكان إبليس حائراً متخبطاً كيف يوقع بآدم.. انظروا معي من الزاوية الأخرى.. هذا آدم وهذا الحرام فكيف أوصل آدم لذاك؟ فكانت تلك الحيلة المذهلة، تلبيس الحقائق.. وللبسطاء.. تزيين المحرمات.
نزل آدم إلى الأرض ونزلت معه حيلة إبليس وأحد مبادئه الرئيسية للإيقاع بنا.. وكلما تعقدت طرق حياتنا تعقدت معها هذه الحيلة، وكلما تنورت عقولنا وتلونت، تلونت لها حيلها، ثم تركبت مع حيل أخرى حتى صارت خفية علينا تماماً كخفيتها على أبينا آدم.
كيف نردعها؟
ردعها يكمن في الوقاية والعلاج، في لقاء لنا آخر إن شاء الله.
نبدأ بالعلاج:
(الحلال بيّن والحرام بين)، جميل ذلك الحديث هو نور ورحمة، علم الله تخبطنا، ما صار منه وما سيصير، فأوجز لنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.