تقع قرية الشيخ أمير على الطريق الرئيسي بين أربيل والموصل، على الخط الفاصل بين مناطق سيطرة كل من الأكراد والجيش العراقي، وهي مهجورة ومدمرة من جراء القصف شأنها شأن مئات القرى.
وفي قيظ صباح حار كان حكيم حازم (37 عاماً) يعمل مع شقيقه وعدد قليل من أصدقائه لإصلاح بيته، وكانوا يخلطون الإسمنت ويبنون جداراً.
وقال حازم إنه بخلاف عائلته عادت للقرية عائلة وحيدة أخرى من عائلات القرية التي كانت تعيش فيها 120 أسرة من السنة والشيعة، وذلك منذ استعادتها من تنظيم داعش في أكتوبر/تشرين الأول 2016.
وعندما عاد كانت الشراك الخداعية تنتشر في بيته وفي المباني المجاورة وحظائر الحيوانات، حيث تم تلغيم بيوت كثيرة أخرى بعبوات ناسفة بدائية الصنع. كما حفر تنظيم داعش أنفاقاً في القرية وحولها.
وأشار حازم إلى أن فريقاً من المجموعة الاستشارية للألغام قام بتطهير معظمها، غير أنها ما زالت تمثل خطورة، مضيفاً أن صبياً عمره 12 عاماً يرعى الغنم، التقط قبل بضعة أسابيع جسماً من الأرض انفجر فيه وبتر أصابع إحدى يديه.
وأوضح حازم وشقيقه حسان أن أسرتيهما تقيمان في حجرات مستأجرة في أربيل وقراقوش. "لا يوجد شيء هنا، لا مدرسة ولا دواء ولا مياه، مجرد بئر. أرجو أن يعود الآخرون، وإذا لم يعودوا فما العمل؟"، تابع حازم.
وفي قراقوش الواقعة في المنطقة نفسها قتل أفراد عائلتين عائدتين عندما دهست السيارتان اللتان كانوا فيهما لغماً فانفجر.
قال كريج ماكينالي مدير العمليات بمشروع بيبولز ايد، إن أسرة واحدة فقط من رعاة الغنم تعيش في القرية بصفة دائمة.
وفي قرية كبرلي القريبة، عادت حوالي 20 أسرة منذ فبراير/شباط 2017، بعد أن طهرت فرق مشروع بيبولز ايد المدارس والبيوت.
وضرب تشارلز ستيوارت القائم بالأعمال في بعثة الاتحاد الأوروبي مثلاً بفصل دراسي في الفلوجة، زرعت فيه المتفجرات تحت ألواح الأرضية لقتل الأطفال عند عودتهم إلى فصولهم، وتم اكتشافها في الوقت المناسب.
وقال ستيوارت إن من المشاكل الكبرى سعي البعض إلى تسوية الأمور بأنفسهم، ومحاولة تطهير بيوتهم بأيديهم، وكذلك لعب الأطفال في الشوارع، ما يجعلهم عرضة للسقوط ضحايا الشراك الخداعية.
احذر الثلاجات والأبواب
وتنتشر الشراك الخداعية في البيوت والمدارس والمساجد والشوارع، لتمثل مشكلة كبرى في الشطر الغربي من الموصل كذلك، في أعقاب سيطرة القوات الحكومية عليه هذا الشهر بعد معارك استمرت تسعة أشهر.
وفيما وراء الموصل في القرى والحقول الممتدة من سهل نينوى إلى الإقليم الذي يتمتع فيه الأكراد بالحكم الذاتي، زرع مقاتلو التنظيم قنابل بدائية وألغاماً في منطقة شاسعة، مع انكماش مساحة دولة الخلافة التي أعلنوها.
وقال ماكينالي مدير العمليات بمشروع بيبولز ايد النرويجي لمكافحة المتفجرات عن حجم انتشار الألغام؟ "توجد كيلومترات وكيلومترات وكيلومترات من العبوات الجاهزة للانفجار، حساسة بما يكفي لكي يفجرها طفل، وقوية بما يكفي لنسف شاحنة".
ويقول خبراء إن الألغام عادة ما تزرع في صفوف في الأرض المفتوحة، غير أن العبوات المتفجرة البدائية في المباني تتصل بالأجهزة المنزلية مثل البرادات (الثلاجات) والسخانات والتلفزيونات، وتضبط لكي تنفجر عند الضغط على زر أو فتح باب.
وتقول دائرة الأعمال المتعلقة بالألغام التابعة للأمم المتحدة التي تنسق حملة التطهير، إن حوالي 1700 شخص سقطوا بين قتيل وجريح، بسبب تلك المتفجرات منذ بدء عمليات التطهير في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
القرص الضاغط
في مكتب مشروع بيبولز ايد في أربيل، عرض ماكينالي أحد قدامى رجال الجيش الأميركي، الذي شارك في تطهير مناطق من أخطار المتفجرات في بلاد من كولومبيا إلى أفغانستان مجموعة من العبوات، بعضها مصنع من قطع من المعدن يغطيها الصدأ.
وأكثرها شيوعاً هو "القرص الضاغط" المكون من لوحين طويلين تفصل بينهما مادة يتصل أحدهما بقطب سالب والآخر بقطب موجب، وعند الضغط عليه بالقدم تنغلق الدائرة وتنفجر العبوة الرئيسية.
وقال ماكينالي "هذا خط تجميع صناعي. هؤلاء القوم متعلمون ويفهمون الإلكترونيات".
وأضاف أن القائمين على صنع القنابل يتعلمون أيضاً من أساليب القائمين على التطهير، ويتكيفون معها.
ويشارك في حملة مكافحة المتفجرات السلطات العراقية والكردية والأمم المتحدة ومجموعة من المنظمات الأهلية والمؤسسات التجارية. ويتجاوز نشاطها تطهير المواقع.
وتقدم فرق التواصل مع المجتمع دروساً للتوعية بمخاطر الألغام لمئات من الناس، ويقول الخبراء إن عملية تطهير الألغام قد تستغرق عشرات السنين.